نفذت طائرات حربية فرنسية يوم 8 فبراير 1958 غارات على بلدة ساقية سيدي يوسف الواقعة شمال غرب تونس على الحدود الجزائرية، ما أسفر عن مقتل نحو 70 مدنيا، وإلحاق دمار كبير بالمنطقة.
كانت حرب التحرير الجزائرية في عام 1958 قد دخلت عامها الخامس، وكانت فرنسا تتوهم في ذلك الوقت أنها قادرة على إخماد المقاومة وفرضت شروطها بشأن مستقبل الجزائر.
في ذلك الوقت توقفت المفاوضات حول استقلال الجزائر وكانت جارية منذ عام 1956، وذلك بسبب تعنت فرنسا وسعيها المحموم للاحتفاظ بسيادتها على هذا البلد، فيما كانت جبهة التحرير الجزائرية تصرعلى الاستقلال التام ورحيل المستعمرين، ولذلك تواصل القتال.
الجيش الفرنسي سعى في عام 1958 إلى خنق الثورة الجزائرية من خلال بناء حواجز على طول الحدود، لعزل جيش التحرير الوطني الجزائري ومنع وصول الإمدادات إليه.
الهجوم الجوي العنيف على ساقية سيدي يوسف في 8 فرباير 1958، جاء في إطار تلك الاستراتيجية، حيث لم يتوان الفرنسيون عن ارتكاب جريمة بشعة بحق المدنيين الأبرياء في سبيل تحقيق أهدافهم الاستعمارية.
في ذلك اليوم وبذريعة ملاحقة وحدات جيش التحرير الجزائري، أغارت طائرات فرنسية محملة بالقنابل من طرازات “ميسترال” و”كورسير” و”ب 26″، وصبت حممها على البدة التونسية التي كانت ملجأ للكثير من الجزائريين.
قتل في تلك الغارات 69 شخصا من بينهم 20 طفلا و11 امرأة، كما أصيب 130 آخرون، واختلط الدم الجزائري بالدم التونسي.
علاوة على ذلك تسببت تلك الغارات الفرنسية التي تواصلت لنحو ساعة ونصف في تدمير 3 عربات للصليب الأحمر الدولي ونحو 130 منزلا و85 متجرا ومدرستين.
ساقية سيدي يوسف المنكوبة حينها بالقنابل الفرنسية، بلدة صغيرة على الحدود التونسية الجزائرية على طريق يربط مدينة الكاف التونسية بمدينة سوق أهراس الجزائرية.
هذه البلدة كانت تعد منطقة استراتيجية لوحدات جيش التحرير الجزائري وخاصة بالنسبة لعلاج الجرحى والمصابين، وكانت الغارة الفرنسية المدمرة، عقابا جماعيات وانتقاما وحشيا لدعم التونسيين لإخوتهم الجزائريين.
فرنسا أنكرت أن يكون جيشها استهدف المدنيين في البلدة، وأعلن مسؤولوها أن القوات الفرنسية الجوية دمرت معقلا للمقاومة الجزائرية يقع على بعد نحو كيلو متر ونصف من ساقية سيدي يوسف.
صحفيون محليون وأجانب زاروا المنطقة كشفوا زيف الرواية الفرنسية الرسمية، حيث شاهدوا الخراب الذي أصاب مرافق البلدة وحولها إلى أطلال، ولم يعثروا على أي أثر للموقع الذي زعمت باريس أن قواتها استهدفته.
تونس بدورها، قدمت شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في 12 فبراير 1958، طالبت فيها بإدانة الهجوم الفرنسي الوحشي. دخلت الولايات المتحدة وبريطانيا على الخط وقامتا بـ “مهمة مساعي حميدة” للتوسط بين تونس وفرنسا.
مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. لكن كما يظهر بوضوح في الكثير من الاحداث المشابهة التي تقف وراءها جيوش الغرب، تمر هذه الجرائم بسلام ويتم التقليل من شأنها وإبعاد الأضواء عنها إلى أن يطويها النسيان، وكأن شيئا لم يكن!
المصدر: روسيا اليوم