لا يوجد في الإسلام الذي أنزله الله على رسوله الكريم تسميات تميّز المسلمين عن بعضهم البعض، ولا شيوخ في الإسلام ولا أئمة.
إنما ذلك تصنيف بشري لوضع هالة من العلو والهيبة والمكانة عند الناس، ليوهموا أتباعهم بأنهم قريبون من الله، وكلامهم مقدس ومصدق لا التباس فيه ولا شك، وبذلك يكثرون من أتباعهم. فالإسلام لديهم كثرة الأتباع وإعلاء الذات، وإرضاء النفس بالمكانة التي وضعوا أنفسهم بها عند الناس.
توارثت الأجيال تلك الألقاب واعتاد عليها الناس حتى أصبح من يريد أن يتقرب إلى الله لا بد أن يكون له شيخ يأخذ منه العهد، في تقاليد وعادات ما أنزل الله بها من سلطان.
لا كهنة ولا أحبار في الإسلام
فلا كهنة في الإسلام ولا أحبار ولا شيوخ، الله سبحانه يريد للإنسان أن يستقل بفكره ويتدبر في كتابه بعقله ،ويفهم مراد الله من آياته، حينئذ تترسخ في عقله المفاهيم لحقيقة رسالة الإسلام وتتمركز في عقله، ويتفانى في طاعة الله عن إيمان ويقين بما أفاء الله عليه من إدراك لغايات الآيات لمنفعة الإنسان فى الدنيا والآخرة.
الله لا يريد للإنسان أن يكون عقلًا مرتهنًا لغيره، ليحرم ملكة عقله من التدبر والتفكر في كلمات الله في قرآنه، ويستنبط منها حقيقة التكليف الإلهي له ومسؤوليته في الحياة الدنيا واستعداده بعمل الصالحات للآخرة.
والله سبحانه يبين لنا التكليف والمسؤولية في الدنيا والآخرة بقوله «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» (القصص : 77)
وما يعيشه المسلمون اليوم من اتّباع روايات التراث وتراكمها على الآيات حتى أصبح العقل وسيلة لنقل أقوال وأفهام الأقدمين، دون أن يكلف المتخصصون في الخطاب الإسلامي أنفسهم باستخدام عقولهم لاستنباط وإدراك مراد الله من آياته، لما ينفع الناس ويصلح أحوالهم في الدنيا ويجزيهم الله جنات النعيم في الآخرة.
المناهج الدينية في المعاهد الإسلامية تعتمد على النقل
وحينما ننظر لكل المناهج الدينية في جميع المعاهد الإسلامية نجدها اعتمدت على النقل، وعطّلت العقل الذي أراد الله للإنسان أن يوظفه في فهم مقاصد آياته لتعينه في تحقيق الحياة السعيدة الآمنة المطمئنة في حياته الدنيا، وتقيه ما ينتظره من مفاجآت يوم الحساب، فأصبح المسلمون يعتمدون في فهم دينهم على حفظ مفاهيم من سبقوهم ويعصون ربهم في أمره تعالى وهو يخاطب عباده بقوله: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» (محمد : 24)
والله سبحانه يحذر المسلمين إذا أعرضوا عن كتابه ولم يتفكروا في مقاصده بقوله «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(126)» (طه)
ثم يخاطب الله بعض الذين استغفلوا الناس بأقوالهم ومزاعمهم ورواياتهم بقوله سبحانه: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ» ( الفرقان : 17)
ثم يبدون الندم ويقولون: «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا» (الفرقان : 27)
ثم يردد أسفه وحزنه بقوله: «يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً» (الفرقان :28 – 29)
هجر القرآن
ويشتكي الرسول الأمين المسلمين من قومه مخاطبًا ربه بقوله: «وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا» (الفرقان : 30)
كل الذين اعتمدوا على مرجعية الروايات وهجروا كتاب الله؛ سيقيم الله عليهم الحجة يوم الحساب ويسألهم ألم يبلغكم الرسول بأنكم ستسألون عن اتّباعكم لكتاب الله؟ كما جاء في قوله سبحانه مخاطبًا رسوله الأمين: «فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» (الزخرف : 43 – 44)
حينئذ كلٌ سيحاسب بأعماله وقد أنذر الله عباده بقوله: «إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا» (النبأ : 40).