مع الإعلان عن بدء جلسات الحوار الوطنى، بعد الانتهاء من تشكيل اللجان والمحاور، هناك فرصة حقيقية لتوسيع مجالات النقاش، وتوظيف الوقت الذى استغرقته فترة التجهيز لأن يكون تعبيرا عن حاجة حقيقية للمجتمع، وأن يطرح الأسئلة التى تتعلق بالحاضر والمستقبل ويتلقى عليها إجابات من الخبراء والأطراف المشاركة، خاصة أن أمانة الحوار أعلنت أن أغلب الجلسات ستكون معلنة بشكل يجعل المجتمع طرفا فى الحوار.
وعلى مدار شهور منذ إطلاق مبادرة الحوار الوطنى، جرت مياه كثيرة، وأتاحت الفضائيات ومنصات النشر عرض وجهات نظر مختلفة، فى السياسة والاقتصاد، وإن كان الاقتصاد يشغل المساحة الأكبر لدى البعض، فإن الأحزاب تركز أكثر على الممارسة السياسية، بل إن هذا الوقت الذى استغرقته عملية التجهيز، شهد تحولات عالمية وإقليمية فرضت بعض القضايا المتعلقة بالاقتصاد لم تكن مطروحة وقت إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى، للدعوة إلى الحوار، ثم إن هذا الوقت وما تم خلال هذه الشهور من خروج أعداد متتالية من المحبوسين على ذمة قضايا أو بقرارات عفو، هذه الخطوات تمثل أحد أهم أركان الحوار، ومثلت مطلبا أوليا من الأطراف التى أعلنت مشاركتها فى الحوار الدائر، وساهمت عمليات خروج هذه الأعداد فى بناء ثقة وتأكيد الجدية فى التعامل مع ملف مهم، خاصة مع دور لجنة العفو فى إعادة المفرج عنهم للمجتمع، وإلى أعمالهم، وهى خطوات تفتح الباب لمزيد من جسور الثقة.
ويرى نجاد البرعى، عضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، أن قضايا حقوق الإنسان ستكون أكثر الرابحين من الحوار، لأنها قضايا لم تختلف عليها التيارات السياسية أو أجهزة الدولة أو الإعلام، وأن التحدى القادم هو ترجمة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان إلى قرارات تنفيذية أو تشريعات، وأن الاستراتيجية تضمنت أغلب ما طالب به المجتمع الأهلى والحقوقى على مدى سنوات.
ومن بين العناصر الإيجابية التى تمت على مدى الشهور، هو فتح المجال لطرح قضايا الحوار فى الإعلام والقنوات المختلفة، حيث عرض سياسيون وحزبيون وخبراء وحقوقيون، رؤيتهم وأفكارهم ومطالبهم من الحوار، وهناك بالفعل ردود أفعال إيجابية من قبل المشاركين شجعت آخرين على المشاركة، والمفارقة أن بعض من أعلنوا عدم مشاركتهم أعلنوا آراءهم على صفحات مواقع التواصل أو فى قنوات ومنصات أخرى، وهو ما يجعلهم مشاركين فى النقاش أيضا بدرجة ما.
بالطبع هناك رؤساء وممثلون لأحزاب يرون أن المحور السياسى مهم ويشكل خطوة للعمل فى الحوار، بينما بعض الأحزاب ترى أن الاقتصاد يشكل أولوية، بجانب قطاعات تشير لأهمية المحاور الاجتماعية والثقافية بجانب السياسة والاقتصاد، وهو ما أعلن عنه خلال الأيام الماضية من تضمين كل القضايا فى محاور الجلسات، وتوسيع نسب المشاركة بما ينتج عنه توصيات تكون ورقة عمل لمرحلة جديدة.
وقلنا من البداية إن الحوار الوطنى أداة لإدارة التنوع فى المجتمع وإعطاء شعور للجميع بالمشاركة، باعتبار أن الدولة وصلت لمرحلة من اللياقة تمكنها من إدارة حوار يعكس حيوية، ويتيح الفرصة لتنوع يملأ مساحات المشاركة، خاصة بعد تجربة 12 عاما فى مصر والعالم العربى والعالم، على مدار العقود الأخيرة من ثورات التكنولوجيا والاتصال ومنصات التواصل الاجتماعى، تغير من شكل السلطة وممارستها فى العالم، فيما يتعلق بأساليب القيمة والربح والتأثير، والتى تغيرت فى ظل موجة ثالثة أعادت صياغة القواعد ولا تزال، بجانب أزمات غير مسبوقة مثل كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، والتى انعكست فى منافسات وحروب باردة وصراع نفوذ واستقطاب ظاهر.
وهذه التحولات فرضت على الدول اتخاذ اتجاهات اقتصادية تتعلق بالاعتماد على الذات أكثر، والانطلاق نحو نماذج تنمية متعددة تناسب التحولات الكبرى، وتغير من شكل الاقتصاد والاعتماد على العلم والتكنولوجيا وتغيير الأنماط القديمة للإنتاج، حيث لم تعد المفاضلة فقط بين الاشتراكية والرأسمالية، لكن بين أنظمة متعددة وتداخلات مختلفة.
كل هذا يجعل للحوار الوطنى قيمة مضاعفة، لرسم صورة المستقبل بمشاركة وتعاون كبير، ومن دون استبعاد.
نقلا عن اليوم السابع .