نستعرض اليوم كتاب الإسلام في مفترق الطرق للكاتب محمد أسد والذي ولد لأسرة يهودية في الإمبراطورية النمساوية المجرية عام 1900، وتوفي في إسبانيا عام 1992م. وهو كاتب وصحفي ومفكر ولغوي وناقد اجتماعي ومصلح ومترجم ودبلوماسي ورحالة مسلم درس الفلسفة في جامعة فيينا؛ وقد عمل مراسلاً صحفياً وبعد منحه الجنسية الباكستانية تولى عدة مناصب منها منصب مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك وقد كتب هذا الكتاب بهدف مصارَحة المسلمين بحقائق قلّ أن يجَرُؤ غيره على التصريح بها، حيث يعرض الكتاب درْسٌ دقيق لِحَال المسلمين من الناحية الثقافية والرّوحية، ومع أن ثمّة سحابة كثيفة من التّشاؤم حول نفْس المؤلف؛ فإن هناك أيضًا بريقًا ساطعًا من الأمل باستعادة الإسلام غابِرَ مَجْدِه، وهذا الأمل يتلخّص عند المؤلّف في جملة قصيرة (رجوع المسلمين إلى التمسك بحقيقة دينهم ) ؛ بحسب وصف الكاتب ان الإسلام لا يسعى للآخرة دون الدنيا، ولا هو يهتمّ للدنيا – وحدها – دون الآخرة، ولكنه دين ينظر إلى الحياة الإنسانية على أنها وحدة كاملة بكل ما فيها، ونستعرض في الكتاب الفرق بين النظرة الإسلامية والنظرة الغربية للحياة، وهل يمكن أن تتكيَّف النظرة الإسلامية مع الرؤية الأوروبية المادية؟ وما سبيل الرجوع لمجد المسلمين المفقود؟
وهو ما يتوافق مع رؤية المفكر العربي “علي محمد الشرفاء الحمادي” في كتابه “وثيقة الدخول في الإسلام” والذي يقدم المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامى لجميع المسلمين وغيرهم فيما يتعلق بالشروط الإلهية، ليكون مسلماً بحق وصادقًا مع الله في عهده، يترجمه في سلوكه وأعماله الصالحة، خاصة أن أغلب المسلمين لا علاقة لهم بالإسلام، وأساس الإسلام هو الإيمان، وحين يخاطب الله المسلمين بقوله سبحانه: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 14) حيث يوضح الشرفاء ان المسلم غير المؤمن بكتاب الله مرجعه ويتبع ما بلغه رسول الله من الآيات البينات فليس مسلماً مؤمنًا حقًا. ويضيف الشرفاء ألم يأخذ الله عليهم ميثاقًا في قوله سبحانه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة: 84)
كما يشير الكاتب علي محمد الشرفاء الحمادي ان هناك من خانوا ميثاقهم مع الله واتبعوا الشيطان وهجروا القرآن وضللوا الناس، فمآلهم جهنم وبئس المصير. لذلك أردت أن يستفيد المسلم من الوثيقة أكثر من غير المسلمين ليعرف مسؤوليته والتكاليف التي أمره الله أن يمارسها في حياته الدنيا.
كما يقول الكاتب إن الإسلام يدعو دائمًا إلى التعاون بين جميع البشر بمختلف عقيدتهم، ونشر السلام فى كل مكان من أجل أن يعيش الإنسان آمنا على حياته وحياة أسرته، منصرفًا لتأمين قوت يومه له ولأهله فى سلام واستقرار، لذلك حرم عليه العدوان وقتل الإنسان والاستيلاء على أملاكه، وعدم استباحة حقوقه كما حرم عليه الإضرار بالناس والفساد فى الأرض.
وهو ما يتوافق مع ماقاله الكاتب محمد اسد في كتابه الاسلام في مفترق الطرق انه نتيجة للتطور الذي نعيشه الآن؛ أصبحتْ الشعوب يعتمد بعضها على بعض في الحياة الاقتصادية، وهذه الحركات الاقتصادية لم تبْقَ محلّيّة؛ بل اكتسبتْ صفة عالمية، وأصبحتْ تتجاهل الحدود السياسية والمساحات الجغرافية، وحملت معها، ليس فقط البضائع، بل الآراء والاتجاهات الفكرية والثقافية، ولقد رُكّب في طبيعة البشر أن الأمم والـمَدَنِيَّات الأقوى من الناحية السياسية والاقتصادية، تترك على الأمم الأضعف منها في الحيويّة، روعةً وتؤثّر فيها من الحياة الثقافية والاجتماعية من غير أن تتأثّر هي نفسها.
ويوضح أسد في كتابة الإسلام في مفترق الطرق ان تلك هي الحال فيما يتعلق بالصِّلات بين الغرب وبين العالم الإسلامي؛ لذا يقول الكاتب انه وجب على المسلمين أن يبينوا لأنفسهم إذا كان هذا الأثر الأجنبي يجري في اتجاه إمكانياتنا الثقافية، أو يعارضها، وما إذا كان يفعل في جسم الثقافة الإسلامية فِعلَ المصل المجدِّد للقُوَي، أو فِعلَ السمّ.
ويضيف الكاتب إن الإسلام ليس عقيدة صوفية ولا هو فلسفة؛ ولكنه نَهْجٌ من الحياة حسب قوانين الطبيعة التي سَنَّها الله لخَلْقه، وما عَمَلُهُ الأسمى سوى التّوفيق التامّ بين الوجهتين الرّوحية والمادّية في الحياة الإنسانية، وهذا هو السبب – بحسب ظن الكاتب – لهذا الشكل في الصلاة حيث يَمْتَزِج الخشوع ببعض الحركات الجُسمانيّة؛ فالعبادة في الإسلام ليستْ محصورة في أعمال الخشوع الخالِص، ولكنها تتناول حياة الإنسان العملية كلَّها أيضًا.
ويري محمد أسد الكاتب الباكستاني ان “الاسلام يعلِّمنا عبادة الله الدائمة، وكذلك يعلِّمنا أن بلوغ هذا الـمَقْصِد يظلّ مستحيلًا ما دُمْنا نقسم حياتنا قسمين اثنين: حياتنا الروحية وحياتنا المادية، كما أن الإسلام وحده يُرِينا إمكان بلوغ الإنسان للكمال في إطار حياته الدنيوية، وليس المقصود بالكمال هنا الكمال الـمُطْلق، وإنما المقصود به تحسين الصفات الإيجابية التي سَبَق لها أن وُجدتْ في الفرد، وليس التحلِّي بجميع الصفات الحميدة المـُتخيَّلة؛ فما دام الإنسان خاضعًا بإخلاص وتقوى لما يفرضه عليه الله فإنه بعد ذلك حرّ في أن يكيِّف حياته الشخصية على الشكل الذي توجِّهُهُ إليه طبيعته.”
ويوضح الكتاب حقيقية الإسلام من وجهة نظر الكاتب انه الإسلام من بين سائر الأديان، وحده يُتِيح للإنسان أن يستمتع بحياته الدنيا دون أن يضيع اتجاهه الروحي دقيقة واحدة، وهو على العكس من المدَنِيّة الغربية الحاضرة لا يعبد الحياة، ولكنه ينظر إليها على أنها (دار مَـمَرّ) ؛ فالإسلام يتخيّر طريقًا وَسَطًا “ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ” ؛ فالإسلام لا يقف حجر عَثْرة في سبيل جهودنا المادية؛ فالنجاح المادّي مرغوب فيه، ولكنه ليس غاية في نفسه.
ويوضح الكاتب ايضا إن الخطأ الأساسي في التفكير الأوروبي الحديث، حينما يعتبِر التزيُّد من المعرفة المادية ومن الرفاهية مُرادِفًا للتَّرَقِّي الإنساني الروحي والأدبي، ومع أن الرُّقيّ الماديّ والرُّقيّ الروحيّ لا يعارض أحدهما الآخر، إلا أننا نجد أن العنصر الفعّال في الرُّقيّ الروحيّ مقصور على كل إنسان بمفرده؛ فعلى كل فرد أن يكدح نحو هدفه الروحي في نفسه، وإن من واجب البيئة الاجتماعية أن تنظِّم الحياة الخارجية على شكل يمكِّن الفرد من أن يجد فيه أقلّ عدد ممكن من الصِّعاب، وأكبر قَدْر من التشجيع في سبيل جهوده، وهذا سبب اهتمام القانون الإسلامي بالحياة الإنسانية من ناحيتها الروحية وناحيتها المادية على السواء.
ويري الكاتب محمد اسد ان الأوروبي الحديث قد أَهمَلَ وجود النفس؛ فمَعْبوده الحقيقي ليس من نوع روحاني، ولكنّ معبوده الرفاهية وفلسفتها الحقيقة المعاصرة، وتجد قوة التعبير عن نفسها من طريق الرغبة في القوة. إن المدنيّة الأوروبية لا تَجْحد الله البَتَّة، ولكنها لا ترى مجالًا ولا فائدة لله في نظامها الفكري الحالي؛ فالعقل الأوروبي يميل بداءة إلى إسقاط “الله ” من دائرة الاعتبارات العملية.
كما يضيف قائلا “إن المدنيّة الأوربية مناهضة للدين تمام المناهضة في مُدْرَكاتها وفي طُرُقها. إن أحد هذه الأسباب وراثة أوروبية للرومانية مع اتجاهها المادي التامّ فيما يتعلق بالحياة الإنسانية، والسبب الثاني ثورة الطبيعة الإنسانية على احتقار النصرانية للدنيا وعلى كَبْتِ الرّغبات الطبيعية والجهود المشروعة في الإنسان؛ فصارتْ النصرانية اليوم – في نظر السواد الأعظم – معنىً شكليًّا فقط؛ فالمدَنِيّة الأوروبية تَعرِف دينًا جديدًا هو التّعبّد للرُّقيّ الماديّ، وإن هياكل هذه الدّيانة إنما هي المصانع وَدُور السينما والمختَبَرات الكيماوية وباحات الرّقْص، وأما كَهَنة هذه الدّيانة فهم الصرّافون والمهندسون وكواكب السينما”.
ويخلص الكتاب الي ان النتيجة التي لا مَفَرّ منها في هذه الحال هي الكدْح لبلوغ القوة وَخَلْق جماعات مُدَجَّجة بالسلاح ومصمَّمَة على أن يُفني بعضها بعضًا حين تتصادم، وكذلك خَلْق مجتمع بشري تنحصِر فَلْسَفَتُه الأخلاقية في مسائل الفائدة العملية؛ فتصبح الصِّلات القديمة بين الأب وابنه مهجورة، ويزيد الانحلال تدريجيًا في الآداب الجنسيّة القديمة من عفاف وإحصان، ويصبحان خبرًا ماضيًا.