قال اللواء محمد إبراهيم الدويرى نائب مدير المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية إن معطيات الأوضاع الراهنة تشير إلى أنه لا يوجد أى أفق على أن الأزمات العربية التى تنهش فى الجسد العربى بكل شراسة يمكن أن نجد لها نهاية فى المدى المنظور، بل إن هذه الأزمات أصبحت مرشحة للتصاعد فى ظل الضعف الذى يعانيه الوضع العربى بصفة عامة، لافتا إلى وجود عوامل إقليمية ودولية تحول دون نجاح التحرك العربى فى حل أى من هذه الأزمات، لكنه اشار فى الوقت نفسه إلى أنه “ليس من المقبول ألا نتحرك عربياً بدعوى وجود هذه القيود”.
وأكد اللواء محمد إبراهيم أنه فى ظل الاجتهادات المبذولة لتسوية بعض المشكلات العربية فى سوريا واليمن وليبيا، وهى كلها تسويات جزئية وبعيدة عن أن تصل إلى مرحلة التسوية الشاملة، انفجرت أزمة جديدة وعنيفة فى السودان وتعدت حدودها من مرحلة اختلافات الرؤى السياسية إلى مرحلة الصراع العسكرى بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وهو ما قد يؤدى إلى انزلاق السودان إلى مستنقع يمكن ألا تخرج منه إلا بعد سنوات طويلة.
وقال اللواء محمد إبراهيم فى مقال نشره بالأهرام تحت عنوان “الموقف العربى بين تفاقم الأزمات وحلم الطموحات”: ومن الإنصاف القول إن أهم العوامل الرئيسية التى أدت إلى وصول بعض الدول العربية إلى هذه الحالة من التدهور تتمثل فى أن البيئة الداخلية لهذه الدول كانت مهيأة إلى حد كبير لتفجر الصراعات الداخلية بين المكونات والقوى المختلفة لأسباب متعلقة، سواء بالسيطرة على السلطة أو النفوذ أو الثروة وعدم وضع أسس واقعية لتسوية هذه الصراعات، وفى الوقت نفسه فقد سمحت هذه البيئة بتدخلات خارجية لاتهتم إلا بمصالحها الخاصة وتسقط من أجنداتها مصالح الدول العربية وشعوبها.
وأضاف فى نفس الوقت فقد رأينا أن التدخلات الخارجية أخذت أشكالاً مختلفة أقف فيها عند مسألة تعيين مبعوثين دوليين لحل الأزمات العربية وهو ماحدث بالنسبة لكل من ليبيا واليمن وفلسطين وسوريا وغيرها، وكأنه نوع من الوصاية ورسالة خارجية للعرب مفادها أن المؤسسة الجامعة للدول العربية غير قادرة على أن تمارس دورها المنوط بها بشأن حل هذه الأزمات. وإذا كان من المفترض أن تكون الجامعة العربية هى المؤسسة المؤهلة لبلورة وفرض الحلول الملائمة للمشكلات العربية من أجل تحجيم التدخل الخارجى إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك بل إن بعض الدول العربية أصبح أكثر ميلاً إلى الحلول المفروضة من الخارج.
وبالرغم من ذلك فإن قناعتى الكاملة مازالت تتمثل فى أن أسس تسوية أى مشكلة عربية يجب أن تنبع من داخل الدولة نفسها وليس من خارجها، ولكن يمكن القول إن الدور الخارجى إذا كان مطلوباً أو مفروضاً فيجب أن يكون دورا مساعدا وداعماً لمبدأ استقرار الدولة ووحدة أراضيها، وأن يبتعد عن التدخل السافر فى الشئون الداخلية للدولة واستغلال ثرواتها وإيجاد قواعد عسكرية له واستقطاب بعض القوى لمصلحته على حساب القوى الأخرى .
وأشار إبراهيم إلى أنه فى خضم التدخلات الخارجية المغرضة لابد من التنويه إلى نموذج إيجابى يجب أن يحتذى به وهو النموذج المصرى، حيث تتبنى القيادة السياسية المصرية ثلاثة مبادئ رئيسية أولها رفض التدخلات الخارجية فى الأزمات العربية نظراً لأنها تزيد من تعقيد الموقف، وثانيها أن أى خلافات داخلية يجب حلها من خلال الحوار والتوافق وليس بالمواجهات العسكرية، أما ثالث هذه المبادئ فيتمثل فى استعداد مصر للقيام بأى دور لحل هذه الأزمات، سواء فى إطار ثنائى أو فى إطار عربى .
وطرح اللواء محمد إبراهيم سؤال يثيره الجميع وهو هل هناك إمكانية لحل هذه الأزمات فى إطار عربى؟ وكيف يمكن الوصول إلى هذه المرحلة؟، وقال “وفى رأيى أنه بالرغم من أن الحلول العربية تبدو صعبة فإنها ليست مستحيلة رغم تعدد هذه الأزمات وتعقيداتها، وفى هذا المجال لابد من طرح حلول واقعية يمكن تنفيذها، ولكن بشرط رئيسى وهو ضرورة ديمومة التحرك العربى مهما تكن الصعوبات وعدم الاكتفاء بالبيانات والمناشدات.
وقد يكون من المفيد تشكيل لجنة مصغرة بصفة عاجلة تضم فى عضويتها مبدئياً مصر والسعودية والإمارات وقطر والجزائر والأردن تقوم بمشاورات عربية سريعة تنتهى ببلورة وثيقة بالمبادئ الرئيسية المتوافق عليها لحل الأزمات العربية مع إعطاء أولوية للأزمة السودانية، وأن يتم عرض الوثيقة على القمة العربية المقرر عقدها فى الرياض يوم 19 مايو الجاري للحصول على التصديق عليها باعتبارها الرؤية العربية لأى تحرك مستقبلى.
وأكمل “وفى رأيى أن قمة الرياض تمثل فرصة متاحة لاستعادة جزء من البريق العربى لاسيما إذا ركزت على مبدأ المصالحة العربية ومحاولة تحقيق أهم النتائج التالية: –
بدء مرحلة انتقالية جديدة فى السودان يتم بناؤها على أسس قوية تقبلها كل القوى والمكونات السودانية أو أغلبيتها.
دعم السلطة الفلسطينية ودفع الجهود لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية خلال العام الحالى .
دعم الحلول السياسية للأزمة اليمنية خاصة فى ضوء اتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
بدء تنفيذ خريطة الطريق التى يمكن أن تقود إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية ليبية فى نهاية 2023 دون إقصاء لأحد.
وحتى تكتمل منظومة الجهود العربية وتؤتى ثمارها، لابد أن يكون التحرك السياسى مشفوعا بنقطتين رئيسيتين، الأولى تعيين مبعوثين عرب لحل الأزمات العربية مع منحهم الصلاحيات المطلوبة، والثانية تقديم مساعدات اقتصادية للدول العربية التى تعانى أزمات، بالإضافة إلى دعم الاستثمارات فى الدول التى فى حاجة إليها انطلاقاً من القناعة بأن الجهد السياسى المندمج مع الدعم الاقتصادى يمثلان جناحى استقرار المنطقة، وفى النهاية فمن المؤكد أن الفرص العربية مازالت متاحة لحماية الأمن القومى العربى فى مواجهة قوى خارجية نعلم جميعاً أهدافها.
وهذا يتفق مع رؤية المفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادى فى مقاله .. حل الأزمات العربية.. والمحاور السبع والذى يؤكد فيه أن حل الأزمات العربية المزمنة يحتاج رؤية مبتكرة وإستراتيجية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع في الوطن العربي، رؤية تعالج كافة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ، رؤية استشرافية تناسب تحديات القرن الحادي والعشرين واحسب ان الامر يتطلب النظر بعمق حول 7 محاور يجب العمل عليها، حتى نحقق الاستقرار والتنمية في الوطن العربي ويصبح وطننا قويا مؤثرا دون (نزاعات وخلافات وحروب)، ويغادرنا الفقر والجهل، وتحل التنمية والرخاء والسلام بيننا .
المحور الأول في تقديري يتعلق بالمجال السياسي وما يرتبط به من الحقوق والواجبات العربية ، ففي تقديري يتطلب الامر وضع ميثاق جديد تتحدد فيه العلاقات العربية بأسلوب واضح وملتزم مع تحديد صريح لواجبات كل دولة عربية مما يضمن لها من حقوق ويستوجب عليها من التزامات في وقت السلم أو في وقت الاعتداء على إحداها من خارج المجموعة العربية.
مع الوضع في الاعتبار طريقة لإنهاء الخلافات ووضع إطار لأسلوب التعامل فيما بين الدول العربية على أساس الاتصال المباشر والحوار المستمر لإنهاء أي خلاف، وأن تتم معالجته بالسرعة التي تجعل الأمر محصورا بين القادة، منعا لأية تداعيات تنعكس سلبا على الشعوب وتزيد من ابتعاد هذه الأمة عن أهدافها ويساعد ذلك أعداءها على استغلال أية نقطة ضعف.
واقترح ان تلتزم الدول العربية باجتماعات منتظمة لمؤتمرات القمة في مكان مقر الجامعة العربية، ولا يجوز تحت أية مبررات أو حجج أو طوارئ تأجيل اجتماعات القمة حتى تثبت الدول العربية جدية اللقاءات وما ستسفر عنها من نتائج لها بالغ الأثر على مصلحة الأمة العربية.
كما ان الأمر يحتاج إعادة النظر في قانون الجامعة العربية لتفعيلها وإعادة هيكلتها، بحيث تكون لديها القدرة على تحمل مسؤوليات القرن الجديد وما يتطلبه من مؤهلات وإمكانيات وسياسات تستوعب متطلباته ومن بينها تعيين الأمين العام للجامعة يكون دوريا حسب الحروف الأبجدية على أساس ثلاث سنوات فقط لا تجدد، وتتاح الفرصة لأمين آخر بالتسلسل الأبجدي لتأخذ كل دولة عربية فرصتها بأسلوب يضمن عدالة التناوب للأمين العام.
اما المحور الثاني مرتبط بالمجال العسكري من خلال إنشاء مجلس الأمن القومي العربي بحيث يشكل من قادة القوات المسلحة في الدول العربية، وتتبعه أمانة خاصة مقرها في الجامعة العربية، حيث يتولى المجلس القومي التخطيط الاستراتيجي والعسكري بحيث يكون مسؤولا عن تنفيذ ما يلي:
على كرامته وحماية حقوقه في حرية التعبير بدون اعتداء منه على دين أو إنسان أو التحريض على عمل سلبي يضر بالمجتمع فله كل الحق بعد ذلك أن يعبر عن قناعاته ويقدم النصيحة المخلصة لخدمة الوطن وينبه للأخطاء والإخطار التي تهدد أمن مجتمعه، وأن هذا السلوك هو تشريع سماوي تؤكد عليه الآيات القرآنية ومنها على سبيل المثال قوله تعالى “ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر” صدق الله العظيم. وبذلك السلوك يستطيع المجتمع أن يعالج الأخطاء فور حدوثها ويتجنب مضاعفاتها ليستمر المخلصون في إبراز أوجه النقص لتلافيه، وحينها تستطيع المجتمعات العربية أن تقوَّم نفسها وتصحح أخطاءها، وحين ينتشر الأمن والأمان فسنجد الكفاءات المخلصة والمواطنين الصالحين يتقدمون الصفوف في بذل التضحية وتقديم الحلول العملية لمعالجة ما يطرأ من مشاكل اجتماعية.
3 – تتولى اللجنة إعداد مشروع قرار بإلغاء التأشيرات بين الدول العربية، وذلك لكي يتفق مع ما تصرح به الدول العربية ولكي تؤمن بما تعلنه ولكي تكون صادقة بما نعتقده بأننا أمة عربية واحدة ومصيرنا واحد ومستقبلنا واحد، وما يحققه ذلك من نتائج مهمة في تأكيد مضمون الوحدة العربية وتبادل المصالح بين شعوبها وإمكانية انتقال العمالة العربية الفائضة إلى الدول العربية التي تفتقر للعمالة بحيث سيساعد على تنشيط الحركة الاقتصادية بالإضافة إلى ما يمكن أن يتحقق من جراء ذلك من المحافظة على عروبة بعض الدول التي أصبحت نسبة العمالة الأجنبية غير العربية تشكل خطورة على أمنها القومي وعلى عروبتها وثقافتها.
5 – أن تلتزم القيادات العربية التزاما قاطعا وصادقا ومخلصا بعدم اتخاذ مواقف في السياسة الخارجية منفردة وما جره ذلك السلوك على الأمة العربية وأعاق تحقيق أهدافها وضاعف من تشردها وتمزقها. ومن هنا فإن ذلك الموقف يفرض نفسه بشدة على تحقيق مبدأ التشاور بين الدول العربية ويكون للجامعة العربية دور إيجابي في تحقيق التنسيق وسرعة الاتصال بعد إعادة تنظيمها وتعديل قوانينها ولوائحها التنظيمية لتكون مؤهلة لتحمل مسؤولية القرن الجديد وما يتطلبه من حشد الطاقات وتوظيفها في خدمة الأهداف القومية.
ثانيا: الخلافات العربية
1 – إن من أهم أسباب الخلاف بين الدول العربية القضايا الحدودية وهي من أهم التركات التي تركها لنا الاستعمار قبل خروجه من الوطن العربي والتي تسببت في بعض الأحيان في حروب مدمرة وضياع فرص التقدم والتعاون، حتى ظلت عقلية داحس والغبراء وحرب البسوس تعشعش في عقولنا وتؤكدها تصرفاتنا وممارساتنا اليومية في التعامل مع بعضنا، ولحل تلك المعضلة لا بد وأن يتطلب ما يلي:
أ – تشكيل محكمة عدل عربية، يتم اختيار إحدى الدول العربية مقرا لها، ويُختار القضاة على أساس أن ترشح كل دولة عربية قاضيا، ويتم تعيين خمسة قضاة للمحكمة بواسطة القرعة، حيث تجري بين الأعضاء المرشحين على أن يعاد الترشيح كل خمس سنوات.
ب – تنظر المحكمة في كل القضايا الخلافية بين الدول العربية المعنية وترفع حكمها إلى مجلس الجامعة للمصادقة عليه، حيث يكون ملزما لكل الأطراف وتلتزم الدول العربية بتطبيقه فورا.
2 – دعوة كافة القيادات العربية وعلى كل المستويات إلى وقفة صريحة وأمينة مع النفس والضمير لتناقش سؤالا واحدا: إلى أين نحن ذاهبون؟ ثم نلتفت إلى الوراء خمسين سنة فقط من عمر الجامعة العربية، ما هي حصيلة نصف قرن؟ أدعو الله أن يعين القيادات السياسية إلى أن نستطيع الإجابة قبل فوات الأوان. حينها لن ينفع الندم وفلسطين تعيش في قلوبنا مثلا حيا يدمي القلوب وتذرف العيون دما بدل الدموع. حتى لا تتكرر مأساة أخرى، والسبب لأننا لا نقوم بعملية تقييم ما جرى ونتعرف على أسبابه حتى نستطيع أن نتجنبه في المستقبل. وذلك تطبيقا لشرع الله وما نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” صدق الله العظيم.
لماذا لا تكون هذه الآية قاعدة أساسية تلتزم بها الجامعة العربية وتحترمها الدول العربية التي أقرت في دساتيرها أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، مما يعني ذلك أن الدولة ملتزمة التزاما كاملا أمام أبناء شعبها بتطبيق شرع الله فيما يحقق المصلحة العليا لأبناء الأمة العربية المسلمة؟