على رصيف ميناء الصيادين غرب مدينة غزة، جلس الصياد جمال العاصي (52 عاماً) محاولا قدر الإمكان إصلاح شباك الصيد الممزقة التي يستخدمها منذ سنوات بعد منع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها منذ بداية الحصار الممتد منذ 16 عاماً.
استغل الصياد العاصي من سكان حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، أشعة الشمس الدافئة للتحضير ليوم عمل جديد يبدأ عصراً ويمتد حتى فجر اليوم التالي، رغم الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق الصيادين في القطاع والبالغ عددهم حوالي 5 آلاف صياد.
يتعرض الصيادون يوميا لانتهاكات إسرائيلية ما بين إطلاق نار أو الاستيلاء على قواربهم أو إغراقها بالماء، أو تمزيق معدات الصيد، أو حتى الاعتقال والقتل.
وبين العاصي لـ”وفا”، أنه تعرض للاعتقال والاستيلاء على قاربه (اللنش) من قبل الزوارق الحربية وهو يعمل بالمساحة المسموح الصيد بها وتم اقتياده إلى ميناء اسدود وحجز قاربه لمدة 6 شهور، مشيرا إلى أنه خلال فترة حجز القارب أصبح وإخوته بلا عمل حيث يعتاش من هذا العمل 22 أسرة.
منذ بداية الحصار تتذرع اسرائيل بحجج واهية وتمنع إدخال لوازم الصيد من محركات وشباك ومادة “الفيبر غلاس” المخصص لصناعة القوارب.
ووصف العاصي عملهم بالبحر برحلة موت قد يفقد خلالها حياته أو مصدر رزقه، لافتا إلى التكاليف المرتفعة لعملية الصيد والتي تصل بالليلة الواحدة إلى ألفي شيقل، وأحيانا كثيرة لا يتوفر ثمن المصاريف بسبب المضايقات الإسرائيلية والمساحة المخصصة للصيد.
وتسمح قوات الاحتلال للصيادين بالعمل بمساحة تتحكم بها قواربها الحربية ومزاج الجنود، حيث لا تتعدى 6 أميال بحرية من ميناء غزة حتى منطقة السودانية شمالا، و12 ميلا بحريا حتى جهة الجنوب وهي منطقة قليلة الأسماك.
وحسب الصياد العاصي “رغم تلك المساحة الضيقة تتلاعب إسرائيل بها وتحرمنا من العمل بحرية مطلقة”.
قبل يومين سمحت إسرائيل بادخال محركات صيد صغيرة بواسطة الأمم المتحدة بقوة 20 حصاناً ويبلغ ثمن الواحد 5 آلاف دولار أميركي.
وأضاف، “نحاول قدر الإمكان تدبير أنفسنا من إصلاح لمعدات الصيد في ظل تعنت الاحتلال في منع إدخال معدات الصيد الحديثة.”
مركز الميزان لحقوق الإنسان أصدر مؤخرا تقريرا بعنوان “بحــر غزة … خطر الاقتراب” حول انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة مقيدة الوصول بحراً.
وأكد المركز في تقريره، أن قطاع الصيد في غزة تعرض على مر السنوات إلى عمليات تدمير منظمة قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
تلاحق هذه القوات حسب المركز الصيادين في عرض البحر، وتطلق النار تجاههم، وتوقع القتلى والجرحى في صفوفهم، وتعتقلهم، وتدمِّر وتستولي على معداتهم، وتغلق البحر أمام النشاط البحري، وتحدد مساحات الصيد وتقلّصها، وتفرض حظراً كلّياً أو جزئياً على إدخال أنواع مختلفة من المعدات والمواد اللازمة لاستمرار عملية الصيد بشكل عام.
ويفكر الصياد العاصي الذي يعيل أسرة ممتدة بترك عمله الذي ورثه عن والده منذ سنوات اذا توفر عمل أخر مناسب له بسبب الخطر الذي يتعرض له وقلة مردوده المالي.
حال الصياد العاصي ليس بأفضل من زميله كرم الهسي، الذي يعمل بمهنة الصيد منذ سنوات طويلة.
الهسي الذي يقطن مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، قال لـ “وفا”: “تواجهنا الكثير من الانتهاكات من قبل الاحتلال مثل إطلاق النار والاستيلاء على قواربنا ومعدات الصيد إضافة إلى منع إدخال مواد الصيد الحديثة”.
وتابع الهسي لـ “وفا”، ” أحدث محرك صيد عمره عشر سنوات، إضافة إلى منع إدخال الشباك وأجهزة كشف تجمع الأسماك”، مشيرا إلى أنه إذا توفرت بعض المعدات عن طريق مصر يتم بيعها بأسعار مضاعفة.
واضطر الهسي إلى شراء جهاز كشف تجمع الأسماك (تلفزيون) بمبلغ 4 آلاف دولار أميركي وسعره قبل الحصار 400 دولار فقط، منوها إلى مساحة الصيد المسموح العمل بها صغيرة جداً ورغم ذلك تلاحقنا الزوارق الحربية الإسرائيلية وتحاربنا بقوتنا.
ووفقا لمركز الميزان، فقد وثَّق استمرار وتيرة أشكال مختلفة من الانتهاكات الإسرائيلية تجاه قطاع الصيد في قطاع غزة خلال العام 2022، بواقع 474 انتهاكاً، متهما الاحتلال الإسرائيلي بالسعي الحثيث من أجل تدمير قطاع الصيد الفلسطيني.
وأكد المركز أن تلك الانتهاكات انعكست سلباً على أعداد العاملين في قطاع الصيد، إذ بلغ عدد الصيادين والعاملين في الحرف المرتبطة به العام الماضي 5606 عاملاً، من بينهم 3606 صياداً.
في حين أشارت إحصائيات سابقة لجهاز الإحصاء المركزي إلى أن عدد العاملين في القطاع ذاته في عام 1997 كان 10 آلاف عامل.
المصدر : وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية