اصبحت السعودية مركزا مرموقا ونابضا بالحيوية والنشاط من مراكز الدبلوماسية العربية والدولية ، فخلال اقل من ستة شهور استضافت قمتين دوليتين كبيرتين ، كان حاضرا في احداهما الرئيس الامريكي جو بايدن ، وفي الثانية والتي تنعقد الآن فيها ، الرئيس الصيني شي جين بينج.. وهذا التطور الدبلوماسي الكبير الذي تقوده الرياض في منطقة الشرق الاوسط يفتح قنوات للتواصل المباشر مع القوي الدولية الكبري في العالم وبصورة لم تكن متاحة في غياب تلك القنوات الدبلوماسية الدولية المهمة…
ما اراه مهما هنا هو اننا قد نكون بصدد نقلة نوعية غير مسبوقة فيما يتعلق بقدرة المنطقة العربية من خلال الدبلوماسية السعودية وغيرها من التحركات والمبادرات الدبلوماسية الخليجية والعربية علي الدخول باوراقنا وادواتنا ورؤانا وقضايانا الي اهم مراكز صنع القرارات في العالم ، وبالاخص تلك القرارات التي تؤثر في امن المنطقة العربية وفي مصالحها الاستراتيجية الحيوية بعد طول تجاهل وتهميش…..
وهذا التحول السياسي المهم الذي تلوح بوادره الآن بما يحدث من لقاءات قمة متلاحقة في السعودية يحضرها قادة عرب وخليجيون ويتحاورون فيها مع من يمسكون في ايديهم بمفاتيح السلم والحرب في العالم ، هو تطور له مغزاه ويجب دعمه عربيا بكل السبل الممكنة، وعدم الوقوف في وجهه من منطلق حساسيات قديمة حول سياسات السعودية او غيرها من الدول الخليجية والعربية ، وهي حساسيات اري ان متغيرات الظروف قد تجاوزتها ، وبالاخص بالنسبة للسعودية بتجرؤها الي حد التحدي العلني للهيمنة الامريكية وبشكل لم يحدث اطلاقا من قبل ، وهو ما يؤشر باننا اصبحنا هناك في مواجهة واقع سياسي مختلف عما الفناه وتعودناه تؤكده الشواهد ومجريات الاحداث في الفترة الاخيرة… ومن هنا اقول انه لا بد من الانطلاق من هذا التحول المهم في المواقف والسياسات السعودية التقليدية وهو التحول الذي يقوده جيل جديد من القادة السياسيين هناك بزعامة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ، الي محاولة بناء مراكز قوة عربية بفعاليات جديدة يمكننا التاثير بها في ادارتنا كعرب للصراعات والازمات الاقليمية والدولية التي نكون اطرافا فيها ، وفي دفاعنا عن امننا ومصالحنا القومية المهددة من داخل المنطقة وخارجها ، وان ذلك لا بد ان يصحبه ويدعمه العمل علي تطوير آليات التنسيق والتشاور والتفاهم المشترك بين الدول العربية في مواجهة هذه القوي الدولية الكبري ، وذلك اذا ما كان لهذه التحولات الدبلوماسية الجديدة ان تثمر نتائجها المرجوة… وبايجاز، فانه لا بد من البناء علي هذه المستجدات الاخيرة حتي وان كانت ما تزال في بدايتها ، كي يمكننا ان نتقدم ونخطو للامام ونخرج من حالة السلبية والعجز وانعدام القدرة علي الفعل والمبادرة التي لازمتنا طويلا وما تزال الي حالة اخري اكثر ايجابية وديناميكية ، وهو ما يعني الدعوة الي كسر الانماط الدبلوماسية العربية التقليدية التي برهنت علي فشلها وعدم جدواها ، واحلالها بدبلوماسية عربية اكثر جراة وواقعية واقدر علي التخاطب مع العالم والتاثير فيه باللغة التي يحترمها ويفهمها…لغة القوة والمصالح المتبادلة…وانه لا تنازل بلا مقابل..وان عهد الهيمنة والابتزاز قد ولي وانتهي .
ما اقوله استنادا الي ما نلمسه من تحولات دبلوماسية مهمة ترعاها السعودية كدولة عربية ذات ثقل اقتصادي ونفطي وخليجي كبير ، ليس نوعا من المبالغة او الاسراف في التفاؤل غير المستند الي اساس او الذي ياتي من فراغ ، وانما هو دعوة الي الانفتاح علي المستقبل بفكر مختلف وبآليات عمل دولي جديدة وبتصميم اكبر علي تغيير هذا الواقع العربي الصعب الذي لم يعد محتملا ولا مقبولا….فهل هذا بالامر المستحبل ؟ لا اعتقد…
النائب مصطفى بكرى عضو مجلس النواب يرى ان القمة العربية الصينية نقطة تحول كبيرة في تاريخ علاقات المنطقة العربية بدول العالم، لافتا الى أن الصين التي تمتد علاقتها العربية منذ أكثر من ١٥ قرنا هي عامل مهم في التوازن الدولي.
أضاف أن انعقاد القمة العربية بالمملكة العربية السعودية مؤشر مهم جدا، خاصة مع طبيعة العلاقة التتقليدية بين المملكة والولايات المتحدة منذ فترة طويلة، موضحا أن السياسة الخارجية للسعودية كما هي سياسة العديد من الدول الاخرى تتوخى المصلحة الوطنية، ومن ثم فاعتقد ان الرؤيه الجديده وهذه القمة وما تمخض عنها تجعل من الصين شريك استراتيجي بالمنطقة العربية، وهو أمر مهم في إطار خلق عالم جديد مختلف يقضي نحو تعدد الأقطاب جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة الأمريكية .
وتابع : ” اعتقد ان هذه ستكون بداية لعلاقات قوية خاصة وأن مصر صرحت بأنها ستتعامل بالروبل الروسي مع روسيا، والصين هي أكبر مستورد للنفط في المنطقة العربية، متوقعا احداث تغييرات جذرية فى هذه العلاقات خلال الفترة المقبلة .
وقال مصطفى بكرى أن المنطقة العربية غاضبة من السياسة الكونية الامريكية ومن مواقفها سواء كانت علي الصعيد الاقتصادي او السياسي، ولذلك كانت القضية الفلسطينية حاضرة سواء في كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الصيني، مستندة إلى السعي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كما أن الاتفاقات الموقعة في إطار تنمية العلاقات بين الصين والبلدان العربية امر اكيد سيزعج الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ولكن المصالح الاستراتيجية العربية تفترض على الجميع ضرورة اتخاذ مواقف متوازنة وذلك أعتقد أنه بدأ بشكل او بآخر.
من جانبه أكد حازم عمر رئيس لجنة الشؤون العربية والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن مصر والصين يجمعهما علاقات استراتيجية شاملة منذ عام 2014 ، لافتا الى أن مصر كانت من أوائل الدول التي اعترفت بالصين عام 1956.
أضاف أن الصين تعتبر الشريك الرئيسي لمصر في مجالات التنمية والمجال الاقتصادي، بالإضافة لدعم الدولتان بعضهما البعض فى المحافل الدولية.
وقال رئيس لجنة الشئون العربية والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، أن أهم ما يميز الصين هو عدم تدخلها في الشؤون الداخلية لأى دولة، ولا تربط علاقتها السياسية ودعمها الدبلوماسي مع أى دولة بملفات داخلية .
وأكد حازم عمر أن قوة الصين وتأثيرها فى العالم الخارجى يزداد يوما عن الآخر، متوقعا أن يعود العالم قريبا لثنائي القطب .
وتابع : ” مصر ايضا تدعم الصين فى كثير من المواقف” .
وحول نظرة الولايات المتحدة الأمريكية لهذه القمة، قال النائب حازم عمر أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك استراتيجي مهم لمصر، ولنا مصالح كثيرة معها، الا أن ذلك لا يمنع أن تكون علاقاتنا جيدة مع كافة الدول، لافتا إلى أن ذلك يأتى في إطار التوازنات السياسة التى تقوم بها مصر، ومن مصلحة الدولة المصرية أن تكون علاقتها متوازنة بين الشرق والغرب .
وأشار رئيس لجنة الشئون العربية والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أنه حتى مع بداية الازمة الأوكرانية الروسية لم تهتز علاقتنا بروسيا ولازالت قوية .
وتابع : ” وجود القدس فى اجتماعات القمة العربية الصينية يترجم ما وضحته من أن الصين ومصر يدعمان بعضهما دبلوماسيا فى المحافل الدولية، وهو ما يخلق نوعا من الأريحية والاستمرارية فى مثل هذه العلاقات .
أكد الدكتور أيمن سمير خبير العلاقات الدولية أنه لأول مرة يتحدث الرئيس الصينى بشكل واضح وصريح حول فكرة دعم الصين لحصول فلسطين على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، وذلك خلال انعقاد القمة العربية الصينية التى عقدت بالرياض .
وأوضح أن عضوية الصين فى الوقت الحالى تصنف كمراقب وليست بصفة العضوية الكاملة أو الدولة الكاملة، لافتا إلى أن الرئيس الصينى فى كلمته بالقمة أكد على استعداد الصين لدعم توجه الرئيس الفلسطينى والحكومة الفلسطينية لمجلس الأمن وطلب العضوية الكاملة، وهذا تطور كبير جدا باعتبار أن الصين دولة دائمة العضوية فى مجلس الأمن .
وتابع : ” الصين دعمت حل الدولتين وضرورة قيام دولة فلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وتكون عاصمتها القدس الشرقية .
وأوضح أن الصين رفضت فكرة التوسع فى المستوطنات ، مؤكدة أن المستوطنات تضر بالعملية السياسية والعملية السلمية بين فلسطين وإسرائيل، لكن أيضا أكدت دعمها لمنظمة الأنوا وهى منظمة تقوم بخدمة وتقديم الدعم للاجئين الفلسطينين فى المخيمات الفلسطينية الموجودة فى الدول التى تقع على حدود فلسطين ، سواء فى الأردن أو سوريا أو لبنان ، بالإضافة لقطاع غزة.
ولفت إلى أن القمة أكدت على أن القضية الفلسطينية مازالت هى القضية المحورية والمركزية للشعوب العربية أولا، وأن حلها هو الطريق الصحيح لاستتباب الأمن والسلام والازدهار فى منطقة الشرق الأوسط .
وحول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من هذه القمة قتل د. ايمن سمير أن أمريكا رغم انها تقول علانية أنها لا تخير أصدقائها بينها وبين الصين أو أى دولة أخرى ، ومن حق أى دولة ذات سيادة أن تختار الاصدقاء والحلفاء، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت غاضبة من انعقاد القمة .
وارجع خبير العلاقات الدولية غضب أمريكا إلى سببين ، الاول هو أن غالبية كلمات القادة العرب بما فيهم كلمة الرئيس السيسى تحدثت عن عالم متعدد الأقطاب ، والولايات المتحدة تريد أن تظل هيمنتها هى الهيمنة الوحيدة فى العالم ، واستمرار سياسة القطب الواحد .
أضاف أن مطالبة الدول العربية بأن يقود العالم عدد من الأقطاب ، كالولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وروسيا، والهند، والبرازيل، وغيرها من الدول الكبيرة، فهذا لا يصب فى صالح الولايات المتحدة الأمريكية .
والسبب الثانى الذى أغضب الولايات المتحدة الأمريكية من القمة العربية الصينية هو أن الصين عقدت هذه القمة مع دول يفترض أنهم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية ، لافتا إلى أن اليوم تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أن جزء من اهتمامات هذه الدول يتجه نحو الصين والقوى الآسيوية الجديدة ، وليست ناحية الغرب وناحية الولايات المتحدة ، وهو ما يقلق الولايات المتحدة .
وأشار د. ايمن سمير خبير العلاقات الدولية إلى أن طبيعة المخرجات التى خرجت من القمم الثلاث ” القمة السعودية الصينية – القمة الخليجية الصينية – القمة العربية الصينية ” تشترط عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى ، واحترام ثقافة وخصوصية وهوية كل مجتمع ، وهذا البند بالتأكيد كان موجه للولايات المتحدة الأمريكية لأنها هى من تتدخل فى الشئون الداخلية للدول، وهى من تحاول أن تفرض أنظمة حكم على الدول العربية مثلما حاولت فرض الإخوان فى ٢٠١١ ، والان تتدخل فى الشأن الداخلى العربى تحت ملف حقوق الإنسان ومحاولة استرجاع الفوضى والتخريب مرة أخرى فى المنطقة .
وتوقع أن ترد الولايات المتحدة الأمريكية على القمة العربية الصينية بمجموعة من الإجراءات ، الإجراء الاول قد تقوم بسحب منظومات الدفاع الصاروخية الأمريكية مثل منظومات البترويد فى منطقة الخليج لأن منطقة الخليج بها ٣٠ ألف جندى أمريكى فى الوقت الحالى قد تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بسحب جزء من الجنود أو من الأسلحة بحجة نقلهم إلى أوروبا بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ، لافتا إلى أن هذا الأمر حدث بالفعل حيث بدأت تطلب منظومات دفاعية سبق أن باعتها لدول خليجية من قبل .
وقال د. ايمن سمير الولايات المتحدة الأمريكية قد تقوم أيضا بإثارة ملفات تتعلق بحقوق الإنسان وخلق مشاكل للدول العربية ، بالإضافة لتخلى الولايات المتحدة عن نزع السلاح النووى لإيران أو عمل اتفاق حول الاتفاق النووى مع إيران ، وكأنها تترك مشاكل الخليج مع إيران للدول نفسها كنوع من الضغط على الدول الخليجية .
وأوضح أن الدول العربية بعد القمة العربية الصينية تحاول أن تعمل بخطوط متوازية وليس خطوط متوالية، بمعنى أن تسير فى خط العلاقات العربية الصينية وفى نفس الوقت تسير مع خط العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ، لأن الصين هى الشريك التجارى الاول حاليا للدول العربية ، وتركز على العلاقات الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ، وكلا العلاقتان تسير جنبا إلى جنب فى شكل متوازى وليس فى شكل متوالى .
وحول العلاقات المصرية الصينية ، كشف خبير العلاقات الدولية أن العلاقات المصرية الصينية قديمة وربما هى اقدم علاقة ما بين الصين وأى دولة أخرى ، لافتا إلى أن أول كتاب صدر فى الصين منذ آلاف السنين لم تذكر فيه إلا دولة مصر وتحديدا ميناء السويس، وايضا الملكة كليوباترا ملكة مصر كانت ترتدى الحرير الصينى ، وهى أول حكومة خارج حكومة الصين تعمل أنوال لصناعة الحرير والخيوط الصينية حتى تنسج ملابسها من الحرير الصينى، وهو ما يؤكد أنه كان هناك نوعا من التعاون الاقتصادى بين البلدين منذ آلاف السنين، ومؤخرا كانت مصر هى أول دولة عربية وافريقية وشرق أوسطية تعترف بحكومة الصين ، لأن عندما قامت الثورة الشيوعية فى الصين عام ١٩٤٩ كل دول العالم بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية رفضت الاعتراف بها ، إلا أن مصر اعترفت بها عام ١٩٥٦ .
وقال عندما قامت الثورة الثقافية فى الصين وتعرضت الصين لأزمة اقتصادية داخلية ، سحبت الصين كل سفرائها من منطقة الشرق الأوسط ولم تبقى الا على سفيرها فى القاهرة .
وتابع: ” بعد ثورة ٣٠ يونيو دعمت الصين الثورة فى مصر واعتبرتها ثورة شعبية ودافعت عن حق الشعب المصرى فى اختيار حكومته ولم تسير فى ركب الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس أوباما وقتها فى معارضة الحكومة المصرية ، لافتا إلى أن هناك أكثر من ١٠٠ شركة صينية تعمل فى مصر ، وحجم التبادل التجارى بين مصر والصين فى أول ٩ شهور من هذا العام سجلت ١٤ مليار دولار ، بالإضافة للمشروعات الصينية فى المنطقة الصناعية فى محور قناة السويس .