نستعرض اليوم كتاب خصائص المنهج الإلهي في ظلال القرآن للباحث في القرآن والسنة على بن نايف الشحود ومدير كلية الشريعة – شعبة اعزاز لجامعة حلب، من مواليد سوريا وله العديد من المؤلفات في عدد من التخصصات؛ التفسير وعلومه، وغير ذلك. والذي يؤكد فى كتابه أن المنهج الإلهي – كما يبدو في ظلال القرآن – موضوع ليعمل في كل بيئة، وفي كل مرحلة من مراحل النشأة الإنسانية، وفى كل حالة من حالات النفس البشرية الواحدة وهو موضوع لهذا الإنسان الذى يعيش في هذه الأرض، آخذا فى الاعتبار فطرة هذا الإنسان وطاقاته واستعداداته، وقوته وضعفه، وحالاته المتغيرة التي تعتريه إن ظنه لا يسوء بهذا الكائن فيحتقر دوره في الأرض، أو يهدر قيمته في صورة من صور حياته، سواء وهو فرد أو وهو عضو في جماعة.
وهو ما يؤكد عليه المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي فى كتابه «المنهاج الإلهي.. ثوابت الإيمان في القرآن» حيث يقول فى مقدمة الكتاب: «المنهج الإلهي هو طوق نجاة الإنسانية وهو سبيل خلاص الأمة من الضياع والتشتت وسبيل نجاة الأوطان من الفتن والاقتتال والإرهاب، ويؤكد أن القرآن هو منهج أراده الله لإصلاح الناس جميعًا، وبحسب المفكر العربي الاماراتي على محمد الشرفاء أن آيات القرآن الكريم حوت هذا المنهج القويم الرشيد ذلك أن الله سبحانه وتعالى يعرض على الناس من خلال آيات القرآن سبيل الخير والصلاح؛ بغية إرشادهم إلى الأهداف العليا للقواعد الإلهية، تلك التي وضعها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم لضبط العلاقات الإنسانية.
وفي ذات السياق يؤكد الباحث فى القرآن والسنة على بن نايف الشحود أن المنهاج الإلهى كذلك هو لا يهيم مع الخيال فيرفع هذا الكائن فوق قدره وفوق طاقته وفوق مهمته التى أنشأه اللّه لها يوم أنشأه.. ولا يفترض في كلتا الحالتين أن مقومات فطرته سطحية تنشأ بقانون أو تكشط بجرة قلم! .. الإنسان هو هذا الكائن بعينه، بفطرته وميوله واستعداداته، يأخذ المنهج الإلهي بيده ليرتفع به إلى أقصى درجات الكمال المقدر له بحسب تكوينه ووظيفته ، ويحترم ذاته وفطرته ومقوماته ، وهو يقوده في طريق الكمال الصاعد إلى اللّه.
وبؤكد الكاتب أن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل – الذي يعلمه خالق هذا الإنسان ومنزل هذا القرآن – ومن ثم لم يكن معتسفا ولا عجولا في تحقيق غاياته العليا من هذا المنهج.
ويشير الكاتب الى أن الحق فى منهج اللّه أصيل في بناء هذا الوجود، ليس فلتة عابرة ، ولا مصادفة غير مقصودة، إن اللّه سبحانه هو الحق، ومن وجوده تعالى يستمد كل موجود وجوده : «ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ، وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ ، وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» .. وقد خلق اللّه هذا الكون بالحق لا يتلبس بخلقه الباطل : «ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ» .. «رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ!» والحق هو قوام هذا الوجود فإذا حاد عنه فسد وهلك : «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ» .. ومن ثم فلا بد للحق أن يظهر ، ولا بد للباطل أن يزهق .. ومهما تكن الظواهر غير هذا فإن مصيرها إلى تكشف صريح : «بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» ..
كما يؤكد علي ان الخير والصلاح والإحسان أصيلة كالحق ، باقية بقاءه في الأرض : «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها ، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً ، وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ ، زَبَدٌ مِثْلُهُ. كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ. كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ» … «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ، تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ. وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ».
ويري الكاتب ان الطمأنينة ينشئها هذا التصور؟ والسكينة يفيضها على القلب؟ والثقة في الحق والخير والصلاح؟ وأي قوة واستعلاء على الواقع الصغير يسكبها في الضمير؟ وانتهيت من فترة الحياة – في ظلال القرآن – إلى يقين جازم حاسم .. إنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة .. إلا بالرجوع إلى اللّه ..
وفي ختام كتابه يؤكد الكاتب أن الرجوع إلى اللّه – كما يتجلى في ظلال القرآن – له صورة واحدة وطريق واحد .. لا سواه .. إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج اللّه الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم .. إنه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها. والتحاكم إليه وحده في شؤونها. وإلا فهو الفساد فى الأرض ، والشقاوة للناس ، والارتكاس في الحمأة ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون اللّه : «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» .