قالت دراسة حديثة إن التغيرات في كثافة المحيطات تؤثر، بشكل كبير، على قدرة العوالق البحرية فيما يتعلق بدمج الكربون في أصدافها.
يحمل هذا الاكتشاف، بحسب نتائج الدراسة المنشورة في دورية Royal Society Open Science، تداعيات مهمة على دورة الكربون، وقدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي في مواجهة تغير المناخ.
وكثافة المحيطات مقياس يعبر عن مقدار الكتلة الموجودة في وحدة حجم من مياه المحيط، وتُقاس عادة بوحدة الكيلوجرام لكل متر مكعب، وتتراوح كثافة مياه المحيطات بشكل عام بين 1020 و1030 كيلوجرام لكل متر مكعب.
حتى الآن، ركَّزت الدراسات السابقة على تأثير كيمياء المحيطات وزيادة الحموضة على التكلس الحيوي للعوالق البحرية، ولكن الدراسة الجديدة، التي قادها الباحث ستيرجيوس زاركوجيانيس، من قسم علوم الأرض بجامعة أكسفورد، تكشف لأول مرة أهمية الخصائص الفيزيائية للمحيطات، وتحديداً الكثافة، في التأثير على هذه العملية.
أظهرت دراسة نُشرت نتائجها في دورية “نيتشر”، أنَّ المحيطات تتحول إلى لون جديد في مناطق متعددة من الأرض، وخاصة في المناطق الاستوائية.
درس الباحثون في تلك الدراسة كائنات مجهرية تحمل أصدافاً تسمى الفورامنيفرا، وتعد تلك الكائنات من أهم اللاعبين في دورة الكربون، إذ تحتجز ثاني أكسيد الكربون في أصدافها المكونة من كربونات الكالسيوم، عبر عملية تُعرف بالتكلس.
بعد موتها، تهبط هذه الأصداف إلى قاع المحيط، مما يساهم في تخزين الكربون على المدى الطويل، ومع ذلك، لا تزال العوامل التي تؤثر على عملية التكلس غير مفهومة بالكامل.
أظهرت النتائج أن هذه الكائنات حساسة للغاية للتغيرات في كثافة المياه وملوحتها، بجانب تأثير الكيمياء المائية، وتعتمد هذه الكائنات على قوى الطفو الناتجة عن كثافة المحيط للحفاظ على موقعها في عمود الماء، إذ لا تمتلك القدرة على الحركة النشطة.
وأظهرت النتائج أن انخفاض الكثافة المحيطية يدفع تلك الكائنات إلى تقليل عملية التكلس، مما يقلل وزن أصدافها لمنع غرقها، ويؤدي هذا التكيف الطبيعي إلى زيادة قلوية المياه السطحية، مما يُحسِّن قدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، لكن “على المدى القصير فقط”؛ فخلال عملية التكلس، تقوم تلك الكائنات الدقيقة بإنتاج كربونات الكالسيوم لبناء هياكلها الصلبة.
وينتج عن هذه العملية إطلاق أيونات الهيدروجين في الماء، مما يزيد من حموضته، ويقلل من قدرته على امتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون.
ومع انخفاض معدلات التكلس، تتراجع هذه التأثيرات السلبية، مما يعزز قلوية المياه، ويزيد من قدرتها على امتصاص كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
عندما ينخفض التكلس، تظل أيونات الكربونات حرة في الماء بدلاً من استخدامها في بناء هياكل الكائنات الجيرية، ويؤدي ذلك إلى زيادة قلوية المياه السطحية، مما يجعلها أكثر كفاءة في امتصاص ثاني أكسيد الكربون في هذه البيئة، مما يقلل من وجوده في الغلاف الجوي.
وفي ظل انخفاض معدلات التكلس، يمكن أن تذوب هياكل الكائنات الميتة بشكل أسرع في أعماق المحيطات؛ ليعيد هذا الذوبان إطلاق الكربونات إلى المياه، مما يعزز قدرتها على موازنة الحموضة وامتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون.
على المدى القصير، يؤدي انخفاض التكلس إلى تحسين قدرة الطبقات السطحية من المحيط على امتصاص ثاني أكسيد الكربون مما يساهم في تقليل تركيزه في الغلاف الجوي.
أما على المدى الطويل، فإن انخفاض التكلس يقلل من كمية الكربون المخزنة في القاع من خلال ترسيب الهياكل الجيرية، مما قد يحد من قدرة المحيطات على تخزين الكربون عبر الزمن.
مع استمرار ذوبان الجليد نتيجة تغير المناخ، تتدفق المياه العذبة إلى المحيطات، مما يقلل من كثافتها وملوحتها، وفي هذه البيئة الجديدة، تخفض العوالق الجيرية معدلات تكلسها لتتكيف مع التغيرات في الطفو.
يؤدي ذلك إلى زيادة قلوية المياه، مما يتيح امتصاص كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون على المدى القصير، وهو ما يساهم في تقليل تأثيرات تغير المناخ على المدى القريب.
ويقول زاركوجيانيس إنه “على الرغم من أن الكائنات العوالقية تطفو بشكل سلبي في عامود الماء، إلا أنها ليست مجرد مشاركين سلبيين في دورة الكربون، “فمن خلال تعديل التكلس، بنشاط للحفاظ على الطفو والبقاء على قيد الحياة، تساهم هذه الكائنات أيضاً في تنظيم قدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون”.
وهناك أسئلة مطروحة حول ما إذا كان هذا التكيف يحدث في مجموعات أخرى من الكائنات البحرية التي تسهم في تنظيم كيمياء المحيط والغلاف الجوي، مثل الكوكلوثوفورات، أو في الكائنات التي تستخدم السيليكا، أو المواد العضوية لبناء أصدافها.
ويخطط العلماء لإجراء أبحاث مستقبلية لاستكشاف تأثير تنظيم الطفو على التكلس في مجموعات متنوعة من العوالق، وفهم كيف يمكن لهذا التكيف أن يؤثر على النظم البيئية البحرية في جميع أنحاء العالم.
نقلاً عن الشرق