تخلف المسلمون عن الركب الحضاري والمشاركة في التطور العلمي للإنسانية نتيجة لعدم إتباعهم للمنهج الإلهي الذي يأمرهم بالتفكر والبحث العلمي، فأصبحوا مستهلكين لما يصدره الغرب من صناعات ومنتجات، بعد أن كان المسلمين في الطليعة يقودون التطور الإنساني، حدث ذلك التقهقر عندما إتبعوا الروايات بديلا عن الآيات.
إن الذين يتمسكون باجتهادات الأمم السابقة وما إعتمدت عليه من روايات إعتبروها حُجَّةً لآرائهم ومعتقداتهم، إذ مضت العصور تلو العصور، تحجر العقل فيها وإرتد الفكرُ خائفًا متراجعًا، حينما وجد أكثرُ الناس قد قَدّسوا أقوال من سبقهم وآمنوا بها إيمانًا يقينيًّا وتشربتْ بها عقولهم بما نقلوا لهم من رواياتٍ تُشجّع على الفتنة والتكفير والقتل وأصبح كل من يحاول أن يلتزم بفريضة الله بالتدبر في كتاب الله خائفًا مذعورًا من التهديد والانتقام من تسفيه لرأيه ومصادرة حقه، الذي منحه الله في التفكر والتدبر في ذاته وكونه وخلقه، وبذلك تحوّل شيوخ الدين إلى أوصياء على الإسلام، وأصبحوا يُحاربونَ كلَّ مَن يَتجرأ أن يُقيم فريضة التفكير، التي أمرنا الله بها في كتابه الكريم، حتى لا يكشف زيفهم، وحتى لا يُسقط ادعاءاتهم وتفسيراتهم التي تتعارض مع مراد الله في آياته لخير البشرية ليحتفظوا بما تحقق لهم من مكانة إجتماعية ترتب عليها تحقيق مصالح مادية، ظلّوا يُحاربون كلَّ مَن يحاول أن يتسبب في ضياع امتيازاتهم الدنيوية ويصدق عليهم قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَبِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَبِ اللَّهِ يَحْكُم بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ) (آل عمران: (۲۳).
فقد وَضَعَ اللهُ سُبحانَهُ في خطابه الإلهي ، القرآن الكريم، القواعد التي تحدّد خارطة الطَّريقِ للإنسان في حياته الدنيا، وتُعِينُه على أداء واجِباتِ العبادة دون تناقض بينَ متطلبات الحياةِ الدُّنيا، والتكليف الإلهي، بعبادة الواحدِ الأحد، وأداء التكاليف الدينية، من صلاة وصيامٍ وزَكاةٍ وحَجِ، والتمسك بالتعاليم القرآنية وبالفضيلة والخلق الكريم والتعامل مع الناس بالرحمة والإحسان والتسامح والعدل وعدم ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
وتأكيدًا على ما ورد أعلاه يرسم الله للإنسان خارطة طريق لحياة الإنسان في قوله تعالى: ﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ﴾ ( القصص: 77) وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (83 القصص). فجمعت تلك الآياتُ مُلخَصًا لرسالة الإسلام أتاحت للإنسان التمتع في حياته الدنيا دون فسادٍ أو تغوّل على مسارٍ آخر في توازن يُحقق العدل المطلق بين ما يريده الله سبحانه من عباده، وبين رغبات ومتطلبات الإنسان في حياته الدنيا ضمن ضوابط المنهج الإلهي، وسوف يجزيهم الله خير الجزاء إذا اتبعوا قرآنه والتزموا بعبادته وطبقوا شريعته والتزموا بما جاء فى آياته من قيم الفضيلة والاخلاق السامية، وقد انتهت الآية الكريمة أعلاه بأمرٍ حكيم من رب كريم ” وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المفسدين” (القصص).
وهذا التزام محدد، على الإنسان أن يتقيّد به في سلوك حياته وهو عهد وميثاق بين الله وعبده الذي اعتنق دين الإسلام ليُنشَرُ الأمن والمحبة والسلام بين الناس ويرتقي بتعامله مع الناس بالإحسان، معترفا بإحسان الله إليه فيقابله بالإحسان للآخرين شاكرا بذلك نعمة الله عليه، بهديه وتوفيقه، مرتقيا بالإنسان في سلوكياته، محققا الاطمئنان والرضا، فيعيش راضيًا مطمئنا بما قَسَمَ اللهُ له من نصيب، وما رزقه من نعمة، ولا يبغي على الناس.
إن المولى عز وجل جعل الناس شعوبًا مختلفةً، وقبائل متعددة، لا ميزة لأحد على الأخر، حيث يتطلب هذا التعدّد والاختلاف في الأعراف البشرية التعارف بينهم وتعلم لغة كل منهم ليتعاونوا فيما يُحقق لهم الخير والأمان والتقارب من خلال التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والصناعي والزيارات السياحية والاستطلاعية، للتعرف على ثقافات الشعوب وتبادل العلوم والمعرفة الإنسانية لجميع خلقه، وهو وحدَه سُبحانَهُ مَن يحكم على أعمالهم، ويُميز من يعمل صالحا أو طالحًا، فلا ميزة لأي إنسان على آخر إلا بما يقدمه من عمل صالح لنفسه ولمجتمعه، فلا حصانة لإحدٍ عند الله إلا من آمن بالله والتزم بتكاليف العبادات والمعاملات والعمل الصالح.
ويخاطب الله الناس بقولهِ سُبحانَهُ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (۳) (الحجرات).