في 18 ديسمبر عام 1979 إتخذت الأمم المتحدة خطوة رئيسية نحو تحقيق هدف منح المرأة المساواة في الحقوق؛ وذلك عندما إجتمعت الجمعية العامة وأصدرت إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) تضمن هذه الإتفاقية جميع الحقوق المساوية للمرأة في جميع المجالات (سياسية – إقتصادية – إجتماعية – ثقافية – مدنية) وتدعو حكومات الدول الموقعة على الإتفاقية إلى سن تشريعات وطنية تجرم التمييز؛ وتوصيهم بإتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ مواد الإتفاقية؛ هذا وقد تم التوقيع على الإتفاقية عام 1980 ودخلت حيز التنفيذ عام 1981 وتعد مصر من أوائل الدول التي صدقت على هذه الإتفاقية مع تحفظها على 4 مواد.
ومنذ تصديق مصر على الإتفاقية عام 1981 وحتى الآن لم تستطع الحكومات المتتالية تنفيذ بنود الإتفاقية بشكل كامل؛ وذلك بسبب الحملة الشرسة التي شنها حراس التراث على الإتفاقية؛ بإعتبارها مؤامرة ماسونية_صهيوصليبية على الإسلام لإفساد المرأة؛ وأيضا بسبب الضغط الشعبي الذكوري المتأثر بأفكار التراث.
وفي عام 2003 كانت المحاولة الأولى لتنفيذ بنود الإتفاقية بإصدار “قانون الخلع” الذي يعطي المرأة الحق في إنهاء الزواج وفقا لرغبتها؛ ورغم أن هذا القانون مازال منصوصا عليه حتى الآن؛ إلا أنه هوجم – ومازال يهاجم – من قبل حراس التراث والمجتمع الذكوري لانه يخرج المرأة – جزئيا – من تحت سيطرة الرجل؛ وإنتهى الحال عام 2023 بفتوى من شيخ الأزهر أن الخلع باطل لأنه مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية التي تنص أن الطلاق يتم برغبة الرجل فقط.. وتمت المحاولة الثانية لتنفيذ بنود الإتفاقية في الإنتخابات البرلمانية عام 2010 وذلك بتمكين المرأة سياسيا من خلال وضع كوتة لها بالبرلمان؛ إلا أن هذه الكوتة قد تم إلغائها وفقا لدستور عام 2012 المسمى بدستور الثورة والذي تم وضعه في عهد الإسلاميين.
إن حراس التراث هم العقبة الرئيسية أمام تنفيذ إتفاقية سيداو ومنح المرأة كافة حقوقها بالمساواة مع الرجل؛ لأن قهر المرأة أهم ركن من أركان الحفاظ على وجود حراس التراث؛ فإذا تمتعت المرأة بحقوق متساوية بالرجل أصبحت نصف فتاويهم بلا فائدة مما يؤثر على هيبتهم المجتمعية ووضعهم المادي.. ورغم ان المادة 93 من الدستور تنص بأن المعاهدات والإتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر تأخذ قوة القانون؛ مما يعد مخالفتها أو الدعوة لمخالفتها جريمة يعاقب عليها القانون؛ إلا أنه لم يتم معاقبة أيا من معارضي هذه الإتفاقية حتى الآن.
إن تطبيق القانون بالقوة هو أحد المهام الرئيسية للحكومات؛ وعليه فإن الحكومات ملزمة بإزالة جميع العقبات التي تقف حجرة عثرة في طريق تطبيق القانون؛ وإخراس جميع الأصوات المعارضة؛ فخلال الـ 40 عاما الماضية؛ منذ توقيع الإتفاقية وحتى الآن؛ حاولت الدولة إقناع المجتمع بالحسنى؛ ولكن التجربة العملية أثبتت فشل هذه الطريقة فى تغيير الفكر الجمعي؛ الحل الوحيد الآن؛ والذي أثبت نجاحا باهرا في العديد من المجتمعات؛ هو تطبيق القانون بالقوة.
كاتبة المقال: ممثل أمازيغ مصر بمنظمة الكونجريس العالمي الأمازيغي وباحثة في علم نقد النص المقدس