تعد قضية الخطاب الديني من الإشكاليات التي تواجه المجتمع المعاصر فدون أدنى مبالغة تعود أهمية هذا الموضوع في العصر الحاضر، نتيجة لما نعانيه في جميع بلادنا العربية من خلل وتخبط في معالجة هذه القضية لما اكتنف هذا الخطاب من غموض وسوء فهم، أخرجه في كثير من الأحيان عن الصواب، سواء من قبل بعض تجار الدين والمتطرفين الذين شوهوا معالم هذا الخطاب فلم يروا فيه سوى سفك الدماء وقتل الأبرياء والتخريب، بزعم مواجهة الكفار وتطهير بلاد العرب والمسلمين من الفسدة والظالمين.
وقد وجه الكاتب والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتاب ” ومضات علي الطريق” دعوة للمثقفين والمفكرين وعلماء الأمة المنوط بهم إخراج الأمة من مأزقها، لتصويب المفاهيم في الخطاب الديني وما تسبب فيه لرسالة الإسلام من تشويه وتزوير وعبث في تفاسير القرآن، وتوظيفها في خدمة المصالح الدنيوية سياسية أو مادية أو مؤامرات لطمس قيم الرحمة والعدل والحرية والسلام، التي خطط لها ألد أعداء الإسلام وهم اليهود، وتلقاها بعض المنتفعين الذين تبنوا مرويات الإسرائيليات والروايات التي ضخوها ُ في مرجعية الإسلام نسَبت زورا وبهتانا للرسول- صلى الله عليه وسلم- لتشويه رسالة الإسلام ليتحقق لهم صرف الناس عن دين الإسلام والتصديق بالمنقول وإقناع غالبية المسلمين بها، حين رفعوا أصحاب الروايات إلى درجة التقديس، وأحاطوهم بسور من المحرمات في نقدهم أو أي محاولة لتقييم رواياتهم، حتى وصلت بهم تلك القناعات إلى أن الروايات أهم من الآيات، بل تْعلُو على كلام الله سبحانه .
ويقول الشرفاء في الجزء الثاني من كتاب ” ومضات على الطريق ” أن البعض من هؤلاء الأشخاص الذين يدعوا أنهم حراس التراث يقعون فريسة تقديسهم لقيم تراث الأولين واجتهاداتهم وأحاديثهم وما تم توريثه للناس من روايات وإسرائيليات وأساطير ليست من الإسلام في شيء، ولا تلزم المسلمين اتباعها، ولا تتفق مع ما أنزله الله على رسوله الأمين من آيات في القرآن الكريم الذي أنزله الله للناس هداية للعالمين وليخرجهم من الظلمات إلى النور لينشر الرحمة والعدل والسلام بين الناس.
فيرى الشرفاء أنه يجب على الجميع العمل على وقفة ومسؤولية أمام الله اتساقا مع قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾. البقرة (174).
وحذر الشرفاء كل من قرأ القرآن وعلم مقاصد آياته لمنفعة البشرية، وكَتم معرفته بها ولم يعلِنها على الناس، ولم يوضح دعوة الحق، حيث يرى الشرفاء أن من كتم المعرفة قد خان الله ورسوله وكتم ما علمه الله من آياته.
ويشير الشرفاء الى أن مسؤولية تصويب الخطاب الديني لا تنحصر فى طائفة أو مذهب أو فرقة أو جماعة، فكل المسلمين يجمعهم كتاب واحد ورسول واحد يدعوهم بإسم الله العظيم للتعاون والبحث الجاد المتجرد للتدبر في كتابه موحد تلتئُم عليه الأمة، والوقوف على مقاصد الكتاب الكريم وصولا لمفهوم بينته آيات القرآن من قيم الرحمة والعدل والحرية والسلام والتسامح، ونشر المحبة والتعاون بين الناس، وعدم الإعتداء على حياة الناس وعلى حقوقهم، وتحريم الظلم بين بني الإنسان، ليتحقق لهم الأمان والإستقرار، وتتنزل عليهم رحمة الله وبركاته، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون.
ودعا الشرفاء الجميع الى العمل على تجنيب الروايات وما ساقه الأقدمون من تفسيرات وتشريعات وروايات وأحكام أفتريت على الله ورسوله بالكذب والتزوير، ليصبح القرآن وحده مرجعية وحيدة لرسالة الإسلام، كما قال سبحانه ﴿ الٓمٓصٓ (1) كِتَٰبٌ أُنزِلَ إِلَيۡكَ فَلَا يَكُن فِي صَدۡرِكَ حَرَجٞ مِّنۡهُ لِتُنذِرَ بِهِۦ وَذِكۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ (2) ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ وَلَا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَۗ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ (3) ﴾. الأعراف (1-3)
وطالب المفكر العربي علي محمد الشرفاء فى كتابه أن يتولى المفكرون والمثقفون والعلماء في مختلف مجالات الحياة، هذا الهدف وفى قناعتهم وعي تام ويقين ثابت بأنه لا مرجعية للدين الإسلامي سوى مرجعية واحدة، ألا وهي كتاب الله الذى أنزله على رسوله – محمد صلى الله عليه وسلم َّ – والذى أمره سبحانه بإبلاغه للناس كافة.