اكد الدكتور جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وأستاذ العقيدة والفلسفة، أن الدين الإسلامي هو دين العقل المنضبط، والقرآن الكريم هو كتاب العقل، فكل آيات القرآن الكريم الخاصة بإثبات آيات العقيدة ذكرها الله تعالى في صورة أدلة عقلية، وفي صورة أقيسة منطقية، موضحا أن كثيرا من آيات القرآن الكريم تبين مكانة العقل ودور العقل، كما بين الحق سبحانه وتعالى في كثير من الآيات “إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون” وفي أخرى “يتفكرون” و”لأولي الألباب” و”لأولي النهى”، مؤكدا أن الله تعالى أمرنا أن نسير في هذا الكون لنتدبر في خلق الله تعالى.
وقال وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن أدلة وجود الله تعالى جميعا تعتمد على وجوب إعمال العقل، ولكن العقل المنضبط، فالله تعالى يحاسب من لم يعمل عقله، بل إن جناية الكافرين في الآخرة واستحقاقهم الخلود في النار أنهم لم يعملوا عقولهم “وقالو لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير” لافتا إلى أنهم إذا كانوا يتبعون العقول القويمة الرشيدة لما أوصلهم الأمر إلى أن صاروا في الآخرة في العذاب.
وأوضح تعيلب أن كثير من التكليفات الشرعية، قال الله تعالى وقالت الشريعة أن شرطا فيها وجوب العقل، فالإسلام قد أوجب على فاقد العقل الحجر، لأنه لم يعد مؤهلا لهذا، وفي الشريعة نجد دائما الدليل العقلي بجوار الدليل النقلي، بل إن الصفات الواجبة لله تعالى هي ثلاثة عشر صفة، تسعة منها يثبت وجوبها أولا من خلال العقل، ثم يأتي الشرع مدعم لإثبات العقل، والثلاث الأخرى يكون استدلالها من خلال الشرع ويدعم العقل هذه الأدلة.
وأكد تعيلب أن التطبيقات العملية لأهمية العقل في الإسلام تفيد بأن كل قضايا العقيدة من خلال أدلة عقلية، بل وفي سورة منطقية، إثبات وحدانية الله تعالى في قوله “لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا” وهذا دليل منطقي، لأنهما لم يفسدا، وهذا يدل على وجود إله واحد وينتفي وجود أكثر من إله، كما ذكر الله تعالى الكثير من الأمثلة لإثبات وحدانية الله منها “يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له”، فهذه الذبابة التي هي من أقل الكائنات، لن تستطيع كل الآلهة مجتمعة لخلقها ما استطاعت، وهذا دليل عقلي أيضا، فالعقل هو مناط التكليف والقسمة المشتركة بين الناس جميعا.
يتفق هذا مع رؤى المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي، حيث يقول لا يوجد في الإسلام الذي أنزله الله على رسوله الكريم تسميات تميّز المسلمين عن بعضهم البعض، ولا شيوخ في الإسلام ولا أئمة، إنما ذلك تصنيف بشري لوضع هالة من العلو والهيبة والمكانة عند الناس، ليوهموا أتباعهم بأنهم قريبون من الله، وكلامهم مقدس ومصدق لا التباس فيه ولا شك، وبذلك يكثرون من أتباعهم. فالإسلام لديهم كثرة الأتباع وإعلاء الذات، وإرضاء النفس بالمكانة التي وضعوا أنفسهم بها عند الناس.
يوضح مفكر العرب علي الشرفاء أن الأجيال توارثت تلك الألقاب واعتاد عليها الناس حتى أصبح من يريد أن يتقرب إلى الله لا بد أن يكون له شيخ يأخذ منه العهد، في تقاليد وعادات ما أنزل الله بها من سلطان، فلا كهنة في الإسلام ولا أحبار ولا شيوخ، الله سبحانه يريد للإنسان أن يستقل بفكره ويتدبر في كتابه بعقله ،ويفهم مراد الله من آياته، حينئذ تترسخ في عقله المفاهيم لحقيقة رسالة الإسلام وتتمركز في عقله، ويتفانى في طاعة الله عن إيمان ويقين بما أفاء الله عليه من إدراك لغايات الآيات لمنفعة الإنسان فى الدنيا والآخرة.
يؤكد الشرفاء أن الله لا يريد للإنسان أن يكون عقلًا مرتهنًا لغيره، ليحرم ملكة عقله من التدبر والتفكر في كلمات الله في قرآنه، ويستنبط منها حقيقة التكليف الإلهي له ومسؤوليته في الحياة الدنيا واستعداده بعمل الصالحات للآخرة. والله سبحانه يبين لنا التكليف والمسؤولية في الدنيا والآخرة بقوله «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص : 77) وما يعيشه المسلمون اليوم من اتّباع روايات التراث وتراكمها على الآيات حتى أصبح العقل وسيلة لنقل أقوال وأفهام الأقدمين، دون أن يكلف المتخصصون في الخطاب الإسلامي أنفسهم باستخدام عقولهم لاستنباط وإدراك مراد الله من آياته، لما ينفع الناس ويصلح أحوالهم في الدنيا ويجزيهم الله جنات النعيم في الآخرة.
يقول الشرفاء ” حينما ننظر لكل المناهج الدينية في جميع المعاهد الإسلامية نجدها اعتمدت على النقل، وعطّلت العقل الذي أراد الله للإنسان أن يوظفه في فهم مقاصد آياته لتعينه في تحقيق الحياة السعيدة الآمنة المطمئنة في حياته الدنيا، وتقيه ما ينتظره من مفاجآت يوم الحساب، فأصبح المسلمون يعتمدون في فهم دينهم على حفظ مفاهيم من سبقوهم ويعصون ربهم في أمره تعالى وهو يخاطب عباده بقوله: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» (محمد : 24)”.
يشير مفكر العرب علي الشرفاء إلى تحذير الله سبحانه للمسلمين إذا أعرضوا عن كتابه ولم يتفكروا في مقاصده بقوله «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)» (طه) ثم يخاطب الله بعض الذين استغفلوا الناس بأقوالهم ومزاعمهم ورواياتهم بقوله سبحانه: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ» ( الفرقان : 17) ثم يبدون الندم ويقولون: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا» (الفرقان : 27) ثم يردد أسفه وحزنه بقوله: «يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً» (الفرقان :28 – 29)، ويشتكي الرسول الأمين المسلمين من قومه مخاطبًا ربه بقوله: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» (الفرقان : 30) كل الذين اعتمدوا على مرجعية الروايات وهجروا كتاب الله؛ سيقيم الله عليهم الحجة يوم الحساب ويسألهم ألم يبلغكم الرسول بأنكم ستسألون عن اتّباعكم لكتاب الله؟ كما جاء في قوله سبحانه مخاطبًا رسوله الأمين: «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» (الزخرف : 43 – 44) حينئذ كلٌ سيحاسب بأعماله وقد أنذر الله عباده بقوله: «إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا» (النبأ : 40).