كل الرسل والأنبياء الذين أرسلهم الله للبشر منذ (نوح عليه السلام حتى خاتم النبيين محمّد عليه السلام)، يخاطب الله الناسَ برسالاته لإعداد الإنسان بالأخلاق القرآنية وصفات المؤمنين في المنهاج الإلهي ليكون فردًا صالحًا في المجتمع الذي يعيش فيه، وإذا استقام الفرد في المجتمع وارتقت أخلاقه ومعاملاته مع الناس بالرحمة والعدل واحترام حرية الإنسان في عقيدته وفق المنهاج الإلهي والتزم باتباع التشريع الإلهي في كتابه المبين؛ صلح المجتمع وتحقق للناس فيه العيش الكريم في ظل الأمن والسلام والتعاون لتحقيق الاستقرار في الأوطان لتنطلق فيها مشاريع التنمية والتعمير للارتقاء بمستوى الحياة الكريمة للإنسان.
وأولئك الأفراد الذين استوعبوا أهداف الرسالات الإلهية، وطبّقوا ما جاءت به الكتب السماوية في كل العصور، تتكوّن منهم المجتمعات الصالحة المؤمنة بشريعة الله ومنهاجه الأخلاقي في التعامل بين الناس، وعلى رأسها الالتزام بما عاهدوا الله عليه كما قال سبحانه: (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ ) (الأحزاب: 23) بطاعة الله واتباع هديه في كتابه المبين وفق ما بلَّغهم به رسول الله عليه السلام باتباع ما أمره الله سبحانه، وباتباع عِظاته وتوصياته في أسلوب التعامل مع المساعدين معه في حمل مسؤولية الدعوة لبناء مجتمع الرحمة والعدل والحرية والسلام والإحسان؛ فخاطب الله رسوله بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159).
يبيّن الله لرسوله صفات القيادة ليكون أسوة للناس الذين يتحملون مسؤولية القيادة بدءًا من قيادة الدول أو قيادة مختلف القطاعات التي تتطلب قادة يرشدونهم إلى تحقيق الأهداف المنوطة بهم، ومن تلك المجتمعات يخرج منها القيادات الرشيدة لقيادة الشعوب لتحمل الأمانة بكل الإخلاص والتفاني في خدمة شعوبهم نحو مستقبل مشرق، يحكمون فيه بالعدل بين الناس ويسعون بالجهد المخلص والمثابرة لتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين، كما أمرهم الله: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ).
لذلك فالله سبحانه يخاطب الأفراد من الناس في رسالاته، لأن الفرد إذا صلح، صلح المجتمع كله، ودعوة الله الناس للدخول في الإسلام هي علاقة فردية بين الله والإنسان ليس عليه وكيل في ممارسة شعائر العبادة، ولا وصيّ من الله يراقب صلاته وصيامه، وإنما هو التزام بين الإنسان وبين الله بطاعته واتباع كتابه وتطبيق شرعته ومنهاجه في حياته، طاعةً لأمره في اتباع هديه حيث يخاطب الله الإنسان في قوله سبحانه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّـهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّـهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77).
لذلك لم يرسل الله رسله وأنبياءه لدعوة الدول للإسلام، ولا يجوز توظيف الإسلام في خدمة السياسة والأهداف الدنيوية سياسية أو اقتصادية مثل تسمية الدول (بالدولة الإسلامية)، أو في المجال الاقتصادي توظيف الإسلام لتسويق البنوك والمؤسسات الاقتصادية بتسميتها بالإسلامية لتحقيق أهدافهم في استقطاب العملاء وما يعود على أصحاب البنوك من زيادة في الأرباح المالية.
وأما السياسيون الذين يطمعون في الحكم في بعض الدول للوصول إلى السلطة والتسلُّط على الناس باسم الدين، والذين يحكمون باسم الإسلام يلتف حولهم العديد من المنافقين ممن يُسمّون بالعلماء وشيوخ الدين من المنافقين؛ يحللّون الحرام وما حرَّم الله للخلفاء في الماضي، والملوك ورؤساء الدول في الحاضر، ويحرِّمون ما أحلَّ الله للناس.
كما أن الخلافة نظام حكم اتفق عليه الناس في الماضي وتحوَّل المُسمى إلى الملكيات أو الجمهوريات، ولا علاقة مطلقًا بين مختلف مُسميات تلك الأنظمة الحاكمة بالأديان، وهي ليست مبدءًا دينيًا أو أمرًا إلهيًّا، وليس لها ميزة أن رفعت شعار الإسلام في حكمها عن غيرها من مُسميات أنظمة الحكم في العالم، ولا علاقة لها على الإطلاق بالإسلام.
ولننظر إلى التاريخ البعيد، ماذا فعلت بنفسها الدولة العباسية والدولة الأموية؟ وكلاهما كان يحكم تحت شعار الخلافة الإسلامية، نجد كم من الجرائم ارتكبها خلفاء بني أمية والخلفاء العباسيون فيما بينهم وضد إخوتهم المسلمين، والصراعات التى استمرت عقودًا لم يمنعها مصطلح الخلافة الإسلامية من الاعتداء والصراع من أجل السلطة والمصالح الشخصية والأطماع السياسية، ولكن المنافقين يستخدمون مصطلح الخلافة في محاولة لتزييف الحقائق وإغواء الأميين لإتباعهم، ليكونوا وقودًا لمعاركهم وأطماعهم السياسية، ولو كانوا حقًا يحكمون باسم الإسلام لأطاعوا الله وما بلَّغهم رسوله عليه السلام باتباع كتاب الله المبين وتطبيق شرعة الله ومنهاجه في حكم الدول حيث يأمرهم الله بقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58).
كما يأمرهم الله سبحانه بقوله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ ) (آل عمران: 103)، هل أطاعوا الله واعتصموا بكتابه وطبّقوا إرشاده واتبعوا منهاجه بل عصوا ما بلغهم به رسول الله، وسعوا يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء بينهم ظلمًا وعدوانًا فأعرضوا عن آياته التي تهديهم إلى طريق الحق والخير والصواب، فأهملوا ما أمرهم الله ليتبعوا هديه في قرآنه الذي لم يستمعوا إليه.
كما أن الله سبحانه خاطبهم رحمة بهم بإنذار استباقي، حتى يحميهم من الكوارث والنكبات ويأمرهم بقوله سبحانه: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ)(الأنفال: 46).
هل استجابوا لدعوة الله من أجل مصلحتهم لينقذهم الله سبحانه مما ينتظرهم من خطر عظيم إلى يومنا هذا ؟! يسفكون الدماء ويقتلون الأبرياء.
فلينظر المسلمون ماذا فعلت المنظمات والطوائف والفرق والأحزاب التي ترفع شعار الإسلام؛ أمثال ما يُسمى بالدولة الإسلامية (داعش والقاعدة والاخوان والسلفية وغيرهم) وما يقوم به منتسبوها من سفك الدماء وتشريد الناس من أوطانهم، وخلق الخوف والفزع في المجتمعات الإنسانية، بتفجير أعضائها في الآمنين، ثم تليها القاعدة والإخوان والتكفيريون وغيرهم من أتباع الشيطان الذين يستمتعون بقتل الأطفال واستباحة حق الحياة للنساء، وقتل الأبرياء هل ما يقوم به أولئك الضالون هي مبادئ الإسلام التي تدعو للرحمة والعدل والحرية والسلام والاحسان، وتحريم قتل الإنسان واستباحة حقوقه وتشريده من وطنه.
فكم استُخدم الإسلام في قضايا سياسية! ورأينا حجم الدماء التي أُسيلت حتى اليوم، من قطع رقاب الأبرياء وتعذيب الآمنين الذي لم يتوقف حتى اليوم وهم يحملون شعار «الله أكبر»؛ علمًا بأنهم لو كانوا مسلمين لم يفسدوا في الأرض ولم يعتدوا على الناس، ولم يدمّروا أوطانهم ومدّوا أيديهم للمشركين وأعداء السلام والحرية يشاركون أعداء الله وأعداء الوطن تدمير بلدانهم وتشريد أهاليهم، فكل نظام سياسي خلافة كانت أو جمهورية أو ملكية اتخذت الإسلام شعارًا، فليتذكر الناس جرائم من سبقهم وما ارتكبوه باسم الإسلام.
وليعلم الناس أن دعوة الله برسالاته يحملها رسله، وأنبيائه كانت دعوة للإنسان ذكرًا أو أنثى دعوة للانسان في كل مكان وزمان ليحيا حياة مطمئنة في أمن وسلام، ولم تكن دعوة لإنشاء دول إسلامية أو جمهوريات إسلامية أو مملكة إسلامية، فكفى بالناس خداعًا استمر أكثر من أربعة عشر قرنًا، فليس في رسالة الإسلام كهنةٌ أو أحبارً أو شيوخ دين، إنما هي علاقة مع الله مباشرة ليس بها وسيط أو سمسار، كما قال الله سبحانه مخاطبا رسوله الأمين (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (البقرة: 186)، دعوة الله للناس جميعًا كما جاء في خطاب التكليف الإلهي للرسول عليه السلام، بقول الله سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ: 28)
لقد خدعت تلك الأنظمة في الماضي والحاضر المسلمين بتوظيفهم شعار الإسلام في خدمة طموحاتهم السياسية وأطماعهم الدنيوية، واتبعوا الشيطان فسوَّل لهم أعمالهم، ليرتكبوا الجرائم ضد الإنسان بما ظلموا وسفكوا من دماء الأبرياء وشرّدوا الناس من أوطانهم، بالرغم من أن الله سبحانه حذرهم من ذلك بقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ) (البقرة: 84).
ويوم القيامة عند الحساب وعندما يحذّر الله الناس سبحانه بقوله: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11)) (العاديات: 9-11).
ثم يصوّر القرآن مشهد يوم القيامة ليتعظ من خالف أمر الله ولم يُطع آياته في قرآنه حيث يقول سبحانه: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)) (ق: 20-21)، وجاءه النبأ الإلهي في قول الله سبحانه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)) (الفرقان: 27-29).
لذلك من الظلم والإجحاف في حق الله اتخاذ شعار الإسلام وسيلة لتسمية الدول أو المؤسسات الاقتصادية أو المؤتمرات، لأن تسمية الإسلام مقصورة على شريعة الله وحده الذي بلغ الناس بلسان رسوله عليه السلام بقوله: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ ) (آل عمران: 19)، فالاسلام دين شرعه الله سبحانه للناس جميعًا فلا يجوز لأي دولة أو طائفة أو حزب توظيف الإسلام أو بنك أو أي مؤسسة مالية في خدمة المصالح الدنيوة الأنانية فالإسلام هو حق إلهي مُطلق لا يسمح لأيٍّ كان استخدامه في تحقيق أهدافه الدنيوية، ولا بد من إعادة النظر باتخاذ قانون يمنع منعًا باتًا استخدام كلمة (الإسلام) للأغراض السياسية والاقتصادية، بل يتطلب التعظيم والتكريم والإجلال لله الواحد الأحد الذي أرسل الرسل والأنبياء برسالة الإسلام ليدعوا الناس إلى طريق الحق المستقيم الذي يقيهم شقاء الدنيا وفي الآخرة نار الجحيم. ومن يتمادى في تسخير الإسلام لمصالحه السياسية والاقتصادية؛ فليرتقب من الله غضبًا وأعد له يوم القيامة عذابًا أليمًا، وخسر الدنيا والآخرة.
ان اسم الله الأعظم يندرج ضمن الأكاذيب الكثيرة وما نقلته الأساطير، فقد عرَّف الله سبحانه نفسه بقوله: (هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ ﴿22﴾ هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿23﴾ هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿24﴾) أواخر سورة الحشر، ثم يؤكّد سبحانه في قوله: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ) (الإسراء: 110).
تلك الآيات تفنّد كذب الروايات والمقولات الأسطورية حول ما يسمّى ( اسم الله الأعظم ) مثلما كذبوا على الرسول عليه الصلاة والسلام، وزوّروا روايات الباطل والبهتان التي خلقت الفتنة ومزقت المسلمين بين فِرق متناحرة متصارعة منذ أربعة عشر قرناً حتى اليوم.
لذلك ليكن كتاب الله هو المرجعية الوحيدة لرسالة الإسلام وهو الفيصل في كل تلك الروايات والتحريف في رسالة الإسلام، رسالة الرحمة والعدل والحرية ودعوة لإحترام العقل والتدبر في كتاب الله، لمعرفة الحق من الباطل، فليستيقظ العقل وليرجع لكتاب الله ليهديَه إلى طريق الحق والخير والسلام.