لا حجة للتاريخ على القرآن، فكلام الله فوق كل رواية.. والتاريخ عبارة عن قصص لعادات البشر وتقاليدهم وأعرافهم، ولا يمكن أن يقبل العقل والمنطق أن يكون التاريخ وعاداته وتقاليده وأقوال البشر مرجعًا للدين.
ويحتج الناس به على الآيات البيّنات وما تضمنته من تشريعات وعِظات وأخلاقيات، وتعامل حضاري بين الناس على أسس فرضها الله سبحانه عليهم.
فقضية الإيمان لا يجوز النّقاش فيها أو وضع الخطاب الإلهي في مجال المقارنة بينه وبين الروايات أو العادات والأعراف أو التقاليد.
فيجب أن يكون الإنسان مؤمنًا بما أنزله الله على رسوله من الآيات الكريمة التي تستهدف منفعة الإنسان، وتضيء له الطريق المستقيم في الحياة، وتحقق له الاطمئنان والسعادة النفسية وتكسبه الثقة المُطلقة في قدرة الله سبحانه بأنه سينعم عليه بالمال والأولاد والصحة والأمان.
لذلك وضع الله سبحانه للإنسان المؤمن خارطة الطريق لحياته في الدنيا ويجنبه ما سيواجه يوم الحساب «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (الشعراء: 88-89).
ويعرّفه طُرق النجاة يوم القيامة ويكشف له عن القواعد التشريعية التي سيتم الحكم على أساسها على الناس كما يقول سبحانه: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» (الزلزلة: 7-8).
ألا يعلم المسلمون أن القرآن وآياته التي تضمنت التشريع الإلهي والقواعد الشرعية التي سيتم على أساسها الحكم على الناس يوم الحساب؟ أليست الآيات التي بلّغها رسول الله للناس ستكون الأساس الذي سيصدر الله تبعًا لها حكمه على خلقه؟ ألا يعلم الناس أنه يوم الحساب لن يُعتد بأي شريعة أخرى تكون أساسًا للحكم على أعمال الخلق غير القرآن؟
فبأي منطق يُفرض على الله سبحانه أن يحكم بين الناس على أعمالهم يوم الحساب على أساس التاريخ والتقاليد والعادات؟ فهو الذي خلق الناس سبحانه، وخلق للناس أرزاقهم، ويسّر لهم ما يقيهم البرد والحر، ويسّر لهم الأرض والبحر يمشون في مناكبها ويسعون لأرزاقهم، وأنعم عليهم في الأرض بكل ما تخرجه لهم ولأنعامهم من مشرب ومأكل تأكيدًا لقوله سبحانه :«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا» (الإسراء: 70).
هل بلغ بالناس الجهل وغياب البصيرة في دين الإسلام الذي تضمنته آيات القرآن الكريم والتي على أساسه وحده فقط إما يكون المسلم مسلمًا حقًا ومؤمنًا بكلام الله؟، أو أن يكون ممن لا يؤمن وغير معترِف بوحدانية الله سبحانه وكتابه وبرسوله الذي أرسله الله ليبلّغ الناس بآياته، فهو كافر وحسابه عند الله يوم الحساب، فالإنسان لديه حق اختيار عقيدته وفقًا لحكم الله في قوله سبحانه: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا» (الكهف: ٢٩).
فالتاريخ سجّل قصصًا تُروى عمن عاش في الماضي، وعن أعمالهم من حروب وتطور في البنيان وفي التشريعات، وأنواع المعاملات، وللأسرى أحوالهم وتشريعاتهم على العصر الذي يليهم تمشيًا مع القاعدة الإلهية في قوله سبحانه: «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (البقرة:134) وهذه الآية ترفع الحرج عن الناس ولا تلزمهم باتباع تشريعات وتقاليد وتراث من سبقهم.
لذلك فإن الإيمان بالله لا يحتاج إلى جِدال أو مناقشة بين الحق والباطل، فالله وكتابه ورسوله هم الحق وما عداهم باطل.
فليستيقظ الإنسان قبل يوم الحساب، وقبل أن يسبقه الأجل، ثم يندم بأنه أشرك مع الله بعضًا من عُبَّاد الله، وحينها لا شفاعة تنفعه، ولا وسيط يسعفه، فقد جفّت الأقلام، ورُفعت الصحف، ترك الحرية المطلقة لكل عصر ينظم أمور دنياه وِفق متطلبات عصره، ولا يمكن استنساخ العصور لأنها سُنة الله في الأرض وسُنة التطور.