عُقدت السبت الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا جولة من مفاوضات “سد النهضة” ، بحضور الوزراء المعنيين من مصر والسودان وإثيوبيا، ووفود التفاوض من الدول الثلاث، في ظل غياب أطراف دولية.
وجاءت الجولة الثانية للمفاوضات في إطار استكمال الجولات التفاوضية، التي بدأت في القاهرة في أغسطس الماضي، بناءً على توافق للإسراع في الانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل “سد النهضة” خلال 4 أشهر، في أعقاب لقاء بالقاهرة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في يوليو الماضي.
وكانت مصر قد إشارات الى ضرورة أن يتم عقد اتفاق يراعي مصالحها الوطنية ويحمي أمنها المائي، واستخداماتها الحالية، ويحفظ حقوق الشعب المصري، ويحقق في الوقت ذاته المصالح المشتركة للدول الثلاث، بما يضمن تحقيق التنمية والرخاء لشعوب مصر وإثيوبيا والسودان.
الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب الخبير المتخصص في القضايا الأفريقية وشؤون المياه، قال أنه لا توجد مؤشرات على تغير النهج الإثيوبي في التفاوض خاصة إن أديس أبابا تسعى إلى الفوز بكل شيء، والاستحواذ على كل مياه النيل الأزرق، دون التزام باتفاق قانوني ملزم مع دول المصب
وأضاف عبد الوهاب انه يعتقد ان الضغوط السياسية والدبلوماسية المكثفة، “يجب ان تشمل الدول الفاعلة التي تستثمر في هذه المنطقة، فهناك دول الراعية لمبادرة دول حوض نهر النيل، هناك الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي، يجب أن نطرق جميع هذه الأبواب.
والنقطة التانية – وفقا لعبد الوهاب- يجب أن يكون مطلب مصر هو الوصول إلى إدارة ثلاثية لسد النهضة، هذا هو الأمر الذي يضمن لمصر أمنها المائي، بدون ذلك لن يكن هناك ضمان
وأضاف انه “يجب أن نستعد لكل البدائل وكل الخيارات، في اعتقادي الشخصي أثيوبيا لن تغير من موقفها إلا إذا وصلنا إلى مستوى تكون فيها الإضرار بالمصالح المصرية أعلى مما تتحمله أثيوبيا وما دون ذلك ستستمر أثيوبيا، وخاصة مع وجود الدعم السوداني لموقفها، فبالتالي هنا الرسالة في الحقيقة في إعتقادي يجب أن تكون مزدوجة في اتجاه أثيوبيا وفي اتجاه السودان، التحركات المصرية يجب أن تعيد التوازن الإقليمي في منطقة حوض نهر النيل والقرن الأفريقي.
ومن ناحية اخرى أوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، الدكتور عباس شراقي، أن استمرار نهج التفاوض الحالي في غياب أطراف دولية، لن يفضي إلى شيء، وقال “إن غياب أطراف دولية فاعلة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، يخدم النهج الإثيوبي في التنصل من أي التزامات تجاه دول المصب
كما أوضح شراقي ان إثيوبيا تحرص دائماً على تجنب الوصول إلى نقطة الصدام، عبر الحديث المتكرر عن عدم إلحاق ضرر فادح بمصالح مصر المائية، لكنه أوضح في الوقت ذاته أن الظروف التي يعانيها السودان حالياً، واستمرار النهج الإثيوبي غير الواضح يلقيان عبئاً على مصر لتقييم الضرر الراهن، وبحث البدائل في ظل التوازنات الإقليمية والدولية.
وأضاف شراقي إن التصريحات الإثيوبية دائما استفزازية ومتعنتة، مشيرًا إلى أن مصر تتفاوض منذ 12 عامًا والموقف الإثيوبي لم يتغير كما أن إثيوبيا تراجعت عن بعض التوافقات التي تم التوافق عليها السنوات الماضية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، مشيرًا إلى تكرارها عدم الاعتراف بالحصة المائية لمصر في نهر النيل.
وعبر صفحتها علي الفيس بوك شددت الدكتورة هبة البشبيشي، خبيرة الشؤون الإفريقية، على ضرورة وجود وسيط افريقي لتقريب وجهات النظر بين اديس أبابا والقاهرة، وقالت “أعتقد أن الخارجية المصرية حذرت وأصدرت بيانا عقب إعلان أبي أحمد أنه أنهى الملء الرابع للسد الدولة المصرية قيادة وحكومة وشعبا، كلنا مستائين من التعامل الإثيوبي مع الأزمة.
مشيرة الي ان هناك تباعد حقيقي بين الفكر المصري والاحتياجات المصرية وبين الفكر والتوجه الأثيوبي، وأعتقد أ
ن هذه الجولة من المفاوضات لم تأت بجديد ولن يكون هناك اي مفاوضات تأتي بجديد إلا بوجود وسيط إفريقي معتدل يتفهم احتياجات الجانبين ويقوم بعملية الوساطة الحقيقية.
كما اشارت الي أمر مهم جدا،يتم التغاضي عنه، وهو ان الثقافة المصرية تختلف تماما وكليا وجذريا عن الثقافة الإثيوبية، والهوية المصرية ليست متشبعة بالثقافة الأفريقية.
واختتمت كلامها بالقول “نحن لا نقدر احتياجات الأفارقة، وهناك نفس الوضع في أثيوبيا، إذ أنهم لا يقدرون احتياجات المصريين، ونحن، بالتالي، أمام فجوة كبيرة لم يتعامل معها أحد بجدية، ولكن الأزمة هي أزمة إرادات سياسية واختلاف في الثقافة بين الدولتين”.