في ردها على مقال المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي حول “نظرية الدولة وفق التشريع الإلهي في القرآن”، تثمن د. هبه البشبيشي استاذ العلوم السياسية، الجهود التي يبذلها “الشرفاء” في تسليط الضوء على أهمية الأخلاق والتشريع الإلهي في تأسيس النظم الحكومية، مشيرة إلى أن فكرة تصحيح سلوك الفرد تؤدي إلى تحسين المجتمع ككل، تعد أساسية في بناء دول قوية ومستقرة.
تؤكد البشبيشي على الحاجة لتأصيل النظريات السياسية الإسلامية في الأوساط الأكاديمية والبحثية لضمان تطويرها وتكييفها مع العصر الحديث.
وترى أن هذا التأصيل يجب أن يشمل دراسات مقارنة تبرز الفروق والتشابهات مع النظريات الغربية، مما يُعزز من فهمها وتطبيقها بشكل أكثر فاعلية.
وتقترح البشبيشي أهمية إدخال التعليم الديني والأخلاقي في المناهج الدراسية منذ الصغر كوسيلة لتنشأة جيل واعٍ وملتزم بقيمه، مؤكدة على أن هذه الخطوة يمكن أن تكون الأساس لتحقيق الرؤية التي ينادي بها “الشرفاء”.
وتحذر البشبيشي من التفسير الجامد للنصوص الدينية، مؤكدة على الحاجة لتفسيرات مرنة تتناسب مع التحديات المعاصرة والسياقات المتغيرة، مشددة على أن الإسلام، كدين يحترم العقل والتجديد، يجب أن يُفهم بطرق تتوافق مع العصر.
وتناقش البشبيشي دور القادة والعلماء في تعزيز هذا التوجه، مشيرةً إلى أهمية أن يكون القادة قدوة في الالتزام الأخلاقي والسلوك القويم، وترى أن القيادة الفعالة يجب أن تكون مستنيرة بالقيم الإسلامية الراقية التي تعزز من العدل والمساواة.
وتلفت الانتباه إلى أن مقترحات “الشرفاء ” تحتاج إلى دعم من الأنظمة القانونية والتشريعية التي تضمن تطبيق هذه الأخلاق في الحياة اليومية للأفراد والمؤسسات، وتنادي بضرورة الاعتماد على الشباب في قيادة مرحلة التحول هذه، معتبرة أن الجيل الجديد يمتلك القدرة على تجسير الفجوات بين الأجيال وبين الثقافات المختلفة.
وترى البشبيشي أن إشراك الشباب يمكن أن يسهم في تحديث الفكر السياسي وتحقيق التنمية المستدامة.
وتقترح الدكتورة هبة البشبيشي إنشاء مؤسسات خاصة تُعنى بمراقبة التطبيق الأخلاقي في الأجهزة الحكومية والشركات، لضمان الالتزام بالقيم والمعايير الأخلاقية المستمدة من التعاليم الإسلامية.
وترى أن هذه المؤسسات يجب أن تتمتع بالاستقلالية والقوة لتكون فعالة في عملها، مقترحة أن تتضمن مهامها تقييم الأداء الأخلاقي، وتقديم التوصيات للتحسين، وكذلك فرض عقوبات في حال تم رصد أي انحرافات عن القيم المعتمدة.
وتؤكد على أهمية تكوين هذه المؤسسات من خبراء في القانون، والأخلاق، والدين، لضمان تنوع الآراء والتوجيهات والمحافظة على مستوى عال من النزاهة والشفافية في العمل. وترى استاذ العلوم السياسية أن هذه المؤسسات يجب أن تكون قادرة على التفاعل مع الجمهور واستقبال الشكاوى والبلاغات بشأن الانتهاكات الأخلاقية، وأن تعمل كحلقة وصل بين المواطنين والجهات الحكومية والخاصة لضمان معالجة هذه القضايا بفعالية.
كما تقترح البشبيشي أن تقوم هذه المؤسسات بتنظيم دورات تدريبية وورش عمل للعاملين في الحكومة والشركات لرفع مستوى الوعي بأهمية الأخلاق في العمل وكيفية التعامل مع الأخلاقيات المهنية بشكل يومي.
وترى أن التعليم والتوعية المستمرين يمكن أن يساعدا في ترسيخ القيم الأخلاقية وجعلها جزءاً لا يتجزأ من ثقافة العمل.
وتحث البشبيشي على ضرورة الشفافية والمساءلة في الإدارة الحكومية كأساس لتعزيز الثقة بين المواطنين والحكومة، معتبرة أن هذه من الركائز الأساسية للنظرية التي يقترحها “الشرفاء”، وتعتبر التكنولوجيا أداة حاسمة في تحقيق التواصل بين الأفكار الدينية والحاجات المعاصرة، وتشير إلى أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يساعد في نشر القيم الإسلامية وتطبيقاتها بطرق مبتكرة ومؤثرة، وذلك من خلال المنصات الرقمية والأدوات التعليمية الإلكترونية.
وتعتقد البشبيشي أن التعاون الدولي والإقليمي يمكن أن يلعب دورًا هامًا في تعزيز هذه القيم، خاصة في عالم يتسم بالترابط والتعاون المتزايد بين الدول.
وتحث البشبيشي الدول الإسلامية على تعزيز التعاون بينها لتوحيد الجهود في تطبيق النظريات السياسية الإسلامية والعمل المشترك لمواجهة التحديات الراهنة، مقترحة إنشاء مراكز بحثية مشتركة وبرامج تبادل أكاديمي تسهم في تعزيز الفهم والتطبيق الصحيح للشريعة والسياسة.
وتختتم البشبيشي بالقول إن العودة إلى التشريع الإلهي يجب أن تكون متوازنة ومدروسة، مع الحفاظ على قيم الحداثة والتقدم التي تتماشى مع العولمة وتحديات العصر الحديث، مؤكدة على أهمية النظر في التأثيرات العالمية عند صياغة السياسات المحلية، مشيرةً إلى أن العالم أصبح مترابطاً بشكل كبير وأن السياسات الإسلامية يجب أن تكون مرنة وقابلة للتطبيق بشكل يتوافق مع هذه الديناميكيات العالمية.