يلاحظ على كثير من المسلمين عدم اكتراثهم بالقرآن قراءة وتدبرًا وعملاً، وقد يمرُّ على بعضهم أحد عشر شهرًا لا يفتحون فيها المصحف ولا يطالعون فيها آية، فإذا دخل شهر رمضان قرءوا القرآن كلّه مسرعين غير متدبرين لآياته ولا عاملين بما فيها من أوامر ثم يعودون إلى هجر القرآن بعد رمضان .
وفضل القرآن عظيم.. فهو كتاب حياة ومنهج وجود للإنسان، وهو يقدم للمسلم كل ما يحتاج في الدنيا والآخرة، ويجيب عن كل ما يخطر بباله من تساؤلات.
وقد صدق الحق جل وعلا؛ إذ يقول: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} – طـه : 123 – 126.
إن كثيرًا من المسلمين يضعون المصاحف في علب جميلة مزخرفة ومزركشة.. وكأن القرآن جزء من الديكور والزينة!! والقرآن لم يُجعل لهذا، بل أنزله الله تعالى للتدبر والتأمل والفهم والتطبيق.
وفي هذا الصدد خصص المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابة ومضات علي الطريق الجزء الثاني بابا كاملا عن هجر القرآن اذ يري ان الله سبحانه وتعالى في علمه الأزلي علم بأن عباده من المسلمين سوف يهجرون القرآن وسيؤدي ابتعادهم عن كتاب الله الى تفرقهم وتشرذمهم بل حدوث التصادم بين الفرق المختلفة التي اتبعت كل فرقة منهم مذهبا او عقيدة صاغها مفهوم بشري ونقلها رواة من قصص لا تتوافق في كثير من الاحيان مع القرآن الكريم ونسبوها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم زورا وظلما، فلم يكن الأنبياء في مختلف العصور او الرسل ان منحهم الله حق التشريع ولو حدث ذلك فسوف يحدث تصادم بين تشريع الخالق رب السماوات والأرض العليم الخبير وبين الرسل والانبياء الذين هم بعض من خلقه لا يملكون حق التشريع انما امرهم سبحانه بحمل رسالته للناس كما هي دون اضافة او حذف او تعديل ولذلك يري الكاتب ان الله سبحانه وتعالى امرنا بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) وبحسب الكاتب فإن حبل الله هو القرآن وهو يعلم سبحانه بأن عدم اتباع القرآن ستحل الفرقة بين المسلمين ولذلك حذر سبحانه عباده بالالتزام والتقيد بالقرآن الكريم حتى تمنع اسباب الفرقة.
كما يستند المفكر العربي علي الشرفاء الي ما جاء في سورة (الجاثية الاية 6) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) ليوضح ان هناك تحذير واضح وتحدى بعدم اتباع اية روايات او احاديث او مفاهيم بشرية تخالف كلام الله وتم اضفاء القدسيه على تلك الروايات وما فيها من تناقض صادم في بعض الاحيان لآيات الله فالله يريد لعبادة التمسك بما جاء في كتابة العزيز ليحميهم من الوقوع في الصراع والتقاتل ويريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والاخرة وأن تكون لهم مرجعية واحدة وهي القرآن فقط.
ويضيف الكاتب ان ما جاء في سورة (الفرقان الايه 30) وَقَالَ الرَّسُولُ (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) يؤكد بأن رسول الله سوف يشتكي المسلمين الى الله بأنهم هجروا القرآن منبها ومحذرا بخطورة الابتعاد عن التقيد بأوامر الله وتشريعاته فيما نص عليه القرآن الكريم دستورا من الله لعباده ليضيء لهم طريق الحياة ويعينهم على تحقيق السعادة في الدنيا ويؤمن لهم حياة طيبة في الآخرة ويسكنهم جنات النعيم.
ويري الكاتب ان شكوي رسول الله صلى الله عليه وسلم لله من أمة الاسلام بأنهم هجروا القرآن تأتي تحذيرا للمسلمين بعدم تصديق او اتباع اية روايات تواترت على مر السنين تدعي على لسان رسول الله افتراء وكذبا مالم يقله بغية تحقيق مصالح دنيويه تدعم السلطان وتهدم مرجعية القرآن من قبل أعداء الله وأعداء المسلمين.
كما يضيف الكاتب ان الله امرنا في محكم كتابه بالتدبر واحترام العقل وتنمية الفكر والارتقاء به وتنقيته من الخرافات والأوهام واحكام المنطق ومرجعية القرآن وما فيها من دلالات تؤكد للناس أن يحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عبر القرون ولا يقدسوا أناسا مهما بلغ علمهم فإنهم بشر يخطئون ويصيبون وما صاغته افهامهم عبر القرون الماضية حسب قدراتهم الفكرية وحسبما املت عليهم ظروفهم الاجتماعيه، وقد وضع الله سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة تأمرنا جميعا بأن نستنبط حلولا تتوافق مع كل عصر نابعة من القرآن الكريم، تأسيسا لقوله تعالى في سورة البقرة (134) ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ذلك قول فصل وامر للناس بأن تجتهد كل امة في كل عصر بما تحقق مصالحها الحياتيه
وفي ذات السياق يوضح الكاتب ان علي المسلمين الا يسألوا عمن سبقهم فكل سيحاسب بما كسبت يداه فلن يشفع للمسلمين من عاش قبلهم ولن تقيهم افهام وتفاسير من سبقوهم ويضيف “انما يشفع ما قدمناه لانفسنا والناس في عصرنا الذي نعيشه وقوله تعالى في سورة آل عمران (191) ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّـهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إنها دعوة للتفكير حيث يضرب الله لنا مثلا عن الذين يتفكرون في خلق السموات والارض إذ علينا ان نتبعهم في البحث والتدبر لما يتحقق بذلك من نتائج تفيدنا على تأصيل اعتقادنا وتقوية ايمــاننا وترتــقي بمجتمعاتنا وتضيف للانسانية عناصر التطور والتنميه لرفعة شأن الانسان في كل مكان حيث مرجعيتنا القرآن رحمة وعدل ومحبة وسلام.“