قالت الدكتورة ايمان عبد الله، أستاذ علم الاجتماع واستشاري العلاقات الزوجية، أن العنف الاسرى يؤثر على الزوجة وعلى الابناء وعلى الأسرة وعلى المجتمع، وهذه التأثيرات قد تكون تأثيرات عاطفيه وجسديه واقتصاديه وتزيد من نسب العنف أكثر وأكثر وتفاقم المشكلات داخل الأسرة .
وأضافت فى تصريحات خاصة ل ” رسالة السلام” أن ما لا نعرفه هو ذلك التأثير في الجانب النفسي الذي يتأثر به الابناء والزوجة، وبالطبع فإن الزوجات اللواتي يتم اهانتهن يشعرن بتقليل الذات ويستمر معهن الشعور بالحزن الى ان يجعلها فريسه لليأس والاكتئاب ثم بعد ذلك يبقى لديها شعور بعدم الثقة في نفسها وفي الاخرين .
وأشارت الدكتورة إيمان عبد الله، الى أن الضرب يخلق لديها مخاوف مستمرة من الزوج الذي يضربها على كل كبيرة وصغيرة، فتفقد احترامها ويخلق لديها كره دائم لبيتها الذي يفترض ان يكون الامان والسند مع هذا الزوج .
وقالت استشاري العلاقات الزوجية أن الزوجة التي تتعرض للضرب تشعر بانها دون قيمة، مما يؤدي الى اضطرابات عديدة ومنها القلق والتوتر الشديد تجاه زوجها الذي يعتدي عليها بالضرب،
وهنا يجب أن نعلم أن الضرب لا يتسبب فقط فى تكسير العظام أو احداث تشوهات أو كدمات، وانما قبل ذلك يتسبب فى كسرة النفس البشرية وتدنيها .
وتابعت ” الضرب والإهانة ليس العنصر الاساسي فقط لإهانة المرأة، ولكن من الممكن أن تتم الإهانة والكسرة بكلمة أو نظرة ،مما يخلق لديها الشعور بالعجز النفسي والجسدي، ما قد يؤدي الى أمور في منتهى الخطورة، حيث قد يتسبب الشعور بالحزن المستمر بسبب الضرب الى الوفاة .
ونوهت الدكتورة إيمان عبد الله، الى أن الأطفال التي تشاهد العنف وتعيش في مناخ اسرى محتقن ما بين الاب والام ، فهذه المشاهدات تؤدي الى التعاسة ويصبحوا فيما بعد ممارسين للعنف الذي مورس عليهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما يؤدي الى أن يعاني الأطفال من اضطرابات متعددة ومنها التبول اللاارادى، بخلاف المخاوف المتعددة والارهاب الاجتماعى، وعدم القدرة على اداره التوترات التي تحدث للطفل، فبالتالي سيتورط في العصبية ويمارس العدوان على الاخرين سواء الزملاء او الاقارب والأقل سنا منه، أو فى المدرسة او في اي مكان، فان العدوان الذي يراه تجاه والدته سيجعل الطفل يري في ذاته شعور بالتدني وتفقده القدرة على بناء علاقات ايجابيه ايضا من الممكن ان يصاب الطفل بأمراض متعددة ومنها التشتت وعدم الانتباه في المدرسة وعدم التركيز، وايضا عدم التحصيل الدراسي القوي و عدم اقامه علاقات مع زملاؤه والمدرسين، وعدم الرغبة في الذهاب للمدرسة اساسا او ممارسه اي نشاط.
أضافت ان الطفل سيمارس سلوكيات شاذه تشمل التنمر ضد الاخرين، كما فعل به او كما فعل بوالدته، مما يؤدي الى وجود جيل لا يملك القدرة على حل المشاكل او الخلافات كنتيجية طبيعية للخلافات التي يعيش فيها داخل الاسرة وعدم رؤيتة لحوار بناء بين الاب والام ، مما يؤدي في النهاية الى انعدام التعاطف تجاة الام او الاب أو حتى الاخرين .
ولفتت استاذ علم الاجتماع واستشارى العلاقات الزوجية، الى أن المنصات الالكترونيه والدراما والمسلسلات والافلام العنيفة تجعل الأطفال تشاهد العنف بطريقه افتراضيه وطريقه واقعيه ، فبالتالي لا يجد امامه سوى ممارسة العنف، وبالتالي سيؤدي هذا العنف الى تدمير المجتمع و انهيار وضعف البناء النفسي المجتمعي والحضاري و زيادة انتشار المخدرات، وضعف الوازع الديني وارتفاع اعداد اطفال الشوارع.
واكدت أن ضرب الزوجات يؤدي الى خلق جيل لا يحترم القوانين او الثقافة والالتزام الديني، ويضرب بهم جميعا عرض الحائط فهذه الاخلاقيات قتلت فكر التسامح والتعاون والمودة والرحمة، وقد تؤدى إلى الانتحار، والحل يكمن فى ممارسة الرياضة والتقرب من الله سبحانه وتعالى، واستشارة اهل العلم والأطباء النفسيين بهدف تقليل الاكتئاب ووقف الاعتقادات الذكوريه الراسخه او الانثويه من خلال مجموعات الارشاد النفسي والتأهيل النفسى قبل الزواج .
جاء ذلك ردا على مقال ” العلاقات الزوجية ” للمفكر العربى على محمد الشرفاء، هذا نصه ،،
قال الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21) كيف تتوافق الرحمة مع ضرب الزوجة؟!
وقال الله أيضًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التغابن: 14)
وقال الله سبحانه: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 128).
التفضيل لا يعني التشريف وإنما مقاصد الآية (التكليف) والقوامة وتحميل الرجل مسؤولية الرعاية للأسرة بما ينفقه من ماله لتأمين السكن الملائم، وتكاليف المعيشة ومتطلبات الزوجة والأولاد من علاج وكسوة وتلبية متطلبات الأبناء من تعليم وتوجيه لتربيتهم تربية صالحة.
واستكمالًا للآية الكريمة قول الله سبحانه: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) (النساء: 34-35)
فقد شرع الله سبحانه في الآية (128) من سورة النساء إذا خافت الزوجة من نشوز الزوج أو الإعراض عنها والامتناع عن أداء واجبات العلاقة الزوجية؛ فالله سبحانه يأمر كلا الزوجين في حالة نشوز من أي منهما اتباع طريق الصُلح كما وصفه الله بالصلح خير.
وقال الله سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ…) (النساء: 34).
لذلك واستنتاجًا من الآية (34-35) والآية (128) من سورة النساء؛ فالله يدعو الزوجين في حالة النشوز من أي طرف إلى اتخاذ سبيل الصُلح لتعود العلاقة الحميمة الطبيعية بين الزوجين وتستقر الأسرة في أمن وسلام بعيدًا عن المشاحنات والنكد والتلاسُن،
مما يؤدي إلى اهتزاز الاستقرار النفسي للأطفال وتأثيره على الصحة النفسية لهم، وما قد تشكّله من نتائج سلبية في سلوكيات الأبناء ومستقبلهم من إخفاقات وفشل في دراستهم وحياتهم.
ولذلك فالتعامل مع الزوجة في حالة نشوزها بالضرب لا يمكن أن يتم تفسيره بالضرب المادي بأي وسيلة كانت، وقول الله سبحانه: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ)، فسر الفقهاء (واضربوهن) تفسيرًا قاسيًا بالضرب المادي لا يتفق مع دعوة الله للزوجين في الآيات المذكورة أعلاه باتخاذ طريق الصُلح بينهما أفضل السُبل لعودة العلاقة الطيبة بين الزوجين، إضافة إلى ما جعل الله بين الزوجين من مودة ورحمة.
ولو تدبَّر المفسرون بمقارنة الآيات التي تدعو للصلح بين الزوجين وبالعفو والصفح والغفران للزوجة، كما جاء في سورة التغابن (14) أعلاه فلا يستقيم معنى (واضربوهن ) كما فسّره الفقهاء بالضرب المادي
إنما المقصود للمعنى الحقيقي لكلمة (واضربوهن ) أنها تعني (واضربوا عنهن)، هو أن يضرب الزوج عن مباشرة العلاقة الزوجية أي الامتناع عن قيامه بواجبه في المعاشرة الزوجية دون أن يترك فراشه ومضجعه، أما معنى كلمة (واهجروهن ) تعني أن يترك الزوج مضجعه أو فراشه إلى مكان آخر يبيت فيه بعيدًا عن فراش الزوجية
إلى أن يُصلحا أمرهما أو يتوسط بينهما أفراد الأسرتين ليسعوا في الإصلاح بينهما حماية لاستمرار العلاقة الطيبة بينهما من أجل رعاية الأطفال وتربيتهما تربية صالحة.
أما كلمة (الضرب) فنجد القرآن الكريم عرض أمثلة في كثير من الآيات باستخدام كلمة (ضرب) في عدة مواقف ومنها ما يلي:
1-(ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبدًا مَملوكًا لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ) (النحل :75)
2-(أَلَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) (إبراهيم: 24)
3-(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) (الزخرف :17)
4-(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ۚ) (البقرة :26)
5-(كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّـهُ الحَقَّ وَالباطِلَ) (الرعد : 17)
6-(وَيَضرِبُ اللَّـهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرونَ) (إبراهيم : 25)
7-(وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا) (النحل :112)
8-(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور :31)
9-(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (الزمر : 27)
تلك بعض الاستخدامات في الآيات القرآنية لكلمة (ضرب ومشتقاتها) توضح عدة معانٍ في كل حالة، فلماذا لا يتخذها المفسرون والفقهاء مرجعية لإعادة النظر في تفسير كلمة (واضربوهن ) لاستنباط معنى يحقق المصالحة بين الزوجين ولا يزيد الأمور بينهما تعقيدًا في الحياة الزوجية؟!
حيث أنه إذا استخدم الزوج معنى (الضرب المادي) بأي وسيلة كانت وما سيترتب على ذلك من رد فعل عنيف من قِبل الزوجة،
وقد يتطور الأمر إلى استخدام آلات حادة بينهما قد تودي بأحدهما إلى ما لا يُحمد عُقباه؛ سيجعل المشكلة بينهما أكثر استفحالًا، في الوقت الذي فتح الله للزوج أبوابًا متعددة في التشريع الإلهي في القرآن الكريم من استخدام العفو والرحمة والغفران والصبر،كما قال الله سبحانه: (وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (النساء: 25)
وقول الله سبحانه: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى: 40) وقول الله سبحانه: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى: 43)
فالله في تلك الآيات أعطى الزوج حق الاختيار في اتباع الأمر الإلهي في معاملة الزوجة بالعفو أو بالغفران وإصلاح العلاقة بينهما، مما يساعد ذلك السلوك الراقي والمعاملة الحسنة للزوجة من قِبل الزوج الحفاظ على استمرار العلاقة الطيبة بين الزوجين وحماية الأسرة من التفكك لرعاية الاطفال بتربيتهم تربية صالحة.
وفي نفس الوقت اقتضت عدالة الله المُطلَقة مساواة الزوجين في التعامل مع أي منهما في حالة خوف الزوجة من نشوز زوجها أو نشوز الزوجة؛ فقد أوصاهما الله باتباع سبيل الصُلح بينهما ولا ميزة لأي منهما على الآخر .
وأن ما تعنيه كلمة (واضربوهن)، حيث أن الامتناع عن مباشرة العلاقة الزوجية يترك أثرًا نفسيًا على الزوجة، لتعيد النظر في موقفها من الزوج، لتتحقق المصالحة ويعود الوئام بينهما حفاظًا على استمرار الأسرة لرعاية الأطفال لما يحقق لهم الاستقرار الهدف السامي لحماية الأسرة،
والذي يعلو فوق كل تفاسير الفقهاء التي تتخذ طريق القسوة وتتفاعل مع اعتداد الرجل في فهم خاطئ في تفسير معنى كلمة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)، التي ظن المفسرون بأن الله ميَّز الرجل عن المرأة، وما أدركوا مقاصد الآية الكريمة في قول الله سبحانه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)
حيث إن مقاصد الآية الكريمة هي أن يتحمل الرجل مسؤولية القوامة للأسرة برعاية الزوجة والعناية بالأولاد، ومسؤولية الرجل عن حماية أهله وأبنائه بتحقيق الحياة الكريمة للأسرة بالإنفاق من ماله لتأمين السكن المناسب ومتطلبات الحياة من المأكل والرعاية للأبناء من تعليم وعلاج، والمحافظة على أمنهم وحمايتهم.
فما ذكرته الآية الكريمة ليس معناه رئاسة أو سيادة أو الحاكم الأوحد في أسرته، إنما هي مسؤولية تجاه أسرته كلَّفه الله بها لحمايتها ورعايتها وتأمين حاجتها؛ فالآية أكدت أن كلمة (قوَّامون) تكليفًا وليس تشريفًا ليتعالى على زوجته ويتعامل معها كالعبدة يستخدمها كما يشاء دون أن يكون لها حقوق أو كرامة، والتي كرَّمها الله في القرآن بعشرات الآيات التي يؤكد التشريع الإلهي بها كيفية المحافظة على حقوق المرأة.
وأن تحيُّز الرجال بتفسير خاطئ لمصلحة المفسرين الذكور تخدم أنانيتهم واستبدادهم وتكشف عن نفوس مريضة بهوس السلطة والتسلط، فليس من المستغرب عليهم أن يخدعوا الناس بتلك التفسيرات المُغرضة، طالما أن الرجال ملكوا زمام التفسير والفتوى في الإسلام منذ مئات السنين وأهملوا حق المرأة من المشاركة معهم في تفسير آيات القرآن الكريم، ليتحقق التوازن بينهما والمساواة في الحقوق ومن أجل استمرار العلاقة الطيبة بين الزوجين لاستكمال مسيرة الحياة الزوجية وتأثيرها على المجتمع من نتائج إيجابية لبناء الفرد الصالح الذي يساهم في تطور الوطن والمحافظة على أمنه وسلامته.
حتى لا يتحول سلوك الأبناء إلى سلوك شاذ، وقد ينحرفون إلى طريق الضلال في حالة الانقسامات الأسرية وما يعيشونه مع والديهم من نكد وخلافات يومية وضرب للزوجة على أتفه الأسباب، ليمارس الرجال سلطتهم ورجولتهم على ضعف الزوجة وانكسارها وفقًا للمفاهيم البالية ما قبل الإسلام
وما يترتب على ذلك التصرُّف الجائر من الزوج من تأثيرات على سلوكيات الأطفال، وما قد يصيبهم من الأمراض النفسية التي تؤثر على سلوكياتهم في المجتمع ويتجهون إلى طريق الانحراف، واستقطابهم من قوى الشر لاستغلالهم في الإضرار بالمجتمع وتهديدهم للأمن الاجتماعي وسلامته.
لذلك على كل من يسعى لمعرفة المعني الحقيقي لكلمة (واضربوهن ) يتطلب التدبُّر في أهداف التشريع الإلهي ومقاصد آياته واستدعاء الآيات في الكتاب المبين التي تدعو الناس إلى تحقيق المصالحة والتسامح والعفو والدفع بالتي هي أحسن، ليصل الباحث إلى حقيقة أهداف رسالة الإسلام في تحقيق السعادة للناس، ووأد الفتنة بالمودة والرحمة وليس بالعداوة والقسوة.
ولنأخذ ما يبيّن لنا القرآن الكريم من صفات الله سبحانه في قول الله: (وَاستَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ إِنَّ رَبّي رَحيمٌ وَدودٌ) (هود : 90)، وقوله سبحانه:( إِنَّ رَبّي غَفورٌ رَحيمٌ ) (يوسف: 53)
إذا اتبع الإنسان واقتدى بالصفات الإلهية واتخذها سبيلًا في تعامله مع زوجته وأبنائه، نورًا يهديه إلى طريق السعادة والسلام الذي يحقق عودة العلاقة الزوجية، هو معرفة مقاصد الآيات وما يقتضيه مراد الله للناس من أن يحقق للناس حياة طيبة وعيش كريم.
لذلك، فالمعنى المنطقي لكلمة (فاضربوهن) هو الامتناع عن المباشرة للعلاقة وليس الضرب المادي الذي ترضى به نفوس الفقهاء الذين مارسوا أشد التمييز العنصري ضد المرأة واستباحة حقوقها، وأغفلوا حقها في التشريع الإلهي وحرمانها من حقوقها الإنسانية باستبداد الذكور في معاملة زوجاتهم أقل من العبيد ودون احترام لإنسانيتهن وحقوقهن التى فرضها القرآن الكريم لما يتفق مع التشريع الإلهي الذي ساوى بين الذكر والأنثى في قوله سبحانه: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ ) (النحل: 97)
فالله يدعو الناس جميعًا لاتباع منهاجه في كتابه المبين بالرحمة قبل القِصاص، والعفو قبل الحكم، والحسنة قبل السيئة، والكلمة الطيبة قبل الكلمة النابية، لأن المنهاج الرباني في القران الكريم يستهدف تحقيق السلام بكل شموليته في حياة الأسرة وفي المجتمع، ونشر السلام بين الناس جميعًا ليعيشوا حياة لا يُنغّصها نكد ولا حسد ولا حقد ولا كراهية، بل مودة ووئام وتعاون وسلام، لتستمر العلاقة الزوجية المبنية على المودة والرحمة، تؤدي واجبها تجاه المجتمع الذي تعيشه والوطن الذي يحتضن أسرتها، تقدم له مواطنين صالحين يساهمون في تقدمه وتطوره للارتقاء بالحياة الكريمة لكل أفراده.
إن المنهاج الرباني والتشريع الإلهي والقِيم الأخلاقية النبيلة تستهدف صياغة شخصية الإنسان بالأخلاق القرآنية وصفات المؤمنين والتشريعات الإلهية لبناء المواطن الصالح، ليكون لبنة صالحة لبناء المجتمع الإنساني المُتحضِّر الذي يساهم في تحقيق حياة كريمة لكل أفراد المجتمع، ينشر السلام لتتنزل عليهم البركات على الدوام.