إدعاء الإجماع أو التلقي بالقبول أو ما عليه الأمة أو منهج السلف الصالح أو عدم الخروج عن المذهب كلها أشبه بأبر تخدير للأمة، القصد منها عدم المحاولة في التفكير والبناء على المنهج القرآني العقلي البرهاني.
لم نؤمر بعدم مفارقة الجماعة ولا باتباع جيل أو آل بيت أو مذهب ولا بالتسليم لسلف أو خلف، وإنما العنوان العريض لهذا الدين العظيم هو هداية القرآن التي جعلها الله تعالى أقوم هداية.
إن انتقال المسلمين من دين الآباء لدين القرآن هو الوقوف عند مراجعة كل ما مر من هذه المصطلحات التي يتمسك بها جلُّ المسلمين باسم الحفاظ على الدين والخوف عليه، ولن يكون هناك تجديد ولا ابداع إلا بالتحرر من هذه المصطلحات المزعومة المبتدعة في دين الله تعالى.
إن الأعجب في هذه الأمة عموما أنها تتمسك بهذه المصطلحات المبهمة من إجماع أو تلقي وهي غير متفقة على مفهوم الإجماع ومفهوم التلقي ومفهوم الأمة، ليبقى السؤال الذي لن تجد له جوابا: ما تعريف الإجماع ومن الذي أجمع؟ ومن الذي تلقى وكيف تلقى وما معنى تلقى؟ ومن هي الأمة التي أجمعت أو تلقت؟
بل يجازف ابن حزم في تكفير كل من ينكر الإجماع، وأما ابن قتيبة وأمثاله يقر بكل حسم أن خبر الواحد إذا خالف الإجماع يرد، بالرغم أن هذا التقعيد جاء في سياق دفاعه عن أهل الحديث.
لقد حصّن المتأخرون كثيرا من أفكار المتقدمين واجتهاداتهم بدعاوى الإجماع كبديل عن التقليد والتبعية، وإذا ما وجد مخالف لهم صدر الحكم بأن لا اعتبار للمخالف أصلا، وخصوصا ما وقع بعد القرن الرابع الهجري من تقليد وجمود.
لتعيش هذه الأمة في جمود وآبائية وتبعية عصبية متزمتة، يسلمون بهذه المصطلحات، متخذين من مخالفهم العداوة والنكارة، حتى أنهم اليوم يرفضون المناقشة في إثبات مثل هذه الإجماعات أو للتحقق منها ويحتجون به على الأخر وكأنه نص قرآني منزل.
لذلك لا تصدق من يقول لك إن الأمة أجمعت على كذا، فهو مجرد ادعاء فيه استحالة لإثباته، ولا يتصور وجوده، وهو وسيلة يتمسك بها البعض عند افتقار الدليل، والحق لا يثبت بالأكثرية والجمع الكبير، ولم يأمرنا الله تعالى في كتابه العزيز الاستدلال بكم الناس وإجماعهم وإنما أمرنا بالدليل والبرهان.
على أن دعاوى الإجماع تخضع في كثير منها لأبعاد سياسية أو بيئية أو سلطوية، فهو سلطة للتسليم لكثير من الآراء وأحوال المتقدمين على أنها دين مجمع عليه، والأصح أن ما كانوا عليه هو انتاج لمرحلة سياسية بيئية فقهية لا تصلح أن تمثل دين الله تعالى في كل عصر، لتبقى حجة الله علينا بهدي القرآن والسنة الصحيحة الموافقة له.