أكد معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف COP28، أنه بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة وتوجيهاتها للاستثمار في مستقبل الطاقة المتجددة، بدأت دولة الإمارات ببناء مزيج متنوع من مصادر الطاقة يشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وقامت ببناء أكبر ثلاث محطات للطاقة الشمسية في موقع واحد وأقلها تكلفة في العالم.
وأوضح معاليه حاجة العالم إلى مضاعفة قدرته الإنتاجية من مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات خلال الأعوام السبعة القادمة، وست مرات بحلول عام 2040، لتصل إلى 50 ألف تيراواط في الساعة.
جاء ذلك في كلمة معاليه الرئيسية أمام “مؤتمر حوار برلين حول الانتقال في قطاع الطاقة” المنعقد حالياً في جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث دعا المجتمع الدولي إلى التوافق على هدف تحقيق انتقال منطقي وعملي وتدريجي في القطاع، لضمان أمن الطاقة العالمي بالتزامن مع بناء منظومة الطاقة المستقبلية، وتوسيع نطاق الشراكات واستكشاف الفرص المتاحة لزيادة القدرة الإنتاجية لجميع مصادر الطاقة المتجددة.
ويعدّ هذا الحدث منتدى دولياً سنوياً لمناقشة تحقيق انتقال عالمي للطاقة بصورة آمنة ومسؤولة بيئياً وبتكلفة معقولة، ويحضره هذا العام مجموعة كبيرة من قادة الدول والحكومات والأعمال، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني، وعلماء ووفود رسمية من أكثر من 60 دولة.
وأكد معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر في كلمته أن مصادر الطاقة المتجددة تقوم بتغيير قطاع الطاقة جذرياً، حيث وفرت ما يقرب من 90% من إجمالي القدرة الجديدة لتوليد الطاقة في العام الماضي.
وأشار إلى خطط شركة “مصدر” لزيادة محفظتها من الطاقة المتجددة أربع مرات خلال السنوات السبع المقبلة من 25 ألف ميغاواط من الطاقة المتجددة حالياً إلى أكثر من 100 غيغاواط، موضحاً أن ألمانيا تسير في مسار مشابه حيث رفعت مساهمة الطاقة المتجددة إلى 40% من قدرة توليد الطاقة الكهربائية لديها خلال 30 عاماً.
وتأكيداً على الرؤية المشتركة لكل من دولة الإمارات وجمهورية ألمانيا الاتحادية الهادفة إلى إنجاز انتقال ذكي وعادل في قطاع الطاقة بما يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، سلط معاليه الضوء على الدور المحوري لألمانيا في تأسيس الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “آيرينا”، حيث افتتحت مركز الابتكار والتكنولوجيا التابع للوكالة في بون في الوقت الذي شهد افتتاح المقر الرئيسي لوكالة “آيرينا” في مدينة “مصدر” في دولة الإمارات.
وقال معاليه: “تمتلك دولة الإمارات وجمهورية ألمانيا الاتحادية علاقات استراتيجية وثيقة تمتد لأكثر من خمسين عاماً وتشمل أمن الطاقة والتنمية الصناعية المستدامة والعمل المناخي. وبما أن ألمانيا هي مقرَ الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والدولة المستضيفة لثلاثة من مؤتمرات الأطراف، فإنها تؤدي دوراً أساسياً في مواجهة التحدي المناخي”.
ولفت إلى أهمية التعاون على نطاق المجتمع الدولي .. قائلاً: “أدعو شركاءنا الألمان، وجميعَ شركائنا العالميين، للعمل معنا على تنفيذ مشروعات مجدية اقتصادياً للطاقة المتجددة في كل منطقة في أنحاء العالم”.
ونوّه معاليه في كلمته بالتقرير التجميعي للتقييم السادس الصادر مؤخراً عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، مؤكداً ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي إجراءات عاجلة للحد من تداعيات تغير المناخ، وقال إن: “العالم بحاجة إلى مزيد من الجهود لتفادي تجاوز الارتفاع في درجات حرارة كوكب الأرض 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ولدينا فرصة محدودة لإجراء تصحيح جذري لمسار العمل، لذا، يجب أن نعزز جهودنا المشتركة وأن نركز على إنجاز انتقال منطقي وعملي وتدريجي في قطاع الطاقة”.
وشدد معاليه على الحاجة إلى خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 43%، وأن السبيل الوحيد لذلك هو اتباع نهج يستفيد من جميع الحلول المتاحة، داعياً قادة العمل المناخي إلى السعي بشكل فعال للاستفادة من جميع مصادر الطاقة المتجددة.
وقال: “نحن بحاجة إلى استكشاف جميع الخيارات المتاحة، إذ لا يمكننا الاكتفاء بحل واحد فقط مثل مصادر الطاقة المتجددة، أو الهيدروجين، أو الطاقة النووية، أو التقاط الكربون، أو استخدام النفط والغاز الأقل كثافة في الانبعاثات… بل نحتاج إلى جميع هذه الحلول معاً، بالإضافة إلى التقنيات الجديدة التي سيتم اختراعها وتسويقها وتطبيقها”، كما أكد على الدور المهم للهيدروجين في القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها، مثل صناعة الصلب والأسمنت والألمنيوم، مشيداً بالجهود الثنائية بين دولة الإمارات وألمانيا لزيادة الطاقة الإنتاجية من الهيدروجين.
وأشار إلى ضرورة استخدام التقنيات التي أثبتت كفاءتها بالتزامن مع تطوير مشروعات وتقنيات الهيدروجين، وأعطى مثالاً عن التقاط الكربون بصفته “تقنية أساسية لخفض الانبعاثات”.
وقال إن: “الطاقة التشغيلية لالتقاط الكربون في جميع أنحاء العالم تبلغ حالياً 44 مليون طن فقط سنوياً، وهذا لا يكفي، وسيكون من الضروري زيادة قدرة التقاط الكربون 30 مرة”.
وأوضح أن العائق الأساسي أمام هذا الهدف هو “ارتفاع تكلفة هذه التقنية”، لافتاً إلى أن الحل هو إصدار “تشريعات حكومية ذكية لجذب استثمارات القطاع الخاص، بالإضافة إلى استكشاف تقنيات التقاط الكربون الناشئة مثل استخدام الهواء المباشر والتعدين والتناضح”.
ودعا معاليه قطاع الطاقة إلى التعاون البنَّاء مع جميع القطاعات الصناعية في خفض الانبعاثات التي “تشمل كل القطاعات الصناعية، وتتطلب حلاً يشمل كافة هذه القطاعات”. مضيفاً للحضور: “ربما سمعتم بالدعوة التي وجهتُها إلى قطاع النفط والغاز في وقت سابق من هذا الشهر لمضاعفة الجهود، والتوافق حول هدف تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري من غاز الميثان بحلول عام 2030. إننا بحاجة إلى صياغة علاقة جديدة بين قطاع الطاقة وجميع القطاعات الأخرى، بحيث يتشارك قطاع الطاقة مع القطاعات كثيفة الانبعاثات وشركات التكنولوجيا والمؤسسات المالية والمجتمع المدني لإيجاد الحلول العملية التي نحتاج إليها”.
كما جدد ضرورة العمل على تطوير شامل لأداء مؤسسات التمويل الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف لضمان عدم ترك الاقتصادات النامية خلف الرَكب في أثناء سعي العالم إلى التوسع في حلول الطاقة النظيفة.
وقال إن: “هذه المؤسسات أُنشِئت منذ ما يقرب من ثمانين عاماً لتحفيز عمليات إعادة الإعمار بعد الحرب (العالمية الثانية)، ونحن بحاجة إلى تحديث مهامها، وتطوير نموذجها التشغيلي ليواكب القرن الحادي والعشرين، كما علينا أيضاً توسيع نطاق التمويل الميسر، وتوفير المزيد منه بتكلفة مناسبة، لتقليل المخاطر وجذب التمويل من القطاع الخاص ومضاعفته. وإذا اتخذنا الخطوات الصحيحة اليوم، سيمكننا خلق مسار منخفض الانبعاثات لتحقيق نمو اقتصادي كبير”.
ويعقد معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر خلال الزيارة مجموعة من اللقاءات الثنائية مع عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، وممثلي المجتمع المدني، كما يشارك في فعالية حول الانتقال في قطاع الطاقة والاستدامة مع فخامة فرانك فالتر شتاينماير رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية.
ومن المخطط أن يعقد معاليه لقاءات ثنائية مع كل من المستشار الألماني أولاف شولتس، ونائب المستشار الدكتور روبرت هابيك وزير الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ الألماني، ومعالي أنالينا بيربوك وزيرة الخارجية الألمانية، ومعالي جنيفر مورغان المبعوثة الألمانية الخاصة للعمل المناخي، وجو كايزر، رئيس المجلس الإشرافي لشركة سيمنز العالمية للطاقة، والدكتورة سابين كلاوكه، كبير مسؤولي التقنيات بشركة إيرباص.
وتعد هذه الزيارة إلى برلين الأحدث ضمن جولة الاستماع والتواصل العالمية التي يقوم بها معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر بصفته الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف COP28، والتي تهدف إلى لقاء والاستماع إلى آراء الحكومات والمجتمع المدني، والشباب، والقطاع الخاص، وممثلي المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية.
وأجرى معاليه حتى الآن سلسلة من الزيارات شملت الهند والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والدنمارك والولايات المتحدة، وسيقوم أيضاً بمجموعة من الزيارات إلى المزيد من الدول المتقدمة والنامية.
المصدر: جريدة الاتحاد الاماراتية