أزمة ثقة متفاقمة تشهدها العلاقات الأمريكية ـ الصينية بعد موقعة “منطاد التجسس” الذي اسقطته الولايات المتحدة بداية الأسبوع ، لما اعتبرته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سلوكا عدائياً برغم تأكيدات الصين المتتالية أن المنطاد كان يجري أبحاث تتعلق بحالة الطقس.
وفى محاولة لاحتواء التوتر القائم بالفعل ، قال الرئيس الأمريكي في مقابلة تلفزيونية الأربعاء إن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين لم تتضرر في اعقاب اسقاط منطاد التجسس ، وتابع رداً علي سؤال حول ما اذا كانت علاقات واشنطن وبكين قد تعرضت لـ”ضربة كبيرة” بعد الحادث، ليجيب بايدن بـ”لا”، مشيراً إلى أن فكرة اسقاط منطاد يجمع معلومات حول أمريكا سيئة ، وأن بلاده ستنافس الصين بشكل كامل ولكن دون صراع.
قلق ياباني ومشاورات أمريكية
وبعد أقل من أسبوع علي عملية اسقاط المنطاد ، أعلن مسئول ياباني الخميس أن طوكيو ستتعاون مع واشنطن لإعادة تقييم طبيعة أجسام طائرة مجهولة شوهدت فوق اليابان في السنوات الأخيرة، حيث قال المتحدث باسم الحكومة، هيروكازو ماتسونو، للصحفيين “نتواصل مع الولايات المتحدة لكننا نرفض التعليق على المحادثات الدبلوماسية.. ومع ذلك نقوم بتحليل أجسام شوهدت فوق اليابان في يونيو 2020 وسبتمبر 2021، بما في ذلك علاقتها المحتملة بما حصل في الولايات المتحدة”.
وشوهد جسم طائر غامض يشبه المنطاد في شمال اليابان عام 2020، ونشر السكان صورا له على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية حينها إن الجسم بدا وكأنه منطاد لمراقبة الطقس، لكنه لا يعود إليها.
واستبعدت الحكومة حينها فرضية أن يكون الجسم الطائر تابعا لدولة أجنبية، لكن أحيت قضية إسقاط الولايات المتحدة لمنطاد صيني دخل المجال الجوي الأميركي الشكوك حول طبيعة هذه المناطيد.
وأكد ماتسونو أن “الحكومة رصدت مناطيد مماثلة مجهولة الملكية”، منها واحد في يناير 2022 حلق فوق البحر غرب كيوشو في جنوب غرب البلاد. وتابع “نواصل بذل الجهود اللازمة لجمع وتحليل (المعلومات) بالتعاون مع حليفنا”.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قالت وزارة الدفاع اليابانية إنها تقوم بـ”مراقبة المجال الجوي الياباني على مدى 24 ساعة، 365 يوما من أصل 365 في السنة، لكن رفضت أن تؤكد ما إذا كانت مناطيد للتجسس قد شوهدت فوق اليابان على غرار المنطاد الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة.
النبرة الهادئة التي تحدث بها بايدن عن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية ، لا تعكس تصريحات البيت الأبيض الأربعاء ، حيث قالت المتحدثة كارين جان بيار، إن الصين أطلقت “في السنوات الأخيرة.. أسطولا من المناطيد المخصصة لعمليات تجسس” في أنحاء العالم كافة.
ويأتي هذا التصريح بعد أن كشفت مصادر استخباراتية أمريكية أن المنطاد الصيني الذي أسقطه سلاح الجو الأمريكي، السبت الماضي، كان ضمن برنامج مراقبة صيني أوسع يديره الجيش الصيني، وفق صحيفة واشنطن بوست الأميركية وشبكة “سي أن أن”.
ونقلت الشبكة عن عدد من المسئولين الأمريكيين المطلعين على المعلومات الاستخباراتية، القول إن برنامج المراقبة، الذي يتضمن عددا من المناطيد المماثلة، نفد جزئيا من مقاطعة هاينان في جنوب الصين.
وذكرت واشنطن بوست أن البرنامج يهدف إلى كشف معلومات عن الأصول العسكرية في البلدان والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للصين، مثل اليابان والهند وفيتنام وتايوان والفلبين، وأوضحت أن بكين تستفيد من التكنولوجيا التي تزودها بها شركة صينية، خاصة في إطار برنامج لتطوير التقنيات والقدرات المدنية لصالح جيش التحرير الشعبي.
وقالت الصحيفة إن واشنطن أحاطت حلفاءها وشركاءها بما لديها من معلومات عن هذا البرنامج، مشيرة إلى أن نائبة وزيرة الخارجية، ويندي شيرمان، تحدثت إلى دبلوماسيين من حوالي 40 سفارة، وأرسلت الوزارة إلى كل السفارات الأمريكية “معلومات مفصلة” عن التجسس الصيني يمكن مشاركتها مع الحلفاء والشركاء.
وفي حين لا تعرف الولايات المتحدة الحجم الدقيق لأسطول مناطيد المراقبة الصينية، كشفت المصادر لـ”سي أن أن” أن البرنامج نفذ 20 مهمة على الأقل في خمس قارات على الأقل خلال السنوات الماضية، من بينها 6 مهام داخل المجال الجوي الأمريكي، وليس بالضرورة فوق الأراضي الأمريكية.
وقالت المصادر إن جميع البالونات التي شوهدت في جميع أنحاء العالم، لا تنتمي بالضبط إلى نفس النوع الذي تم إسقاطه قبالة ساحل ولاية ساوث كارولاينا فوق المحيط الأطلسي، لكن هناك “نماذج متعددة”.
وفي أعقاب عملية السبت الماضي، كان قد تم اكتشاف منطاد آخر يحلق فوق أمريكا اللاتينية، قالت بكين إنه معد لأغراض علمية، وهي عبارات مماثلة لما صرحت به بعد اكتشاف منطاد المراقبة الذي أسقطته الولايات المتحدة.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين، لم تسمهم، قولهم إن المنطاد الثاني شوهد وهو يمر عبر أمريكا الوسطى والجنوبية، ووصفوه بأنه جزء من أسطول من مناطيد المراقبة التي تديرها الصين.
حطام المنطاد علي رادار الاستخبارات
وبحسب شبكة سي إن إن الأمريكية ، فإن هناك فريق من “النخبة” يتخذ من مختبر حكومي بولاية فيرجينيا الأمريكية مقراً له ويضم خبراء من الاستخبارات لرصد وتحليل حطام المنطاد التي تمت استعادتها، في محاولة لمعرفة المعلومات الاستخباراتية التي ربما جمعها وأفضل طريقة لتتبع مثل هذه المناطيد في المستقبل.
ويتكون الفريق من عملاء ومحللين ومهندسين وعلماء مسئولين عن إنشاء برامج مراقبة تقنية وتحليل تلك الخاصة بخصوم الولايات المتحدة.
وقالت المصادر المطلعة على هذا الجهد إن المسؤولين يسعون لمعرفة القدرات التقنية للمنطاد، مثل البيانات التي يمكنه اعتراضها وجمعها، والأقمار الصناعية التي تم ربطه بها، وما إذا كانت بها أي نقاط ضعف قد تكون الولايات المتحدة قادرة على استغلالها.
وسيعمل الفريق الذي يشرف عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي على معرفة ما إذا كان المنطاد مزودا بالقدرة على نقل البيانات التي تم جمعها في الوقت الفعلي إلى الجيش الصيني، أو ما إذا كان يحتوي على جهاز يمكن أن تحلله بكين لاحقا.
ويقول مسؤولو الدفاع الأمريكي إن الولايات المتحدة جمعت أدلة مهمة أثناء عبور المنطاد يمكنها إجابة بعض هذه الأسئلة، مثل بعض المعلومات عن أنواع الإشارات التي كان يبعث منها أثناء تحليقه، وفقا لمسؤول دفاعي تحدث للشبكة.
وستحاول الولايات المتحدة أيضا معرفة المزيد عن أولويات جمع المعلومات الاستخباراتية للصين في الولايات المتحدة، وفق تقرير “سي أن أن”.
ويقول المسؤولون إن السؤال الأكبر الذي لم يتم الرد عليه يظل نية الصين، وبينما تواصل بكين التأكيد أنه كان منطاد طقس انحرف عن مساره وأن مساره فوق الولايات المتحدة كان حادثا، ترفض وزارة الدفاع الأميركية هذه الرواية.
وقال العديد من مسؤولي الدفاع ومصادر أخرى، اطلعت على المعلومات الاستخباراتية، إن التفسير الصيني ليس ذي مصداقية، ووصفوا مسار المنطاد بأنه متعمد
وأشار مصدر مطلع على عملية مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن التحقيقات الجارية تحاول معرفة وجود أي تشابه بين التقنية المستخدمة في المنطاد وأي تقنية عسكرية أمريكية، بالنظر إلى تاريخ الصين الطويل في سرقة الأسرار الدفاعية الأمريكية علي حد قوله.
المنطاد ليس الأول
العلاقات الأمريكية ـ الصينية شهدت محاولات تجسس أو اتهامات متبادلة في هذا الشأن مرات عدة ، ففي عام 2015 ، قال الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أن نظيره الصيني قطع وعداً بعدم القيام بـ”أي تجسس إلكتروني” ، ما يعكس وجود حالات سابقة غير معلنة.
وقالت “سي أن ان” في التقرير أن الصين باتت ماهرة في قرصنة الأنظمة الحاسوبية للدول الخصوم لسرقة الأسرار الصناعية والتجارية، وفق باحثين ومسؤولين استخباراتيين غربيين.
وكان قراصنة صينيون اخترقوا أنظمة البريد الإلكتروني التابعة لـ”مايكروسوفت” ووزارة الطاقة الأمريكية وشركات المرافق العامة والاتصالات والجامعات، بحسب بيانات الحكومة الأمريكية.
وتغلغلت المخاوف من التهديد الصيني في قطاع التكنولوجيا، وسط مخاوف من أن الشركات المرتبطة بالدولة ستكون ملزم مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الحكومة الصينية
في عام 2019، اتهمت وزارة العدل الأمريكية مجموعة “هواوي” العملاقة للتكنولوجيا بالتآمر لسرقة بيانات تجارية والالتفاف على العقوبات المفروضة على إيران وغير ذلك من الجرائم.
وبحسب مشرعين أمريكيين ، اعتمدت بكين على مواطنين صينيين في الخارج للمساعدة في جمع المعلومات الاستخباراتية وسرقة التكنولوجيا الحساسة ، ففي عام 2022 قضت محكمة أمريكية بسجن ضابط استخبارات صيني 20 عاما لسرقته تكنولوجيا من شركات صناعات فضائية، حيث تمت إدانة شو يانجون بلعب دور بارز في خطة دعمتها الدولة الصينية مدتها خمس سنوات لسرقة أسرار تجارية من “جي إي للطيران”، التي تعد إحدى مجموعات صناعة محركات الطائرات الأبرز في العالم و”مجموعة سافران” الفرنسية.
المصدر :” اليوم السابع