قبل 20 عاما، قادت الولايات المتحدة تحالفا غزا العراق بعد 6 سنوات من تقديم مدير اللجنة الخاصة للأمم المتحدة السويدي رولف إيكيوس، تقريره النهائي إلى مجلس الأمن الدولي.
ومن المفارقات، عاد الشخص نفسه وكشف “المؤامرة” الأمريكية، في كتاب جديد نشره تحت عنوان “العراق منزوع السلاح: القصة وراء خطة إسقاط صدام”.
وفي التفاصيل، نشرت مجلة “Responsible Statecraft” الإلكترونية، التابعة لمعهد “كوينسي للدراسات”، مقالا للكاتب مارك جونيينت ناقش فيه كتاب إيكيوس، وأوضح ما ارتكبته إدارة بوش بإصرارها على الحرب التي كان بإمكانها أن تُجنب العالم ويلاتها.
وأشار التقرير إلى أن إيكيوس كان على وشك مغادرة منصبه كمدير للجنة الخاصة للامم المتحدة “يونيسكوم” التي تم تشكيلها في العام 1991 للإشراف على عملية إزالة برنامج أسلحة الدمار الشامل في العراق، حيث أشار في تقريره إلى أنه “ليس هناك الكثير من الأشياء المعروفة عن قدرات الأسلحة المحظورة التي يحتفظ بها العراق”.
وفي كتابه الجديد يجدد إيكيوس تكرار قناعاته أنه بحلول ذلك الوقت أي في العام 1997، الذي ترك فيه منصبه كمدير لـ”يونيسكوم”، “كان هناك دليل كبير على أن الوضع كان تحت السيطرة بدرجة كبيرة”.
وذكر الكتاب أن جورج دبليو بوش وتوني بلير بررا غزوهم للعراق على أساس أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل جعلته يشكل خطرا على العالم.
وسهلت وسائل الإعلام الرئيسية انتشار رواية الحكومة الأمريكية من خلال إسكات الأصوات المعارضة بشكل أساسي.
وبحلول أكتوبر 2004، كان على تقرير وكالة المخابرات المركزية أن تعترف بأن العراق لم يكن يمتلك أسلحة غير مشروعة وليس لديه برنامج لإنتاجها في وقت الغزو.
ووصف معهد “كوينزي” التقرير الذي قدمه إيكيوس في العام 1997 أنه كان بمثابة وصف دقيق للوضع في ذلك الوقت وأنه شيئا لم يتغير يذكر منذ ذلك الحين، وأن هذه الاستنتاجات جاءت بعد 6 سنوات من عمليات التفتيش الشاقة للمنشآت العراقية المخصصة لإنتاج أسلحة الدمار الشامل والقضاء على المخزونات الموجودة.
ولفت الكتاب إلى أنه وبالتوازي مع هذه الجهود، جرى إنشاء آلية مراقبة لضمان عدم قيام العراق بإعادة بناء برنامج أسلحة للدمار الشامل.
وذكر الكتاب أن العملية برمتها كانت معقدة بسبب عرقلة الحكومة العراقية المتكررة، ففي عام 1991، على سبيل المثال، حوصرت مجموعة من مفتشي الـ UNSCOM من قبل أفراد عراقيين في ساحة انتظار لمبنى يستضيف وثائق رسمية حيث وجدوا معلومات حول برنامج أسلحة الدمار الشامل في العراق.
وفي الوقت نفسه ، كان التهديد بعمل عسكري أمريكي ضد العراق يلوح في الأفق على عمل اللجنة الخاصة، وفي الواقع، تم شن ضربات جوية صاروخية محدودة ضد العراق في عامي 1993 و1996، كما تم شن قصف أكثر كثافة خلال عملية ثعلب الصحراء في عام 1998.
وذكر التقرير أن كتاب إيكيوس حافل بالأوصاف المتعلقة بالصعوبات الفنية واللوجستية التي واجهها إيكيوس وفريقه سواء في تشكيل الفريق أو في إبقاء المهمة على عملها، حيث تحول الفريق إلى كيان لم يكن لديه ميزانية خاصة، وكان يقدم تقاريره مباشرة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، بدلا من الأمين العام للأمم المتحدة، بينما كانت الدول الأعضاء في اللجنة تدفع رواتب رعاياها العاملين فيها، في حين قدمت بعض الدول، وخصوصا دول الخليج، مساهمات مالية فردية للمفوضية.
علاوة على ذلك، ذكر الكتاب أنه وعلى الرغم من أن إيكيوس كان يمارس القيادة على طائرة الاستطلاع U-2 التي تستخدمها UNSCOM لمراقبة العراق، إلا أن الطائرة تعمل من قاعدة أمريكية في المملكة العربية السعودية.
وكان أساس عمل اللجنة الخاصة للأمم المتحدة هو قرار مجلس الأمن رقم 687، الذي تمت الموافقة عليه في أبريل 1991، ولم يقتصر القرار على إنشاء اللجنة الخاصة فحسب، بل تضمن أيضا وعدا مهما للعراق في الفقرة 22 التي تنص على أنه إذا كانت اللجنة الخاصة ستصدق على أن برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي لم يعد يمثل تهديدا، سيتم رفع الحظر النفطي المفروض على العراق بعد غزوه للكويت عام 1990.
وأشار الكتاب إلى أن المحاور الرئيسي لإيكيوس في بغداد كانطارق عزيز ، نائب رئيس الوزراء العراقي، والمتحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة وعضو الدائرة المقربة حول صدام حسين، حيث يصر عزيز باستمرار على رفع العقوبات في حين أن إيكيوس يؤكد أن العراق يجب أن يكون صادقا مع لجنة الأمم المتحدة الخاصة بشأن مواقع إنتاج أسلحة الدمار الشامل ومخزوناتها غير المعلنة حتى يمكن رفع الحظر.
ويذكر الكتاب أن مادلين أولبرايت لعبت دورا رئيسيا في تفاعل واشنطن مع اللجنة، أولا كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ثم لاحقا كوزيرة للخارجية، حيث يقول إيكيوس أن إدارة بيل كلينتون كلفت أولبرايت بضمان استمرار العقوبات على العراق من جانب مجلس الأمن.
ويؤكد الدبلوماسي السويدي أن شكوكه تعززت عندما ألقت أولبرايت فور توليها منصب وزيرة للخارجية، خطابا في جامعة جورج تاون الأمريكية، قالت فيه “إننا لا نتفق مع الدول التي تجادل بأنه إذا امتثل العراق لالتزاماته فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، فإن العقوبات يجب أن يتم رفعها”.
ويصف إيكيوس خطاب جورج تاون بأنه “ضربة”، حيث رأى أن كلمات أولبرايت كانت مخالفة بشكل مباشر للفقرة 22 الشهيرة، كما يوضح أنها كانت “أقوى حجة لإقناع العراق بالتعاون معنا هي بالضبط الصلة بين نزع السلاح وتخفيف العقوبات”.
وكان الدبلوماسي السويدي أكثر قلقا بشأن آثار العقوبات على الشعب العراقي أكثر من أولبرايت، وعندما سئلت وزيرة الخارجية عما إذا كان الموت الجماعي للأطفال في العراق نتيجة العقوبات المفروضة على نظام صدام حسين له ما يبرره، قالت “هذا خيار صعب للغاية، “لكننا نعتقد أن الثمن يستحق ذلك”.
وعلى العكس من ذلك، كتب إيكيوس في “عراق منزوع السلاح شعر بعدم الارتياح واليأس تقريبا في مواجهة معاناة الشعب العراقي، حيث كافح من أجل إحراز التقدم الضروري في عمله للتخفيف من محنتهم، مشيرا إلى أنه وبعد العقوبات المفروضة على العراق، تضاعفت معدلات وفيات الأطفال بحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة الصادر عام 1995.
ويوضح الكتاب أنه في أوائل العام 1998 تلقى دعوة عشاء في المحكمة العليا الأمريكية حضره الرئيس جورج بوش الأب وابنه جورج دبليو بوش الذي أصبح بعدها بوقت قصير رئيسا للولايات المتحدة.
وبحضور بوش الابن، طرح بوش الأب سؤالا على إيكيوس يتعلق بتقييمه لبرنامج أسلحة الدمار الشامل في العراق، حيث أجاب المفتش السويدي قائلا “إن مهمة “يونيسكوم” كانت ناجحة في مهمتها، إلا أن بوش الابن كان “مستاء بشكل واضح” من هذا التقييم.
ويكشف الكتاب أن بوش الأب ضغط على ابنه لكي ينتبه إلى كلمات إيكيوس المطمئنة، إلا أن بوش الابن فقد الاهتمام بالمحادثة التي كانت جارية.
وأشار إلى أنه في الشهور التي سبقت حرب العراق، حاول إيكيوس الضغط على إدارة بوش لكي تنتهج مسارا أكثر اعتدالا إزاء العراق، مشيرا إلى أن تم طرح خطة تتمثل في تشكيل قوة عسكرية متعددة الجنسيات بدعم من مجلس الأمن الدولي، تكون مهمتها ضمان أن مفتشي الأمم المتحدة ومسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بإمكانهم القيام بعملية تقييم لترسانة العراق المحتملة في إطار ما وصف بأنه “عمليات تفتيش قسرية”، تكون بمثابة خيار أفضل من الحرب التي تلوح في الأفق.
وبحسب الكتاب، فإن اقتراح الخطة كان من جانب جيسيكا ماثيوز، التي كانت تتولى وقتها رئاسة معهد “كارنيجي” لأبحاث السلام.
وتم حل اللجنة الخاصة في عام 1999، وكانت المنظمة التي خلفتها، لجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش (أنموفيك)، تفتقر إلى كفاءة وخبرة اللجنة الخاصة، حسب قول إيكيوس.
ويتابع إيكيوس بأنه زار البيت الأبيض في أوائل فبراير العام 2003 حيث التقى نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها، ستيفن هادلي، وبينما دافع السويدي عن خطة ماثيوز التي لم تتم دعوتها إلى اللقاء في البيت الأبيض لأن إدارة بوش كانت مستاءة من مواقفها المناهضة للحرب.
ويشير الكتاب إلى أنه وبحلول ذلك الوقت، ربما لم يكن هذا اللقاء سوى بمثابة إجراء شكلي، حيث يقول إيكيوس إنه شعر بأن الحرب أصبحت احتمالا قائما.
ويختم تقرير المعهد الأمريكي بالقول إنه بعد 20 عاما من بداية حرب العراق، ما يزال هناك الكثير لكي يتم تعلمه من نجاح “يونيسكوم” في تفكيك برنامج الأسلحة العراقي المحظور، وأيضا من تجربة فشل الدبلوماسية الدولية في منع بوش الذي كان مصمما على إطلاق صراع غير قانوني لا يزال صدى عواقبه يتردد في الشرق الأوسط وأبعد منه.
المصدر: روسيا اليوم