أتحفنا حراس التراث على مر الزمان؛ ومازالوا يتحفونا إلى الآن؛ بالعديد والعديد من الفتاوى الغريبة والشاذة؛ بعضها كوميديا وبعضها خادشا للحياء وبعضها يصعب تطبيقه على أرض الواقع.
ولكني اليوم سأسلط الضوء على نوعية الفتاوى التي يعد تطبيقها جريمة يعاقب عليها؛ ورغم أن حراس التراث جهلة بالقانون إلا أنهم مدركون تماما بأن هذه الفتاوى تخالف الدستور والقانون؛ ولكنهم مستمرين في إصدارها مطمئنين أنهم لن يخضعوا للمسألة القانونية..
على سبيل المثال لا الحصر:
فتوى إرضاع الكبير تعد جريمة فعل فاضح؛ وفقا للماده 278 من قانون العقوبات “كل من فعل علانية فعلاً فاضحا مخلا بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة” والمادة 279 من قانون العقوبات “يعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الماده 278 كل من إرتكب مع امرأة أمرآ مخلآ بالحياء ولو في غير علانية”.
فتوى مضاجعة الوداع تعد جريمة إنتهاك حقوق الموتى – ظرف مشدد للعقوبة؛ يعاقب المتهم بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسين الف جنية (مشروع قانون).
فتوى مفاخدة الرضيعة تعد جريمة هتك عرض- ظرف مشدد للعقوبة؛ وفقا للمادة 269/2 من قانون العقوبات “كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سنه 12 سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد تكون العقوبة بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن 7 سنوات”.
هذا بالإضافة إلى بعض الفتاوى التقليدية التى تأصلت فى عقول العامة والبسطاء إلى الحد الذى أصبحوا يعتقدون بأنها نصوص دينية وأوامر إلهية؛ مثل :
زواج القاصرات …
تعد جريمة إتجار بالبشر وفقا للمادة 219/1 من قانون العقوبات “يحظر كل مساس بحق الطفل في الحماية من الإتجار به أو الإستغلال الجنسي ومع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد يعاقب بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنية كل من باع طفلا أو إستغله جنسيا”.
ضرب الزوجات …
إن الضرب بشكل عام مجرم فى القانون المصري؛ إذا كانت بتعمد وترصد تصل العقوبة من 3 إلى 10 سنوات؛ أما لو كان على أثر مشاجرة فالعقوبة من سنة إلى 5 سنوات؛ ويعاقب الزوج الذى يعتدى بالضرب على زوجته بذات العقوبة؛ ولا يعفيه من المسألة القانونية صلة قرابته بالمجني عليها.
الإغتصاب الزوجي …
الحقيقة انه لا يوجد نص في قانون العقوبات يجرم الإغتصاب الزوجي على إطلاقه؛ ولكن إذا نتج عنه إصابات بدنية فأنه يعد جريمة ضرب؛ ويعاقب الزوج فى هذه الحالة بذات العقوبة.. ومازال هناك جدل قانوني وشرعي حول إمتناع الزوجة عن المعاشرة الزوجية وحق الزوج معاشرة زوجته ولو بالقوة.. إلا أن هناك مشروع قانون مقدم للبرلمان لتجريم الإغتصاب الزوجي؛ لم يناقش حتى الآن.
إن كل هذه الفتاوى تعد جرائم يعاقب عليها القانون؛ وحراس التراث – مصدرى هذه الفتاوى – يعلمون ذلك تمام العلم؛ ورغم ذلك يصدرون فتاويهم من وقت لآخر؛ على أمل أن تنتشر فى المجتمع؛ فى تحدى سافر للدستور والقانون؛ لأنهم معترضين على مبدأ سيادة القانون؛ فالقانون يحجمهم ويقيد حركتهم وسلطتهم ويحد من رغباتهم؛ وهذا بالطبع وضع لا يرضيهم.
هذه الفتاوى تعود بنا إلى عصور ما قبل القانون؛ زمن الغزوات والسبايا والجزية وكل هذه الأفعال الذى عفا عليها الزمن.. وحراس التراث لا يعترفون بأن الزمن قد تغير وأن الحياة الإنسانية قد تطورت وأن ما كان يصلح فى العصور القديمة لا يصلح الآن.. أنهم يحاولون الوقوف ضد تطور الحياة الإنسانية؛ يريدون العودة بنا إلى الوراء؛ إرضاءا لنرجسيتهم وتحقيقا لمصالحهم الشخصية.. ولكن…
الكرة الآن فى ملعب الدولة؛ إذا أرادت الدولة النهوض بالمجتمع والسير به الأمام؛ عليها إخراس هذه الألسنة بقوة القانون.
كاتبة المقال : ممثل أمازيغ مصر بمنظمة الكونجريس العالمي الأمازيغي وباحثة في علم نقد النص المقدس.
المراجعة القانونية : حاتم القاضى المحامى.