كشف الباحث اليمنى فتح مسعود، الفرق بين التلاوة والقراءة والترتيل والدراسة والتدبر، موضحا أن التلاوة هي قراءة الوحي وآيات الكتاب بانتظام وتسلسل على النفس أو الغير ، كما تتلو القرآن بمفردك أو في صلاتك ، وكما يتلوه العالم على المتعلم حسب ما هو مرتب في المصحف بلا تحريف ولا تبديل ولا إلباس.. ( لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك) ( هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته) ( رسولٌ من الله يتلو صحفًا مطهرة ) فالتلاوة هي النطق بالقرآن، ويقابلها الخط في قوله تعالى : (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون ).
وأشار إلى أن هناك أيضًا تلاوة الوحي على الرسول نفسه ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق ) ( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ) ( نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق )
وقد أخبرنا الله عن الذين يتلون الكتاب حق تلاوته بقوله ( من أهل الكتاب أمةٌ قائمةٌ يتلون آيات الله آناء الليل ) ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم ) ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به )
وتابع ” أخبرنا الله عن الذين يتلون الكتاب بلا فهم ولا تطبيق ولا امتثال لتعاليمه بقوله ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب ) كما أخبرنا عن حال المعرضين والمستهزئين بآياته ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بيناتٍ تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا) ( وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله) وأخبرهم كيف سيُسألون غدًا ( ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربكم) ( ألم تكن آياتي تتلى عليكم ).
اما القراءة فقال الباحث اليمنى فتح مسعود، هي قراءة القرآن غيبًا أو من المصحف، فالآية ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) تعني قراءة ما بين سطور الكتاب ( وأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه ) أي اقرؤوا ما بين سطوره.
أضاف أن هناك آيات كثيرة تتحدث عن القراءة منها ( سنقرئك فلا تنسى )
( فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك)
( فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم) ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ( وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون )، موضحا أن القراءة لا تتطلب قدرة القارئ على ترتيل كتاب الله ودراسته الدقيقة لقوله تعالى ( علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ) أي علم الله أنكم لن تحصوا معاني آياته التي تحتاج للترتيل والدراسة فأمركم بقراءة ما تيسر من القرآن للتعلم والتطبيق العملي، وليس للنطق فقط لقوله ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم )
فالقراءة قد تكون كالتلاوة بانتظام وتسلسل للسور والآيات كما هي مرتبة ، وقد تكون لسور أو نصوص أو آيات محددة كآيات الدعاء والذكر.
وقال إن الاستماع والانصات واجب عند قراءة القرآن دون غيره ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).
الترتيل يعنى وفقا لما أوضحه فتح مسعود، ليس تلحين وتحسين الصوت عند قراءة القرآن، لقوله تعالى ( وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ ورتلناه ترتيلا ) ، أي أنزلناه عليك ، وفرقناه لديك لتبلغه حسب الوقائع والأحداث بعد الوحي إليك بذلك ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه )
وكذلك الأمر للرسول ( ورتل القرآن ترتيلا ).
وتابع ” الترتيل من الرتل، وهو مجموعة أشياء متشابهة يتبع بعضها بعضًا بانتظام واتساق فنقول، رتلٌ من الجنود،
فالترتيل هو صفّ وترتيب وتنظيم الآيات الناطقة عن موضوع معيّن ، وجعلها رتلًا واحدًا متتابعًا للدراسة واستخراج الأحكام والتشريعات الإلهية التي أراد الله أن نفهمها ونتبعها،
والترتيل يكون لعدة آيات تتحدث نصوصها عن موضوع معين أو فريضة معينة، والنص المرتل قد يكون في سورة واحدة، وقد يكون في عدة سور متفرقة من القرآن تتحدث عن نفس الموضوع أو الفريضة، فمَن أراد مثلًا معرفة أحكام القتال وأسبابه ودوافعه ونواهيه فهناك نصوص في سورة معينة تتحدث عن بعض أحكامه، وهناك نصوص متفرقة في عدة سور تتحدث عن بقية أحكامه ويجب ترتيلها ودراستها، مع العلم أن ترتيل وترتيب الآيات في السور جاء بأمر الله تعالى، ولا علاقة للبشر بذلك”.
معنى الدراسة عند الباحث اليمنى فتح مسعود، هي تلاوة وقراءة وترتيل آيات الكتاب لتطبيقها، وتبيين الفرائض والأحكام والحدود والمعاملات الشرعية، وتعليمها للناس بالحق كما أنزلها الله وصرفها في كتابه، واستلهام العبر والدروس والمواعظ الربانية منها،
( ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه) ( ولكن كونوا ربّانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون )
( وكذلك نصرّف الآيات وليقولوا درستَ ولنبينه لقوم يعلمون ) ( أم لكم كتابٌ فيه تدرسون ) ( وما آتيناهم من كتبٍ يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير) ( وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ).
أضاف مسعود أن استنباط الأحكام والتشريعات لا يكون إلا بعد القراءة والترتيل والدراسة لكتاب الله، فواضعو المناهج والدساتير والقوانين الإسلامية مثلًا : لابد أن يدرسوا القرآن دراسة دقيقة، حتى لا يقعوا في الخطأ والزيغ والتحريف، ولا يوجد شيءٌ اسمه ( شرح القرآن )، بل يوجد شيء اسمه ( شرح الصدور ).
اما التدبر كما يوضح فتح مسعود فهو إدراك معنى اللفظ من خلفه، ومن تدبر اللفظ تتبع بيانه، وتستغني عمن تجاوز اللفظ بالتحريف والتبديل والتمزيق، أي أن تفهم معاني الآيات حسب سياقها بقلبك وعقلك وتربطها بآيات اخرى ليكتمل المعنى ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) أي يتفكرون ويتأملون القرآن، هل فيه اختلاف أو تناقض أو مجاملة أو ظلم أو تعارض مع العقل؟!
وأشار إلى أن التدبر يكون بالنظر والتأمل وتشغيل العقل والقلب، بالتفكر في الآيات لفهم معانيها ومقاصدها وتشريعاتها، ويتم غالبًا بصمت بلا تلاوة ولا قراءة، فلن تستطيع أن تتدبر القرآن إلا إذا طهرت قلبك وعينك وفكرك من لهو الحديث المفترى، وتحررت من قيود الآلهة والشركاء والأنداد والكهنة، وكفرت بطاغوتهم التراثي وإرهابهم الفكري، وكسرت الغشاوات والأقفال التي صنعتها أقوالهم وخرافاتهم على قلبك، وانطلقت حُرًا مع كتاب الله ، وليكن بعدها ما يكون.