يعد التعارض بين مشروعية التدخل الإنسانى التى يقره ميثاق الأمم المتحدة فى حالة حدوث أى إنتهاكات لحقوق الأنسان فى دولة من الدول وبين إستخدام تلك المشروعية القانونية لتحقيق أهداف سياسية ومقاصد شخصية ليس لها علاقة بالأساس بالقانونى للتدخل الإنسانى، وإنما يتم إستخدامه كغطاء شرعى للهيمنة والإنحراف عن البعد الانسانى، الأمر الذى أدى الى تهميش دور الأمم المتحدة كمنظمة دولية تعزز من حقوق الإنسان .
وبالملاحظة فإن الممارسات قد أكدت أن التدخل الدولى الإنسانى لا يستند فيها الى أى قاعدة قانونية بل يمثل إعتداء على سيادة الدول والتدخل فى شئونها الداخلية، وبالمثل نجد أن مبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية ومبدأ السيادة الوطنية للدول يتعارض مع مبدأ التدخل الدولى الإنسانى الذى يعتمد على التدخل من أجل الحفاظ على حقوق الإنسان، مما يخلق تعارض بين القوانين ينتج عنه ازدواجية على مستوى الممارسة، فنجد أن الحكومة الأمريكية قررت نشر الديمقراطية فى العالم، ولم تحدد معالم الديمقراطية التى تقصدها، وأهدافها، وقيمها، ومبادئها.. فأين حقوق الإنسان منها وحقوق الشعوب لإختيار أنظمتها؟ وأين العدالة من الديمقراطية الأمريكية، التى بدأ تاريخها بذبح سكانها الأصليين من الهنود الحمر وأبادوهم تقريبا.
وأيضاَ، ماذا فعلوا الأمريكان بالزنوج الذين خطفوهم من بين أسرهم فى أفريقيا؟ وما هو موقف الديمقراطية وحقوق الإنسان من إلقاء القنبلة الذرية على الشعب اليابانى فى كل من هوريشيما ونجازاكي؟ وما هو مفهوم العدالة فى الديمقراطية الأمريكية التى شنت حربا ظالمة على الشعب الفيتنامى، وقتلت عشرات الآلاف من أبنائه؟. ولما تم سؤال ليندون جونسون الرئيس الأمريكي آنذاك..هل بينكم وبين الفيتنام صراع مصالح أو يشكلون خطورة على أمن الحكومة الأمريكية؟فكانت الإجابة أقبح من الفعل أن السبب كان الخوف من قفل مصانع السلاح في أمريكا وإزدياد البطالة.
تلك هى ديمقراطية أمريكا تشن حربا عبثية مجنونة أكلت الأخضر واليابس لمصلحة تصنيع السلاح الأمريكي خوفا من أن يتم إقفالها دون إحترام لحقوق الإنسان، إذا أين حقوق الإنسان عندما تتولى ( سى آى إيه ) إسقاط أنظمة الحكم فى الكثير من دول العالم، وتعريضها لحروب أهلية وفوضى كما حدث فى ليبيا وتونس، ومحاولتهم الخائبة فى مصر بعد عام 2011 ، والتى فشلت فشلاّ ذريعاً.
فبأى حق قامت أمريكا بغزو العراق، واستباحت أرضه، وإعدام قائده لترسل رسالة للقادة العرب من لم يسير فى ركابنا سيكون هذا مصيره. فأين حقوق الإنسان وما قام به الجيش الأمريكى فى العراق من قتل الآلاف وعمليات التعذيب التى قاموا بها إنتقاما من الشعب العراقى وسرقة آثاره وتدمير مدنه؟.
لقد تخفت أمريكا وجعلت من مبدأ حق التدخل أو مسئولية الحماية الغطاء الذى تحته قامت بكل جرائمها ضد الإنسانية وحقوق الإنسان وما إرتكبته من قسوة وجرائم ضد الشعوب العربية ومواقفها المستمرة لحماية الذى يقوم بالاستيلاء على الأراضى العربية، والتأكيد المستمر بأنها تحمى كل تصرفات المغتصبين، ألا يعطى ذلك الموقف دلالة على أن الأمريكان لا يقلون عن ممارسة نفس الجرائم التى تقوم بها “داعش” وتسخر كل فرق الإجرام لتدمير ونشر الفتن والفوضى فى الوطن العربى ليسهل عليهم نهب ثرواته، كما استباحت حقوق شعوبه وإحتلال أراضيه.
فأى ديمقراطية تريد الإدارة الأمريكية الجديدة أن تنشرها فى العالم، إنها ديمقراطية الإستبداد وتعريض كل من يخالفها للعقوبات الإقتصادية أو محاولات إسقاط النظم المستقرة كما حدث فى فنزويلا.
كم أعداد الأبرياء الذين سقطوا تحت قنابل الأمريكان الفتاكة، وكم شردت ملايين الأسر، ثم تتحدث عن حقوق الإنسان. إن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر الدولة الوحيدة فى العالم التى لا يحق لها التحدث عن حقوق الإنسان، خاصة وأنها تتعامل مع دول العالم كأنهم عبيدا وخدم عليهم السمع والطاعة.
وأخيرا أصبحت أمريكا تسرب وثائق البنتاجون السرية للغاية عبر الإنترنت فى الأسابيع الأخيرة مما يدلل على كيفية تجسس الولايات المتحدة على الحلفاء والأعداء على حد سواء، مما أثار قلق المسؤولين الأمريكيين بشدة، الذين يخشون أن تهدد هذه المعلومات المصادر الحساسة وتهدد العلاقات الخارجية المهمة.
وهو أمر يؤكد أن التاريخ سيظل شاهد على جرائم أمريكا، ومؤسساتها الأمنية وهى تخطط ليل نهار للانقضاض على دولة معينة أو إثارة القلاقل فيها والفوضى بإسم حقوق الإنسان، وكأن شعوب العالم فقدت البصر والبصيرة ولم تكتشف ما قامت به حكومات الولايات الأمريكية المتعاقبة من جرائم ضد حقوق الإنسان.