وكأن الأسود شاهدة على العصر، صامدة شامخة لقرن ونصف من الزمان، تحكى لنا أسرار القاهرة وتبوح باريج النهضة والتطور والثورات والجولات، زيارات الأجانب وعبور الفلاحين من القاهرة للجيزة، جائت تسمية قصر النيل من قبل فكرة الخديو إسماعيل لإنشاء الكوبري، حيث “قصر النيل” هو ذلك القصر الذي شيده محمد على باشا والى مصر لابنته زينب على ضفة نهر النيل.
أسود الكوبرى العملاق تزين الكوبرى فيصبح علامة مميزة من علامات تاريخ القاهرة، فى عام 1869 كان الخديوى إسماعيل مهووس بشوارع أوروبا مشحون بالحماس والشغف لجعل مصر قطعة من أوروبا أوتفوق جمالها، فكان سريع التجوال ورحالة فى السفر والتنقل بين عواصم العالم، قررربط ضفاف نيل القاهرة بأقرب نقطة لقصرعابدين مقر الحكم مرورا بميدان الإسماعيلية التحرير الآن، فاأمر الخديو ببناء جسر على النهر لتسهيل حركة المواطنين ونقل البضائع بالدواب من أعلى كوبري، تمر من تحته المراكب الشراعية المحملة بالبضائع فى طريق من الصعيد للدلتا والعكس.
وإذا كان هوسمان هو المهندس المسئول عن تطوير القاهرة بشوارعها ومبانيها، فقد أسند الخديو المهووس بباريس، أعمال البناء إلى شركة “فيف- ليل” الفرنسية، واستمر بناء الكوبرى 3 سنوات حتى منتصف عام 1871، بتكلفة 113.850 ألف جنيه مصري، وبلغ طـوله 406 أمتار، وعرضه 10.5 متر، وقامت الشركة بإهداء الخديو “ماكيت” للكوبرى صنع من الذهب الخالص.
وكان الكوبرى مكوناً من 8 أجزاء منها جزء متحرك من ناحية ميدان الإسماعيلية “ميدان التحرير” طوله 64 متراً لعبور المراكب والسفن، يتم فتحه يدوياً من خلال تروس، علاوة على جزأين نهائيين بطول 46 متراً، و5 أجزاء متوسطة بلغ طول كل منها 50 متراً، وتم تأسيس دعائم الكوبرى من “الدبش” المحاط بطبقة من الحجر الجيرى الصلب، كما تم تنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط، وصممت فتحات الكوبرى كى يمكنها حمل 40 طناً، والسماح بعبور عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان.
وبلغ ارتفاع جسم الكوبرى عن سطح النيل حوالى 10 أمتار، تحسباً لفيضان النيل، بالإضافة إلى وضع الأسود الـ4 على مداخل الكوبري، اثنان منها على جانبى كل مدخل، وهى من البرونز، وتم تصنيعها خصيصاً فى فرنسا ونقلت للقاهرة، وللتأكد من صلابة جسم الكوبرى وصلاحيته للاستخدام تم مرور 6 مدافع مع كامل ذخيرتها عليه.
إنشاء جسر يربط بين “ميدان الإسماعيلية” التحرير حاليًا، وبين الضفة الغربية من النيل بمنطقة الجزيرة، اقتداءً بمدن أوروبا التى تربط الجسور بين ضفافها، هذا هو السبب الذى جعل الخديوى إسماعيل يفكر فى إنشاء كوبرى قصر النيل عام 1869م، وهو أول كوبرى أنشئ فى مصر للعبور على النيل، الذى تحل ذكرى افتتاحه اليوم على يد الملك فؤاد فى 6 يونيو من عام 1933م.
ولم يتردد الخديوى إسماعيل فى اتخاذ القرار بالبناء، وبالفعل أصدر القرار وتم إسناد المشروع لإحدى الشركات الفرنسية، لبناء الكوبرى الواقع بالقرب من ميدان التحرير، وتم البناء بتكلفة وصلت لـ حوالى 2.750 ألف فرنك، أو ما يعادل 108 ألف جنيه مصرى فى هذا الوقت، واستغرق البناء ما يقرب من 3 سنوات.
بلغ طول الكوبرى 406 أمتار وعرضه 10 أمتار ونصف المتر، شاملة الأرصفة الجانبية التى بلغ عرضها مترين ونصف المتر، وكان الكوبرى مكونًا من 8 أجزاء، منها جزء متحرك من ناحية ميدان الإسماعيلية طوله 64 مترًا لعبور المراكب والسفن يتم فتحه يدويًا من خلال تروس، علاوة على جزئين نهائيين بطول 46 مترًا و5 أجزاء متوسطة بلغ طول كل منها 50 مترًا، وتم تأسيس دعائم الكوبرى من الدبش المحاط بطبقة من الحجر الجيرى الصلب، كما تم تنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط، وصممت فتحات الكوبرى حتى يمكنها حمل 40 طنًا والسماح بعبور عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان أو تحمل أوزان ضخمة موزعة على جسم الكوبرى.
بعد اكتمال إنشاء الكوبرى أمر الخديوى إسماعيل بتصميم أربعة سباع على رأس الكوبرى من الجانبين، وبالفعل تم تصنيعها من قبل الفنان الفرنسى أوجين جليوم الذى صنعهم فى فرنسا، ليأتى بهم إلى الإسكندرية ثم إلى مكانهم الحالى بقصر قصر النيل، وبسبب ذلك جاءت كنية أبو السباع على كل من يحمل اسم “إسماعيل”، وجاءت تكلفتهم آنذاك 198 ألف فرنك.
اهتم الخديو إسماعيل بتجسيد تفاصيل العظمة والريادة كنوع من سمات العمارات الخديوية التى شهدتها وسط البلد فى عصره ومازالت باقية على جدران المباني والكباري، طلب إسماعيل وضع تماثيل هائلة على بداية ونهاية الجسر، وكلف شريف باشا ناظر الداخلية فى أبريل 1871 بالاتصال بالخواجة جاك مار لعمل أربعة تماثيل لأسود أفريقية.
وكلف جاك مار لجنة مكونة من المثَّال أوجين جليوم والمصور جان ليون، لتتولى مهمة الإشراف على صناعة التماثيل، وخصص لها مبلغا قيمته 198 ألف فرنك.
وعن أسود قصر النيل تماثيل السباع صنعت في إيطاليا من البرونز، وشحنت إلى الإسكندرية وتكلفت 8425 جنيهاً مصرياً، وكان وقتها مبلغاً كبيراً جداً، وعندما أعيد بناء الكوبري نقلت الأسود الأربعة إلى مدخليه ولكن اختيرت لها مواقع أقل ارتفاعاً”.
وتتواتر الحكايات عن هذه التماثيل، فيقال إنه كان مخططاً وضعها على بوابات حديقة الحيوان في الجيزة، وتم تغيير الخطة في عهد الخديوي توفيق بن إسماعيل لتوضع على الكوبري المسمى باسم والده. ويردد أنها كانت السبب في إطلاق كنية “أبوالسباع” على كل من يحمل اسم إسماعيل.
تم تصنيع التماثيل من البرونز فى إيطاليا ، ونقلت إلى الإسكندرية ومنها إلى موضعها الحالى على مداخل الكوبرى، وبعد افتتاح الكوبرى بأسوده الأربعة انتشر بين العامة اسم “أبو السباع” كتسمية شعبية للكوبرى ومنها اتسع الاسم الجديد ليطال الخديو نفسه الذى لقبه المصريون باسم أبو السباع، وفي بداية إنشاء الكوبري كانت تفرض رسوم على العابرين، وكانت هذه الرسوم تستخدم في الإنفاق على تطوير الكوبري وصيانته، ففكرة دفع أجر العبور على الجسور لم تكن شائعة في مصر أو متعارفاً عليها.
فى منتصف عشرينات القرن الماضى، ومع ظهور السيارات لم يعد كوبرى قصر النيل ببنائه القديم قادرًا على استيعاب حركة العربات الجديدة. فبدأت وزارة الأشغال العمومية بتوسيع الكوبرى أو إنشاء جسر جديد يواكب التطور ويحمى كوبرى قصر النيل من الانهيار فأمر الملك فؤاد بإعادة بنائه مرة أخرى وتوسعته واختيرت شركة “درمان لونج”، وهى شركة إنجليزية شهيرة قامت ببناء جسر سيدنى فى نفس الفترة تقريباً، لتنفيذ المشروع عام 1931، فقامت بمضاعفة عرض الكوبرى إلى عشرين متراً بتكلفة بلغت حوالى 292 ألف جنيه آنذاك، وانتهى العمل به عام 1933، وأطلق عليه بعد التجديد اسم كوبرى الخديو إسماعيل تخليداً لذكرى والد الملك فؤاد الأول الذى قام بافتتاح الكوبرى بنفسه في 6 يونيو من عام 1933م حيث افتتح الملك فؤاد كوبرى الخديو إسماعيل والمعروف اليوم بكوبرى قصر النيل وهو أول كوبرى يشيد على نيل القاهرة عام 1869، وثانى كوبرى يشيد فى مصر بعد كوبرى بنها عام 1856، وهو تخليدا من الملك فؤاد لحلم الخديو إسماعيل لتحويل القاهرة إلى قطعة من أوروبا. ولم يستمر الاسم طويلا فقامت ثورة يوليو 1952 وعاد الكوبرى إلى اسمه القديم.. كوبرى قصر النيل.
منذ ذلك التاريخ صار الكوبرى أحد أهم شرايين القاهرة التى تربطه بجزيرة الزمالك، وخلال السنوات التالية شهد الكوبرى أحداثًا لا تُنسى؛ منها حادث تعرض له الملك فاروق بسيارته مع لورى تابع للجيش البريطانى تعامل سائقه بوقاحة مع ملك مصر، كما شهد حادث السيارة الشهير الذى تعرض له أحمد حسانين رئيس الديوان الملكى فى عهد فاروق الأول، وكانت هناك الكثير من الإشارات بأن هذا الحادث مدبر من الملك فاروق للتخلص من حسانين بسبب علاقته بالملكة نازلى والدة فاروق.
ويعتبر الخديوي إسماعيل من الحكام الذين تبنوا مشروعاً شاملاً لتنمية القاهرة، وكان يرغب في محاكاة النموذج الأوروبي وتحويل القاهرة إلى مدينة على الطراز الأوروبي، وشهدت القاهرة في عهده تحولات كبيرة من أبرزها جعلها مقراً للحكم بدلاً من القلعة، وتضاعفت مساحتها بإنشاء عدد من الأحياء الجديدة مثل حي وميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير حالياً) الذي سمي باسمه، وبنيت مجموعة من السرايات منها سراي عابدين الذي أصبح مقراً للحكم وسراي الجزيرة (فندق حالياً) وسراي الجيزة ودار الأوبرا المصرية، ونسق حديقة الأزبكية وطورها”.
ويذكر المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه عن عصر الخديوي إسماعيل أن الخديوي أنشأ كوبري قصر النيل البديع ليصل منطقة الجزيرة -التي أنشأ فيها سراي الجزيرة- بالقاهرة عام 1872 وتكلف وقتها 108 آلاف جنيه مصري، ويذكر المؤرخون أن الهدف من بناء كوبري قصر النيل كان ربط ضفتي النيل الشرقية والغربية، وكان العبور قبل ذلك يحصل عبر المراكب”.
كوبرى قصرالنيل عام 1894م
المواطنون يعبرون كوبري قصرالنيل عام 1910م
كوبري قصر النيل مزين بالأسود فيما يعبرون الفلاحين والتجار ضفاف النيل
كوبري قصرالنيل بالقاهرة عام 1910
مواطنون ينقلون المحاصيل من أعلى كوبري قصرالنيل عام 1910
كوبري قصرالنيل المتنفس الوحيد للمواطنين بين ضفاف النهر فى 1910م
كوبري قصر النيل
فرض رسوم
مرحلة تركيب أسود كوبري قصر النيل
قصرالنيل معبرالمواطنين على ضفاف النيل
افتتاح كوبري الخديوإسماعيل المطور فى عهد الملك فؤاد
نقلا عن : اليوم السابع