القدس- تقرير معا- بين قرارات حكومة الاحتلال ومجلس الوزراء السياسي والأمني واقتراحات الوزراء بإجراءات انتقامية ميدانية، تغلي الأوضاع في مدينة القدس على “صفيح ساخن”، وذلك عقب عمليتين شهدتهما المدينة في يومين متتالين، أدت الى مقتل وإصابة العشرات من المستوطنين، سبقهما ارتقاء شهيد فتى ووقوع إصابات خطيرة.
وتسارعت الإجراءات الانتقامية والاعتداءات ضد المقدسيين خلال الأيام الثلاثة الأخيرة؛ فأحياء مقدسية تحولت الى ثكنة عسكرية، حملات من الاعتقالات والاستدعاءات على مدار الساعة، هدم وإغلاق منازل ومنشآت، حواجز شرطية في الشوارع الرئيسية وعلى مداخل البلدات والأحياء.
“احتلال وسيطرة على منزلي علقم وعليوات”..
سابقة خطيرة جرت في القدس، تمثلت بفرض حصار شامل على منزل الشهيد المقدسي خيري علقم “منفذ عملية داخل مستوطنة النبي يعقوب”، وعلى منزل الفتى الجريح محمود عليوات “منفذ عملية إطلاق نار في حي وادي حلوة يسلوان”؛ فالقوات منذ لحظة الاقتحام الأولى لم تخرج من المنزلين وتمنع أي شخص من الوصول اليهما، ورغم إغلاق منزل الشهيد تواصل القوات حصاره بالكامل والتواجد على البوابة الرئيسية للبناية وبوابة المنزل الخاصة.
موسى علقم – والد الشهيد خيري- قال لوكالة معا:” إذا راح الغالي لا أسف على الحجر، الحجر ولا مرة راح يكون أغلى من ابني.”
وأضاف وهو يجلس أمام منزله المغلق والمحاصر:” من يوم الجمعة والبيت محاصر بالكامل، والبناية كلها، ما حد بقدر يدخل عليها، أو يطلع منها، البناية تحولت الى سجن”، لافتا أن منزله يقع ضمن بناية سكنية.
وقال:” طلب مني الضابط أن أفرغ محتويات المنزل، لكني قلت له فجّر البيت مع من فيه.”
قرار اغلاق منزل عائلة علقم، اتخذ ونفذ خلال ساعات فقط، دون المرور بإجرءات قضائية كما كان متبعا في السابق.
ولم تقتصر الاجراءات الانتقامية على العائلة بحصار بناية كاملة واغلاق المنزل، بل بمواصلة اعتقال والدة الشهيد وعمه وزوج شقيقته، إضافة الى استدعاءات متواصلة لأفراد العائلة، ومنع إقامة بيت عزاء له سواء في بلدة سلوان، أو في مخيم شعفاط.
وفي حي آخر من سلوان، وهو “كرم الشيخ”، لم تغادر القوات منزل عائلة عليوات ومحطيه، وتمنع الوصول اليه أو دخوله، في وقت تواصل فيه اعتقال 4 من أفراد العائلة “الأب والأم ونجليهما”، منذ لحظة وقوع العملية، أما الفتى محمود فيرقد في المستشفى وسط تعتيم على وضعه الصحي، وكذلك تواصل الاستدعاءات لأفراد العائلة.
واتخذت حكومة الاحتلال قرارا بإغلاق منزل عليوات، ويعتبر ذلك سابقة وتغيير في السياسة حيث لم تغلق أو تهدم منازل لمقدسيين من منفذي عمليات لم تؤدّ الى مقتل مستوطنين، وهذا ما أكدته المستشارة القضائية للحكومة بقولها “هناك سابقة لإغلاق منزل إدى لإصابة” إسرائيليين”، مع تأكيد الحكومة بأنها بصدد العمل على اتخاذ إجراءات جديدة ضد منفذيها في العمليات التي لا يوجد فيها قتلى.
عائلة مطر .. سنوات من مقارعة المحاكم
وفي بلدة جبل المكبر، المجاورة لبلدة سلوان، نفذت بلدية الاحتلال أمس تهديد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير “بهدم المنازل غير القانونية في القدس الشرقية”، وكان العنوان الأول لذلك هو منزل الاسير المقدسي حسام مطر وعائلته، وهو محكوم بالسجن مدى الحياة، قضى من المحكومية 16 عاماً، وصباحا هدمت في القرية منشأة تجارية قيد الإنشاء، إضافة الى سور في سلوان.
وأصدر مكتب بن غفير بيانا قال فيه:” تماشيا مع سياسة بن غفير وبالتعاون مع البلدية، باشرت القوات بهدم منزل في جبل المكبر، بدأ “فرض القانون” وستستمر هذه الاجراءات الى منازل وأحياء أخرى في المدينة”.
راتب مطر – صاحب المنزل – قال:” أنا أول ضحايا قرار بن غفير، هدد بالهدم ونفذ، منذ 2017 أحاول ترخيص البناء الذي يعيش فيه 3 عائلات في 3 منازل وهم عائلتي ومحمد ابني وعائلته وعائلة شقيقي الاسير حسام، البلدية تتذرع بأن ملف الترخيص لم يتقدم، لكني وعلى مدار السنوات الماضية حاولت التنظيم والبناء لكن رفض ذلك”.
أما زوجة الاسير حسام مطر قالت:” يحاولون إضعافنا بعمليات الهدم، لكن كان الوضع قاسيا ومؤلما لنا ونحن ثابتون في القدس، هذا المنزل الذي هدم اليوم ليس الأول ولن يكون الأخير.”
أما أطفال عائلة مطر فقد انشغلوا على مدار ساعات بالبحث عن ألعابهم وما تبقى من ملابس لاخراجها من بين الحجارة وأعمدة الحديد وتجميعها.
أحداث متتالية
ولم تهدأ المدينة، منذ الأربعاء الماضي عندما نفذت قوات الاحتلال عملية هدم لمنزل الشهيد عدي التميمي في مخيم شعفاط، وفي ذات اليوم استهدفت الفتى محمد محمد علي 16 عاماً بالرصاص في مخيم شعفاط، مما أدى الى استشهاده، ومساء الجمعة اعلن عن استشهاد فتى آخر في المدينة من بلدة سلوان وهو عزيز أبو رموز 16 عاماً، متأثرا بإصابته مساء الأربعاء خلال مواجهات شهدتها البلدة.
ومع مواصلة احتجاز الجثامين، تزداد الأوضاع توترا في المدينة، ومطالبة لتسليمهم ودفنهم.
من جهته قال المحلل السياسي راسم عبيدات لوكالة معا:” لا اعتقد بوجود اختلاف جذري للاجراءات ضد المقدسيين على الأرض، فهذه الاجراءات المتخذة اليوم تهدف لاستعادة ثقة المستوطنين واشعارهم بالأمن من قبل الحكومة ووزير الأمن الداخلي”.
وفيما يتعلق بعملية الهدم والإجراءات الجديدة، دائما وسابقا كانت تجري عمليات هدم لأهالي الشهداء آخرها لمنزل الشهيد عدي التميمي وسبقها العديد من المنازل، ولكن التطور اللافت في هذه القضية هو “عدم وجود إجراءات قضائية لقرارات الهدم كما في السابق، إنما قرارات سياسية مباشرة”.
وأضاف عبيدات إن سلطات الاحتلال دائما تتخذ الإجراءات الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية “قطع التأمين الصحي والوطني”، وعلى سبيل المثال ما جرى مع أفراد عائلة الشهيد فادي القنبر، بسحب الاقامات وقطع التأمين الوطني والصحي، عن العديد من أفراد عائلته.
ولفت عبيدات الى سحب الإقامات عام 2006 من وزير القدس الأسبق خالد أبوعرفة، ونواب المجلس التشريعي محمد أبو طير، محمد طوطح، وأحمد عطون، لمشاركتهم في انتخابات المجلس التشريعي، وكذلك سحب إقامة الاسير المقدسي المحرر صلاح الحموري وترحيله الى فرنسا أواخر العام الماضي.
وأضاف المحلل عبيدات:” كل هذه الإجراءات ضد المقدسيين تهدف لكسر ارادتهم وتحطيم معنوياتهم، ومنع انفجار الاوضاع في القدس، لكن الإجراءات على الأرض بعمليات الهدم والاغلاق، والتهديد بهدم 20 ألف منشأة في المدينة، سيؤدي الى حالة احتقان وغضب وستدفع باتجاه تفجير الأوضاع.
نقلا عن : وكالة الانباء الفلسطينية