نعرض اليوم كتاب الفطرية ” بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام” للعالم فريد الأنصاري وهو عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه، والذي يثبت أن طبيعة التدافع الحضاري بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم قد دخلت مرحلة جديدة مختلفة كميًّا ونوعيًّا؛ حيث صار الرهان الغربي اليوم قائمًا على تدمير الفطرة الإنسانية في الأمة بما يجعلها قابلة للابتلاع العولمي الجديد!.. فلا بد للعمل الإسلامي المعاصر من تجديد نفسه أولًا بالرجوع إلى فطرته هو في الدين والدعوة، حتى يمكن الاستجابة لهذا التحدي الحضاري الجديد؛ لأن الفطرة المسلوبة أو المخروقة لن تعالج ولن تسترجع إلا بمنهاج فطري .
فجاء هذا الكتاب في تقرير «الفِطْريَّةِ» بما هي منهاج في العمل الدعوي، قائم أساسًا على أصول الفطرة، كما هي معروضة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وبما هي محاولة لاستعادة دور الوحي التربوي والاجتماعي في النفس وفي المجتمع، الوحي الذي قام منهاجه الشمولي على هدف أساسى، ألا وهو تخريج نموذج «عبد الله»! الذي هو مناط كل شيء في الدين والدعوة! على ما يقتضيه «مقام العبدية» الخالصة لله، من توحيد لرب العالمين في الاعتقاد والثقافة والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وفي سائر مجالات العمران البشري .
وهو ما يتفق مع ما قاله المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي في كتابه ” المسلمون .. بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي ” أن المنهاج الالهي ليس تحديدا لمنهج جديد بل دعوة للرجوع إلى متن الرسالة الصحيح والقويم ومرجعيتها الحقيقية بعد أن انقلب اليهود والمجوس على الدين وختموه ووشموه بأوصال هو منها براء، واستخدموا قوتهم وتأثيرهم ليحولوها إلى حقائق ثابتة لا تقبل الشك في أذهان المسلمين أو قل غالبية المسلمين .
وفي سياق كتاب ” بعثة التجديد المقبلة من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام ” يرى الشيخ فريد الانصاري إن الغزو الغربي للعالم الإسلامي اليوم، على المستوى الاقتصادي والإعلامي والسياسي والعسكري، لهو صفعة قوية في وجه الأمة، ألم تكشف الصهيونية بوجهها الأمريكي القناع عن غطرستها استخفافًا بالمسلمين في غزو العراق؟ إضافة إلى هذه المهلكات الخارجية، فقد أصيبت الأمة بداء التآكل الداخلي منذ عدة قرون حتى آل وجودها المعنوي إلى الانهيار .
كما يوضح الانصاري إن مشكلة الأمة اليوم أنها لم تعد تبالي بمصدر قوتها الحقيقية، ولا تثق فيما عندها من أدوية بصيدلية الدين؛ مما أكسبها هزيمة نفسية ألقت بها في أحضان العدوّ أشلاءً، ولقد غذّي العدوّ مرض التآكل الداخلي ببرامج التعليم المسموم والإعلام الملغوم .
ويضيف أن هذا زمان نهاية الجغرافيا واختفاء الحدود! والعولمة في نهاية المطاف حصان، والحصان لمن يركبه، وإن الفرس التي تقاتل اليوم في صف العدوّ يمكن أن تقاتل هي نفسها غدًا في صف الإيمان، وإنما القضية هي في الفارس من هو؟! وما طبيعة الروح التي تسكنه؟
ويري الدكتور الانصاري أن فطرة العمل الإسلامي أنه ” دعوة ” لا “حركة ” ، وبين هذا وذاك فرق كبير؛ مصطلح (الدعوة) لفظ قرآني أصيل، ومصطلح (الحركة) لفظ سياسي دخيل .
حيث يعرف الدعوة كمصطلح عام في معنى تبليغ دعوة التوحيد وأصل الدين الكلي وإيصاله لمن لم يبلغه أصلًا من الكفار، كما أنه مستعمل في الدلالة على الإصلاح والتجديد الداخلي لما انحرف من مفاهيم الدين وأحكامه في المجتمع الإسلامي، كما أنه مانع من دخول الدلالات المنحرفة التي قد تتسرب إلى العمل الإسلامي مع التعبير الدخيل، إضافةً إلى تميزه وتفرده بالمقاصد التعبدية التي يَقْصُر عنها لفظ (الحركة) ويضيق .
ويوضح أستاذ أصول الفقة فريد الانصاري أن (الحركة) مصطلح دالّ بالأساس على تيار سياسي منظّم فكريًّا وبشريًّا، يناضل من أجل فكرة محددة لتغيير وضع معين بأساليب سياسية في الغالب، لكنها قد تتطور إلى أساليب عسكرية أو ثورية دموية، كما هو شأن الحركات الماركسية مثلًا، ثم إن مصطلح الحركة متهم بتضخيم بعض معاني العمل الإسلامي على حساب بعض؛0 لتضخمها عند أصحابها أصلًا من واضعي المصطلح في الحضارة الغربية، كما أنه متهم بتجويز وسائل للعمل لا تقبلها أحكام الشريعة إلا بالاستصلاح أو “الأسلمة ” كما يعبرون اليوم .
ويشير الانصاري الي أن العبرة بالمفاهيم وليس الألفاظ؛ فقد يكون من التنظيمات أشكال لم تتلقب باسم “حركة ” وإنما تسمّت باسم “جماعة ” أو “دعوة ” ولكنها في الواقع حبيسة مفهوم “الحركة ” ولو لم تتسمّ رسميًّا بها،
فالجوهر الحقيقي والمبرر الأساسى لوجود العمل الإسلامي إنما هو تجديد التلقي للقرآن الكريم، رسالة الله رب العالمين، وهذا هو مدار عمل الأنبياء السابقين “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة “، تلاوة بمنهج التلقي، وتزكية بمنهج التدبر، وتعليم بمنهج التدارس.