قال الدكتور محمد يسري جعفر استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن العقل جوهرة ربانية منحها الله للإنسان ليميز بها بين الحق والباطل وبين الخبيث والطيب.
أضاف أنه يجب أن نعلم أن من يضر عقله بمخدر ليضيع قيمة العقل كالذي يضر عقله أيضا في التعامل مع النصوص الشرعية، ويقصي هذا العقل جانبا.
وتابع جعفر أن الآيات في القرآن الكريم التى تتحدث عن إعمال العقل كثيرة، ويكفينا أن نقارن بين آيتين كريمتين، قوله تعالى ” إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون”، وقوله تعالى “إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب”، مؤكدا أن هذه الدعوة الواضحة تجعلنا نفهم مكانة العقل في الإسلام.
وأشار استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إلى اختلاف الناس فى العلاقة بين الوحي والعقل، هل الوحي أولا أم العقل أولا، وهذه جدلية تبدو معقدة ولكنها سهلة لو أدركنا قيمة الوحي وقيمة العقل، فالعقل من الله والوحي من الله، وما كان من الله لا يمكن أن يعارض بعضه بعضا، مصداقا لقوله تعالى “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط”، فالكتاب هو الوحي، والميزان هو العقل، فالإنسان حينما يقضي بين الناس يقضي بمجرد النص أم يقضي باستخدام العقل في فهم النص؟، مبينا أن نبينا كان مدركا لقيمة العقل، وهناك الكثير من النصوص الواضحة في ذلك ونحن في أمس الحاجة لتطبيقها باستخدام عقولنا في واقع حياتنا.
أضاف أن هناك فرق بين خطاب الدعوة الموجه إلى أمة الإجابة، وبين خطاب الدعوة الموجه إلى أمة الدعوة، موضحا أن كل الأمم تندرج تحت أمة الدعوة، فهذا الخطاب الذي نوجهه لهم ينبغي أن يكون عقلانيا من الدرجة الأولى.
وقال استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن أم الكبائر عُرفت من خلال السُنة النبوية المطهرة، وأظهرت التجربة على عهد النبى محمد صلى الله عليه وسلم مدى صدق الحكمة النبوية، وتكلم الفقهاء وأطالوا الكلام حول علة التحريم فى الخمر، هل مجرد الأمر الإلهى الشرعى، دون النظر فى العلة أو السبب الذى من أجلها حُرّمت؟ أم أنها مُحرمة لما يترتب على شربها من آثار سلبية تضر الفرد والمجتمع؟ أو كما قال العلماء لأنها تُذهب العقل؟ فشارب الخمر فى حال سكره يرتكب جميع المحرمات والجرائم اللاأخلاقية، ولذلك حرمت الشريعة كل ما يضر بالإنسان ، لذلك كانت جميع المخدِرات المعروف منها وما سيعرف مُجرمة من جميع النواحى القانونية والعرفية والأخلاقية، وعلى رأسها الشرعية، وهناك من يُغيِّب عقله ولا يدرى أنه يغيبه، إلا أن الغريب فى هؤلاء الأشخاص ما نراه منهم من اجتراء على الشريعة الإسلامية، من حيث إنهم يعتقدون أنهم حماتها، ونصَّبوا أنفسهم على الناس حتى العلماء منهم قضاةً وحاكمين عليهم بالجلد أو بكل صنوف الجلد المعنوية، وربما اجترأوا عليهم فأخرجوهم من الدين، وادعوا عليهم أنهم أنكروا معلومًا من الدين بالضرورة، ولو حللنا معهم القاعدة الشرعية لوجدناهم لا علم لهم بها ولا بنشأتها، ولا بالظروف الحاضنة لنشأة هذه القاعدة.
وتابع جعفر ” من عجيب ما يفعله هؤلاء أن منهم من يهاجم وينقد بل وينقض قائل هذه القاعدة دون أن يعرفه، ولو أعمل عقله قليلًا فى نصوص الشرع، من القرآن الكريم وصحيح السُنة، ما صدرت منه هذه المثالب، التى لا علاقة لها بأى خلق أو دين”.
يقول استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن هؤلاء يحملون لواء تغييب العقل عمدًا، فيشقون على عباد الله، ولا يعلمون أن أفعالهم هذه تندرج تحت قوله تعالى: «وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا» (سورة النساء: 115).
أضاف أن الجهل يبلغ مداه وذروته حين يستدل هؤلاء بالآيات القرآنية الكثيرة جدًا، التى دعت لاستخدام العقل، وينقضون أقوال أنفسهم بأقوال أخرى لهم، قالوها تحت نزعة التسلط والزعم بأنهم يخافون على الدين، ويدافعون عنه، حتى أنتجوا للناس منتجًا لا علاقة له بوجه من الوجوه بصحيح الدين أبدًا، ولو أنهم رجعوا وراجعوا أنفسهم، وأعادوا قراءة نصوص السُنة، وما وقع فى عهد النبوة من أمور قد لا يعلمون أن النبى علم بها وأقرها، كما فى حديث هجرة أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها، من مساعدة عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ لها، وكان على غير دين الإسلام، وإيصالها حتى مقر زوجها بالمدينة، ومن تأمل سيرته، من أول ما جهر بالدعوة، وسأل قومه مستفهمًا لو أخبرتكم بأن خيلًا وراء هذا الوادى تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبًا قط، فلما أخبرهم بأنه رسول الله إليهم اغتاظ أبو لهب، وقال: تبًا لك ألهذا جمعتنا، ولكنه لم يجرؤ أن يكذبه.
أضاف أن هذا الحكم على النبى بأنه صادق فى قوله مبنى على التجربة العملية، التى عايشوها معه فى الواقع؛ فقطعوا بصدقه، ولذلك من أنكر عليه الرسالة لم ينكر صدقه، واستخدام العقل فى تلك الواقعة هو ما مكنهم من الحكم بصدق رسول الله, فالعقل أصل الوحى، وأصل الشريعة، ولا أدرى لماذا ينازع أصحاب العقول الظلامية فى وقتنا الحاضر ممن ينسبون أنفسهم إلى الدين، فيزعمون أن الوحى مُقدم على العقل، على حين أن الواقع يشهد أن العقل مُقدم على الوحى، لا أدرى كيف يجترئون على دين الله، والله تعالى قدر رفع الحرج عن المجانين ومن غيَّب عقله أو غُيِّب له عقله، حتى اختلف فقهاء الشافعية فى طلاق السكران، ففرقوا بين السكران المتعدى، الذى يتعاطى المسكر بإرادته واختياره، وبين السكران المكرَه، أو الذى أعطاه أحدٌ مسكرًا دون علمه. يرى جعفر أن إلغاء استخدام العقل فى فهم النصوص الشرعية، كالذى استخدم أنواع المسكرات، وغيَّب عقله عن الحياة، حتى لا يشعر بآلامها، وهذا الصنف من دعاة الظلام كثروا وكثرت منابرهم حتى فرقوا الأمة، وقطعوا أوصالها.