يستعد الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان، ومنافسه كمال كيليتشدار أوغلو، للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية في 28 أيار/مايو، والتي من المتوقع أن تكون حامية الوطيس بين الجانبين؛ حيث إن المؤشرات تدل على أن الرئيس أردوغان مازال يتمتع بشعبية كبيرة، ولا يمكن الفوز عليه بسهولة في هذه الانتخابات، فهو أعطى عشية انتخابات الدورة الأولى إشارة واضحة لبلاده «رسالة استقرار»، مؤكداً أنه «رئيس لا يقهر»، ما زال صامداً وقوياً رغم الأزمة الاقتصادية، وفي المقابل يحاول منافسه أوغلو أن يستميل المحافظين والأكراد وكسب أصواتهم من أجل تحقيق المفاجأة والانتصار على أردوغان.
أردوغان.. رسالة استقرار
بعد عقدين في السلطة، بدا الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان مهدداً بتداعيات الأزمة الاقتصادية، لكنه تصدّر نتائج الدورة الأولى لثالث انتخابات رئاسية يخوضها خلافاً لعدد من التوقعات.
في أنقرة ومن على شرفة مقر حزبه العدالة والتنمية أمام حشد من المناصرين المتحمسين مساء الدورة الأولى من الانتخابات، أعطى الرئيس إشارة واضحة لبلاده: «رسالة استقرار».
خلافاً لعامي 2014 و2018 لم يفز بالمعركة من الدورة الأولى، لكنه يدخل الدورة الثانية الأحد 28 أيار/مايو من موقع قوة، بحصوله على 49.5% من الأصوات مقابل 45% لمنافسه مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو.
أثبتت نتائج الدورة الأولى من الانتخابات أن الرئيس أردوغان، لا يزال بطل الأغلبية المحافظة.
أحدث أردوغان تحولًا عميقاً في تركيا من خلال مشاريع بنى تحتية ضخمة، تضمّنت بناء طرقات سريعة ومطارات ومساجد، وسياسة خارجية منفتحة على شرق آسيا ووسطها، على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين.
فيما سمحت الحرب في أوكرانيا بالعودة إلى صدارة أردوغان المشهد الدبلوماسي، بفضل جهود الوساطة التي قام بها بين كييف وموسكو.
مازال أردوغان يواصل تقديم نفسه بصفته رجلاً من الشعب في مواجهة «النخب». وقد كرّس صورته تلك بفوزه في كل الانتخابات منذ تولى حزبه العدالة والتنمية السلطة في العام 2002. لكنه تعرض مع ذلك إلى تحديات خصوصاً عندما حرمته المعارضة العام 2015 من أغلبيته البرلمانية، ثمّ من رئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول العام 2019.
ولا يزال رجب طيب أردوغان قادراً على عقد ثمانية اجتماعات في يوم واحد، ويستعرض قدراته الخطابية، مستشهداً بقصائد قومية وآيات قرآنية لإثارة الحشود.
ولد أردوغان في حي قاسم باشا الشعبي في إسطنبول، وكان يتطلع إلى احتراف رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل الانتقال إلى العمل السياسي.
وتعلم أصول اللعبة السياسية، ودفع إلى الواجهة مع انتخابه رئيساً لبلدية إسطنبول في 1994.
في 2003 أصبح رئيساً للحكومة، وبقي في هذا المنصب حتى 2014 عندما أصبح أول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع العام المباشر.
ويبقى أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، في نظر أنصاره الوحيد القادر على «التصدي» للغرب وقيادة السفينة عبر الأزمات الإقليمية والدولية.
أوغلو.. الديمقراطية والاقتصاد
في المقابل، تمكن كمال كيليتشدار أوغلو من أن يكون منافساً قوياً للرئيس أردوغان في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ويحلم بأن يكون رئيساً لـ«تركيا الديمقراطية» على حد وصفه.
لكن لا يزال أمام كيليتشدار أوغلو، مرشح المعارضة الموحدة، الكثير ليفعله الأحد 28 أيار/مايو في مواجهة الرئيس التركي الذي يبدو، في هذه المرحلة، صامداً وقوياً.
في الدورة الأولى من الانتخابات، نال زعيم حزب الشعب الجمهوري (اجتماعي-ديمقراطي) 44.9% من الأصوات مقابل 49.5% لأردوغان، الأمر الذي ذهب بالانتخابات لدورة ثانية للمرة الأولى.
في مواجهة أردوغان، شدد «أوغلو» البالغ من العمر 74 عاماً لهجته هذا الأسبوع حول مصير اللاجئين ومسألة الإرهاب، خلافاً لأسلوبه الهادئ الذي اعتمده خلال حملته الانتخابية للدورة الأولى في محاولة لاستمالة القاعدة الناخبة للقوميين.
وطوّر حتى الآن رؤيته خلال تجمعاته الانتخابية، وخصوصاً في أشرطة فيديو بسيطة ينشرها كل مساء على شبكات التواصل الاجتماعي.
هذه الاستراتيجية يبدو أنها أعطت نتائج؛ حيث إن استطلاعات الرأي تظهر أنه في موقع جيد، بحسب «فرانس برس»، لكن نتائج الدورة الأولى خلفت أجواء مخيبة للآمال لمرشح المعارضة.
قال أوغلو: «سأحمل القانون والعدالة إلى هذا البلد. سأحمل التهدئة»، واعداً بـ«الربيع».
كما يطرح أبرز معارض لأردوغان نفسه كمكافح للفساد، ووعد بأنه في حال انتخابه سيدفع فواتير الماء والكهرباء، وسيفضل قصر جانكايا الرئاسي التاريخي على القصر الفخم المكون من 1100 غرفة الذي بناه أردوغان على تلة مشجرة في أنقرة.
تعهد أوغلو أيضاً بعدم مصادرة السلطة، مؤكداً أنه «بعد إعادة الديمقراطية والحد من سلطات الرئيس» سيتخلى عن كل شيء للاهتمام بأحفاده.
منذ أن تولى رئاسة حزب الشعب الجمهوري الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، قام بتغيير نهج الحزب، من خلال محو صورته العلمانية المتشددة.
اقترح في 2022 مشروع قانون لضمان حق النساء التركيات في وضع الحجاب، سعياً منه لاستمالة القاعدة المحافظة.
المرشح الذي ولد لعائلة متواضعة في مقاطعة تونجلي (شرق) ذات الأغلبية الكردية، أراد في موازاة ذلك كسب أصوات الأكراد الذين يطلق كثيرون منهم عليه اسم «بيرو»، مثل استحضار لكلمة «جد».
هذا الخبير الاقتصادي الذي تولى لفترة رئاسة الضمان الاجتماعي التركي في التسعينيات، كان يعتبر حتى الآن غير قادر على الفوز بانتخابات.
لكن الفوز المزدوج في 2019 لمرشحي حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية في إسطنبول وأنقرة، الذي شكل نكسة غير مسبوقة لحزب العدالة والتنمية، يعود الفضل فيه إليه بشكل كبير.
متسلحاً بهذا النجاح، تمكّن هذه السنة من أن يجمع حوله ستة تنظيمات معارضة، وأن ينال دعم أبرز حزب مؤيد للأكراد.
أحاط نفسه خلال الحملة برئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة، أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش، وهما يحظيان بشعبية واسعة، ويريد تعيينهما نائبين للرئيس في حال فوزه، وأعاد تشكيل فريقه حول إمام أوغلو في الدورة الثانية.
في كل من تجمعاته الانتخابية، كان كمال كيليتشدار أوغلو يتوجّه إلى مناصريه راسماً علامة «قلب بأصابعه» ما أصبح شعار حملته.
لكن هذا الرمز المحبب ووعوده بإنهاض الاقتصاد لم تكن كافية لكي يتقدم على الرئيس الحالي.
ويحب كمال كيليتشدار أوغلو تقديم نفسه كرجل يتحلى بالصبر والمثابرة.
المصدر:جريدة الخليج الاماراتية