أكد الأستاذ عبد اللطيف سليمان أحد علماء الأزهر الشريف، أن الإسلام الذى أكرمنا الله سبحانه وتعالى به ونحن من أتباعه ومن خدامه، دين يدعو الى التعقل والى التدبر والى التأمل وكان القدوة في ذلك هو حبيبنا ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حينما تتنزل عليه آيات فيأخذها يقرأها ويبكي فتقول له السيدة عائشه ما بك يا رسول الله فيقول يا عائشه نزلت علي آيات ويل لمن قرآها ولم يتدبرها .
ويتساءل، ما هذه الآيات يا رسول الله؟ قد يتوقع أحدنا وهو يقرأ صدر الحديث أن هذه الآيات التى يقصدها رسولنا الكريم تتحدث عن الجنة فتشوقنا أو آيات تتحدث عن النار فتخوفنا، الا أن المقصود بها أن في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لإيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قيام وقعود وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار .
هذه الآيات التى سجد لها قلب النبي صلى الله عليه وسلم، تدعونا الى التأمل والتفكر والتدبر فيما صنع الخالق من تلك النعم التي تتزاحم من حولنا، فيقول إن فى خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار، أرايت كيف يتنقل من مشهد الى مشهد ومن صورة الى صورة وكأني حينما نظرت الى هذه الآيه بعد تعليق حبيبنا النبي صلى الله عليه وسلم تصورت أنها ليست مجرد حبرا على ورق وإنما هى عبارة عن نبض وحياة وروح رائعة تدب في أوصال أي إنسان يقرأ الآيات وهو مدرك لهذا المعنى الرائع، إن في خلق السماوات والأرض وإختلاف الليل والنهار لآيات لمن؟ لأولي الآلباب، أولي العقول، أي أصحاب الأفهام، ثم يقول سبحانه وتعالى ويتفكرون فى خلق السماوات ، هذا ما جعل الرسول يبكي، ، وبعد التفكر والتدبر على الانسان أن يترجم ما فهمه وتدبره فيقول ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار الذي جعلك سبحانك ترينا قدرتك فيما خلقت وفيما أبدعت وفيما أوجدت يجعلنا نوقن أن في الاخرة نار.
أضاف، إن الإنسان ميزه الله سبحانه وتعالى بميزة عظيمة وهي العقل، والعقل كما يعرفه علماء القانون وعلماء الشريعة بأنه مناطق التكليف، فالإنسان مكلف وبغير العقل لا تكليف ومن جميل ابداء الله سبحانه وتعالى في الخلق أن عز وجل لم يجعل غير العاقل مكلفا بالإنصات الى أمره ونهيه فالغير مهيأ لتلقي أوامر الله سبحانه وتعالى غير مكلف ، رفع القلم عن ثلاث منها المجنون حتى يفيق، فإذا كان الله عز وجل ميز الإنسان بالعقل وهى ميزة عظيمة، من خلاله يبدأ الإنسان يفكر فى كافة الأمور ويتدبرها، وحتى فى الأثر أول ما خلق الله العقل قال له أقبل فأقبل، قال له أدبر فأدبر، فقال الله عز وجل بعزتى وجلالى ما خلقت عندى أعز منك، فبك أعطى وبك أمنع، وبك أثيب وبك أعاقب، فنعمة العقل تستحق الشكر العظيم.
وتابع ” قبل أن يأتى الرسول صلى الله عليه وسلم بنعمة الاسلام ، كان يطوف الناس حول الكعبة، فيأتوا آخرون ويطوفوا معهم، فيقول اسمعوا وعوا أى افهموا.
وأكد سليمان أن رسالة الإسلام احترمت العقل وبدأت تعرض الإسلام فى صورة رائعة، فقد أعطى الله سبحانه وتعالى للعقل كثير من الروافد التى تغذيه ليفهم ويدرك المعنى الذى خلق من أجله فى هذه الحياة الدنيا، هذا القرآن العظيم أعوا الناس جميعا أن يلتفوا حوله ويتأملوا فيه، ففى القرآن الهداية والإيمان، كما أنه مزدحم بالمشاهد المادية التى تحملنا من عالم الماديات إلى عالم الروحانيات، وتلك وظيفة العقل أن يربط فيما بينه فالعقل يرفع من قيمة الإنسان ويعلى من شأنه إذا تأمل هذه التأملات الرائعة .
وحول الآية الكريمة ” قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون ” وهل يمكن أن تكون مبررا للبعض فى عدم إعمال العقل فى فهم النصوص القرآنية، يقول سليمان، أن هذه الكلمة ليست كلمة المؤمنين وإنما كلمة البعيدين عن الإيمان بالله سبحانه وتعالى المتعصبين لأسلافهم، فإعمال العقل فى النصوص الشرعية أمرا مهم للغاية لأن العقل نفسه هى الأداة التى تقدس هذا النص وتدرك معناه وفحواه وأساليب الإعجاز التى احتوت عليها تلك النصوص سواء كانت من كتاب ربنا أو من سنة رسولنا الكريم، فعلينا أن نُعمل العقل فيه، نقرأ النص ونجتهد فيه فهذا العقل خادم للنص فى تفسيره وتفصيله وإفهامه على نحو له ضوابط محددة معينة لا يخرج عنها .
يتفق ذلك مع رؤى المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادى فى كتاباته التى تدعو إلى التفكر والتدبر، حيث كتب مؤخرا مقالا تحت عنوان ” أسباب الخلاف والفرقة بين المسلمين تكمن فى إتباع الروايات وتقديس الشيوخ وهجر القرآن قال فيه،،
المفكر العربى على محمد الشرفاء يكتب .. أسباب الخلاف والفرقة بين المسلمين تكمن في اتباع الروايات وتقديس الشيوخ وهجر القرآن
إن الأسباب الحقيقية وراء المشاهد التي عاشها المسلمون من وفاة الرسول إلى اليوم من فرقة وقتال وتناحر تعود إلى سبب واحد هو الانصراف عن منهج الله الذي جاء في القرآن، ولذلك حدثت الفرقة التي أصلت لها النصوص المغلوطة والروايات المكذوبة، فتوحيد كلمة المسلمين تكمن في اتباع القرآن بنصوصه الواضحة وأحكامه الصالحة، فالله ليس له وكلاء في الأرض، وشيوخ الدين انحرفوا بتحديهم الله عز وجل حين عينوا أنفسهم وكلاء على الناس يراقبون أفكار الناس ويحكمون على معقداتهم .
إن استمرار هذا العبث يذكرنا بما حدث في القرن الثالث عشر في أوروبا عندما سيطرت الكنيسة على أفكار الناس، وإصدار الإحكام الجائرة عليهم.
فليعلم الناس جميعًا بأن الإسلام حرَّر العقل من سيطرة السلطة الدينية على عقولهم، وأمر الله سبحانه الناس بحرية التفكير والتدبر في شريعته ومنهاجه دون وكيل منه أو سلطة غاشمة، استحلت لنفسها باسم الدين حق الله للحكم على أفكار الناس ومحاسبتهم على عقائدهم.
ولو اتبع المسلمون كتاب الله وطبقوا شرعته ومنهاجه لما حدثت الاختلافات في الأحكام المتناقضة مع شريعة الله في قرآنه، وما تفرقوا في أحكامهم، ولا بد من الفصل بين حكم الله الذي اختص به وحده والشريعة الإلهية التي وضعها للناس لاتباعها في أحكامهم في الدنيا بما جاء في كتابه المبين.
فهل كلف الله سبحانه وكلاء عنه في الأرض من الرسل أو الأنبياء أو شيوخ الدين يراقبون الناس في أفكارهم وقناعاتهم وعقائدهم ويحاسبونهم ويعاقبونهم على ما آمنوا به؟ ألا يعتبر ذلك الموقف تحديًا لحكم الله في كتابه المبين، بأن الصلاحية لله وحده بمحاكمة المؤمنين والكافرين يوم القيامة؟
هل للشيوخ حق الحكم على الناس؟
فمن يا ترى يملك حق إعطاء شيوخ الدين محاكمة الناس على عقائدهم؟ وهل استندوا إلى شرعة الله في قرآنه، أم يتسلطون على الناس بمصادرة حق حرية الاعتقاد وحرية التفكر والتدبر في كتاب الله، الذي أمر عباده بأن يتفكروا في آياته ويتخذوا مقاصدها مرشدًا لهم في حياتهم الدنيا، حتى يعم العدل
بين الناس وحقهم في حرية التفكير لمعرفة طريق الحق الذي سيعينهم على الابتعاد عن ارتكاب المعاصي والذنوب في الحياة الدنيا، ليأمنوا حساب يوم القيامة، فمن يا ترى أعطى حق الله لشيوخ الدين لحساب خلق الله على أفكارهم وعقائدهم ومحاكمتهم على قناعاتهم؟
عصور الظلام في أوروبا وسيطرة الكنيسة
هل المسلمون يعيشون في عصور محاكم التفتيش في عقائد الناس كما حدث في القرن الثالث عشر في أوروبا وسيطرة الكنيسة على أفكار الناس، وإصدار الإحكام الجائرة عليهم؟!
الإسلام حرَّر العقل
فليعلم الناس جميعًا بأن الإسلام حرَّر العقل من سيطرة السلطة الدينية على عقولهم وأمر الله سبحانه الناس بحرية التفكير والتدبر في شريعته ومنهاجه دون وكيل منه أو سلطة غاشمة، استحلت لنفسها باسم الدين حق الله للحكم على أفكار الناس ومحاسبتهم على عقائدهم.
الشيوخ يعتدون على حق الله
فهل استمد شيوخ الدين سلطتهم من الشريعة الإلهية في القرآن الكريم، أم اغتصبوا حق الله في الحكم على خلقه؟ فالمسلم يشترط في إيمانه بعد الله إلهًا واحدًا لا شريك له؛ أن يؤمن بكتاب الله القرآن الكريم الذي أنزله على رسوله عليه السلام وبما تضمنته آياته من شريعة ومنهاج حياة للناس جميعًا.