يبرز الخطاب الدينى كجزء من أى أزمة تتعرض لها الدول وليس جزءاً من الحل، وهذه ظاهرة متكررة وملموسة، حتى أصبح الناس يتنبؤن ويتوقعون ما يمكن أن تكون عليه الفتاوى والبيانات الشرعية قبل صدورها، والسؤال المحوري الذى يشغل بال الناس فى كل أزمة، إذا كان علماء الدين ينطلقون من دين واحد، فلماذا هذا الاختلاف الحاد فيما بينهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ؟
ومن هنا جاء ما كتبه المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي في توضيح مفهوم الإشكالية وتفكيك الربط بين الخطاب الإلهي والخطاب الديني ليضع لنا صورة واضحة حول ضرورة العودة الى الخطاب الإلهي والعمل على إعادة تفسيره تأكيدا على أنه يتماهى مع كل العصور والازمنة.
يرى الشرفاء أن الخطاب الإلهي مصدره ومرجعتيه الوحيدة القرآن الكريم، هو كلمة الله وآياته، حيث أمر رسوله الكريم بأن يبلّغها للناس كافة في كتاب كريم- قرآن مبين- يستهدف سعادة المجتمعات الإنسانية معتمدا على عبادة الإله الواحد، حيث يؤكد الشرفاء أن الكتاب الكريم والقرآن المبين وضع لهم خارطة طريق تخرجهم من الظلمات إلى النور بتشريع أساسه الرحمة، والعدل، والسلام، والأخلاق، لتهذيب النفس البشرية والارتقاء بها وبالقيم النبيلة لنشر المحبة بين الناس والتسامح والتقوى، حيث يقول سبحانه: ِ
﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾
وفي معرض كتابه ” ومضات على الطريق ” الجزء الثانى، يوضح الشرفاء أن الخطاب الدينى اعتمد على روايات ليس لها سند أو دليل من المنطق، تتناقض مع آيات الله، تتخذ من خطاب الكراهية والتكفير ضد ّ من لا يتبع منهجهم، ويحرضون على قتل الأبرياء، ويصادرون حق الإنسان في اِختيار عقيدته، ويشعلون الفتن فى المجتمعات المسالمة، ويستبيحون كلما تطال أيديهم من أموال وثروات واستحلال حقوق الناس، ويدفعون الشباب لتفجير أنفسهم مقنعيهم بوعود ضالة وكاذبة بالجنة وما فيها من حور عين وقصور، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
ويؤكد المفكر العربى على محمد الشرفاء أن من يقوم بفعل التحريض هم أعداء للحضارة وضد التطور، يسعون للتدمير، ويصفهم أنهم أعداء الحياة وأعداء لشرع الله فى كل ما أمر به الله من عمل الصالحات والمعروف واستباق الخيرات ونشر السلام لبني البشر جميعا.
ويوضح الشرفاء أن أسس الخطاب الديني، الذي اعتمد على الروايات، لظهور مرجعيات دينية متعددة ومتناقضة، خلقت طوائف عديدة في المجتمعات الإسلامية، وكل طائفة تعصبت لمرجعيتها، فتفرق المسلمون فى المجتمع الواحد، وتسبب ذلك فى صراع فكرى تصادمى، تحول بعد ذلك إلى اقتتال بين المسلمين في المجتمع الواحد .
ويشير الشرفاء الى أن الله سبحانُه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ، ليحمل للناس كتابا مباركا، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، وليهديهم طريق الخير، إذ يقول سبحانُه وتعالى لنبيِهّ محمد صلى الله عليه وسلم
ِ ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29) ﴾ (ص)
وقوله سبحانه وتعالى ِ ﴿المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (3) ﴾ (الأعراف)
وقوله سبحانه وتعالى: ِ ﴿الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾ (البقرة)
وقوله سبحانه وتعالى ِ ﴿: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) ﴾ (المائدة)
ويري الشرفاء أن الإبلاغ بات أمر من الله َّ جل وعلا لرسوله ، بأن يبلغ الناس جميعا آياته ويتدبروا ما فيها من عبر وتعاليم وقيم وتشريعات تنظم العلاقاتَ الإجتماعية َ بين الناس على أساس ِ التعاون ِ والمحبة ِ والعدل ِ لبناء مجتمعات ِ الأمن والسلام لتعيش ِ في وئام وتسعى للخير ، تتحد لدفع الضرر، وتتبع الله فيما أمر، تنفيذا لأمره َتَعالى في سورة ِ المائدة (الآية الثانية) حين قال سبحانه ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2) ﴾
وفي ذات السياق يؤكد الكاتب والمفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي على أنه، لا مناص للمسلمين إلا بالعودة إلى المرجعية الأم والأوحد والأعلى، مرجعية القرآن الكريم، كى لا ترتهن عقولهم لمرجعيات دينية من بني البشر، بعد أن أضفوا عليهم حللا من القداسة والغلو واتخذوا أحاديثهم ورواياتهم حجة على رسالة الإسلام- القرآن الكريم،- مما جعل أكثر الناس ينصرفون عما أنزله الله على رسوله فى كتابا مبين .