تردد مصطلح ظاهرة الغسل الأخضر بالإنجليزية: greenwashing فى مؤتمر الأمم المتحدة ” قمة المناخ فى شرم الشيخ cop 27 ، لا سيما فى ظل الجهود الدولية للحد من تأثير التغيرات المناخية على كوكب الأرض وضورة الاستفادة من الأموال التى يتم تخصيصها لهذا الغرض دون غيره.
والغسل الأخضر أو الغسيل الأخضر، هو فعل تضليل المستهلكين حول الممارسات البيئية للشركة، أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة ما، حيث أن ممارسة الغسل الأخضر هو عمل من أعمال نقل المعلومات إلى الجمهور الذى يعتبر ظاهرا ومضمونا تحريف للوقائع والحقيقة من أجل أن تظهر الشركة ملتزمة بيئيا امام عملائها والمجتمع.
وتعمل الشركات على التضليل من خلال الغسل الأخضر، فى كثير من الأحيان، بتغيير اسم العلامة التجارية أو المنتج لإعطاء انطباع عن «الطبيعة»، كوضع صورة للغابات على زجاجة من المواد الكيميائية، علاوة على ذلك فان الغسل الأخضر يتضمن استخدام استثمارات خضراء موجهة للاقتصاد الأخضر فى مشروعات مختلفة لا علاقة لها بحماية الطبيعة ؛مما استدعى تصدى العالم لتلك الظاهرة.
وبحسب ما ذكرته مجلة الايكونميست فإن الاستثمارات وفقًا للمؤشرات البيئية والاجتماعية والحوكمة أو «إى إس جي» تعانى من معضلة قياس تسهم فى ظاهرة الغسل الأخضر التى تضلل الأسواق والمستثمرين بتشتت المقاييس، وعدم اتساقها من حيث المفهوم ومكونات المقارنة.
ففى حين تتسم مؤشرات التصنيف الائتمانى، مثل فيتش وستاندارد أند بورز وموديز، بمعامل ارتباط إحصائى قوى بين تصنيفاتها للشركات يبلغ 99%، إلا أن التصنيف وفقًا لمؤشرات البيئة وأخواتها لا يحقق معامل ارتباط يتجاوز 50% فى أفضل الأحوال.
ووفقًا لهذا وبحسب ما ذكره الدكتور محمود محيى الدين رائد المناخ للرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخى COP27 والمبعوث الخاص للأمم المتحدة المعنى بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، توصى مجلة الإيكونيميست بالتركيز على مؤشر واحد، وهى لا تكتفى بالتوصية باستبعاد الاعتبارات الاجتماعية وحوكمة الشركات أيضًا معها، ولكن توصى بالتركيز على مكون واحد للاعتبارات البيئية وهو الانبعاثات الضارة بالمناخ وحدها دون غيرها، وهى بالمصادفة تختصر بحرف «إي» أيضًا باللغة الإنجليزية.
أى أن التوصية تستبعد الاسترشاد الاستثمارى وفقًا لاعتبارات بيئية واجتماعية ومعها الحوكمة، وأن يُختزل الأمر كله فى بعد واحد هو البيئة أو المناخ وبمؤشر وحيد لهما لرصد التطور المأمول وهو الانبعاثات الضارة وبتركيز فقط على الانبعاثات الكربونية. وفى هذا الاختزال ضرر بالغ ينبغى توضيحه بقدر من التفصيل:
يضيف محيى الدين أن هذه الأهداف الجديدة تستوجب إدماج عناصر الاستدامة، المتمثلة فى تحقيق النمو الشامل، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة والمناخ، والحوكمة، فى النشاط الأساسى للشركات وليس مجرد وجودها كواجهة تعبر عن حسن النوايا تجاه المجتمع.
ومع ذلك تبقى أهمية مضمون ما ذهب إليه فريدمان من ضرورة تحقيق الشركة للربح، فبدونه ستزول الشركة من الوجود، ولو بعد حين، إفلاسًا أو إدماجًا، ولكن تأتى المعايير الجديدة للاستدامة لترسخ «كيفية» حصول الشركة على هذا الربح.
ويؤكد ” قد أشرت من قبل إلى أن الشركات فى اليابان، على سبيل المثال، تقدم نموذجًا جديرًا بالتدبر والانتفاع به، إذ تقود اتحادات الشركات منافسة فيما بينها فى إطار التزام عقدته على احترام صارم للقوانين المنظمة لأعمالها.
واتفقت الشركات من خلال اتحاداتها ومنظماتها المركزية والإقليمية على مبادئ للعمل والتنافس تتبنى مسلكًا جديدًا نحو الاستدامة وسلوكًا مختلفًا فى الإدارة يهدف إلى اليات منها.
تقديم معلومات تفصيلية واضحة للمستهلكين تسمح لهم بالاختيار؛ وتوفير بيئة عمل صالحة لكافة العاملين مراعية أسس عدالة الفرص والأجور، واعتبارات السلامة والصحة؛ وتطبيق إجراءات حماية البيئة، ومنع التلوث، وتخفيض انبعاثات الكربون الضارة، وتدوير المخلفات والتعاون مع السلطات المعنية ومؤسسات المجتمع المدنى فى تطوير المجتمع المحلى من خلال أنشطة ذات نفع حقيقى ومتوافقة مع النشاط الرئيسى للشركة.
ويؤكد أنه لا يمكن التضليل فى ممارسات الغسل الأخضر من خلال التقارير أو التضارب فى المعايير، ولكنه لا يحتمل أيضًا اختزال الاستدامة فى معيار واحد مهما بلغت أهميته، لافتا أن الدعوة الأجدى نفعًا أن تكون بالتوافق على المعايير الأساسية الحرجة للأبعاد البيئية والمناخية والاجتماعية فضلًا على الحوكمة وتفنيدها والالتزام بها تطبيقًا وإفصاحًا على النحو المعمول به فى المؤشرات المالية المعتمدة لمحاسبة الشركات ومراجعتها وتصنيفها، وهى ذاتها محل تقييم وتطوير مستمرين.
من جانبها توضح منصة جسر المستقبل ” فيوتشر بريدج ” خطورة الغسيل الأخضر ، إذا بالغت شركة فى تأثيرها البيئى أو ادعت أن سياسة صديقة للبيئة غير صحيحة، فهى منخرطة فى الغسل الأخضر.
وتشير أنه وجد تقرير صدر فى عام 2021 أن ما يقرب من نصف الشركات التى تم تدقيقها من قبل الاتحاد الأوروبى كانت تشارك فى درجة معينة من Greenwashing. ادعت الشركات إما أن لها تأثيرًا بيئيًا مبالغًا فيه أو أن سياسة صديقة للبيئة لم تكن صحيحة.
نتيجة لذلك، وضع الاتحاد الأوروبى معيارًا لما يعتبر غسلًا أخضر فى محاولة للحد منه كما أن الدول الفردية فى الاتحاد الأوروبى لديها أيضًا قوانين صارمة نسبيًا فيما يتعلق بالمطالبات البيئية.
على سبيل المثال، فى فرنسا، يمكن أن يواجه الأشخاص المدانون بتهمة غسل البيئة عقوبات بالسجن.
ومع ذلك، لم تتبع الولايات المتحدة هذا الاتجاه حيث لا يتطلب من الشركات الإفصاح عن مخاطر المناخ فى إيداعات الأوراق المالية إذا رأت أن هذه المخاطر غير جوهرية بالإضافة إلى ذلك، لا تفرض الولايات المتحدة تقارير التأثير البيئى أو الاجتماعي.
اضافت أنه على غرار الاتحاد الأوروبى، تمتلك كندا نظامًا أكثر قوة لمعاقبة الغسل الأخضر حيث قام مكتب المنافسة الكندى بالفعل بتغريم عدة شركات بملايين الدولارات بسبب ادعاءات كاذبة.
وتمتلك الأقاليم الفردية فى كندا أيضًا لوائحها الخاصة بالغسيل الأخضر، وبالمثل، تمتلك المملكة المتحدة إطارًا قانونيًا قويًا حيث طورت الهيئة العامة لسوق المال تعريفات واضحة لما يجب على الشركة فعله للمطالبة بالاستدامة أو صافى الصفر.
وتؤكد أنه على العكس من ذلك، فإن الدول الآسيوية الكبرى مثل سنغافورة والصين لديها القليل من اللوائح التنظيمية للغسيل الأخضر أو عدم وجودها على الإطلاق.
وتسعى الصين صراحة إلى تنمية صناعاتها وتحاول فرض أقل قدر ممكن من التنظيم. ومع ذلك، نجحت الإدارات المحلية لتنظيم السوق (AMRs) فى اضطهاد الشركات التى تضلل الجمهور بشأن تأثيرها.
على غرار الولايات المتحدة، لا تمتلك سنغافورة قانونًا قانونيًا موحدًا لمكافحة الغسل الأخضر، حتى أن الصناعات السنغافورية قد تكاتفت معًا لحماية نفسها من مزاعم الغسل الأخضر.
وحول مدى انتشار Greenwashing، كشفت أنه لا توجد تقارير عالمية عن انتشار الغسل الأخضر، بدلًا من ذلك، هناك عدد من التقارير التى أجريت على مدى العقدين الماضيين يشير أن الغسل الأخضر شائع بشكل مدهش فى الاتحاد الأوروبى، حيث وجدت أكثر من 42% من الحالات التى حللتها المفوضية الأوروبية درجة من التبييض الأخضر.
هذا الرقم مثير للدهشة بشكل خاص حيث أن لدى الاتحاد الأوروبى بعضًا من أقوى قوانين مكافحة الغسل الأخضر فى العالم، لافتة أنه إذا كان انتشار ظاهرة الغسل الأخضر مرتفعًا جدًا داخل أوروبا، فقد يشير ذلك إلى أنه أكثر شيوعًا فى أماكن أخرى.
وهناك بعض البيانات لدعم هذا الادعاء، حيث وجدت دراسة أجريت عام 1991 للتسويق البيئى فى الولايات المتحدة أن 58% من الإعلانات البيئية تحتوى على ادعاء مضلل واحد على الأقل.
المصدر : اليوم السابع