يطال التلوث البلاستيكي، الذي يبقى لعقود من الزمان، كل الأنظمة البيئية على كوكب الأرض تقريباً، لكن هل يمكن أن تلعب الحشرات دوراً في حل هذه المشكلة الضخمة؟
في دراسات سابقة، وجد باحثون أن الحشرات يمكنها تناول وامتصاص جزيئات البلاستيك الدقيقة (الميكروبلاستيك)، ولكن فقط في ظروف غير واقعية، حين يكون الطعام نادراً للغاية.
ولكن في دراسة حديثة نُشرت في دورية “بيولوجي ليتر” Biology Letters اختبرت عالمة الزواحف بجامعة كولومبيا البريطانية، ميشيل تسينج، نوعاً آخر من البلاستيك، تم خلطه مع طعام مثل الدقيق مقدم لنوع من الديدان المعروفة باسم “ديدان الطحين”.
وديدان الطحين مخلوقات قادرة على التغذي على المواد العضوية المتحللة، وتستطيع العيش حتى 8 أشهر دون طعام أو ماء، كما أنها لا تتردد في تناول بعضها البعض في حالات نُدرة الطعام.
تتميز هذه الديدان بحجمها الصغير وجسمها الأسطواني المغطى بقشرة صلبة بلون بني مائل إلى الذهبي. ويُعتبر هذا الكائن أحد أكثر الأنواع انتشاراً في البيئة، إذ يتواجد في الحقول، والمزارع، والمنازل، وخاصة في الأماكن التي تُخزّن فيها الحبوب والمواد الغذائية الجافة.
وبعد 30 يوماً من التجربة، اكتشف فريق البحث أن اليرقات تناولت نصف جزيئات البلاستيك الدقيقة الموجودة، ما يعادل نحو 150 جزيئاً لكل يرقة، كما زادت في الوزن.
وكانت النتيجة المدهشة، إذ أن اليرقات تخلصت من جزء صغير من البلاستيك الذي تناولته، بمعدل من 4 إلى 6 جزيئات لكل ميليجرام من فضلاتها، بينما امتصت البقية.
وعلى مدار السبعين عاماً الماضية، شهد إنتاج البلاستيك زيادة هائلة، إذ ارتفع من مليونَي طن فقط في عام 1950 إلى أكثر من 450 مليون طن سنوياً حالياً.
وكان للبلاستيك تأثير إيجابي كبير على حياتنا اليومية، لكون رخيص ومتعدد الاستخدامات ومعقَّم. وتُستخدم هذه المادة في مجالات متنوعة تشمل البناء، والأجهزة المنزلية، والأدوات الطبية، وتغليف الأغذية، وغيرها من استخدامات.
إدارة النفايات البلاستيكية
لكن مع كل هذه الفوائد، تأتي مشكلة كبيرة تتمثل في إدارة النفايات البلاستيكية، فعندما لا تتم إعادة تدوير البلاستيك، أو حرقه بشكل آمن، أو دفنه في مكبات محكمة؛ يتحول إلى ملوث بيئي خطير.
جدير بالذكر أن نحو مليون إلى مليونَي طن من البلاستيك تدخل المحيطات سنوياً، ما يؤدي إلى أضرار جسيمة للحياة البرية والأنظمة البيئية البحرية.
ويُعد تحسين إدارة النفايات البلاستيكية على مستوى العالم خطوة أساسية لمواجهة هذه الأزمة. وتحتاج الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، التي تشكل المصدر الأكبر للبلاستيك الملوث للمحيطات إلى دعم لتحسين بنيتها التحتية لإدارة النفايات.
كما أن تحسين وسائل إعادة التدوير، وزيادة الوعي بمخاطر البلاستيك يمكن أن يقلل بشكل كبير من كمية البلاستيك التي تصل إلى المحيطات.
ورغم أهمية إعادة التدوير، إلا أن نسبة صغيرة فقط من النفايات البلاستيكية يتم إعادة تدويرها عالمياً، ويمكن أن يلعب تحسين هذه النسبة دوراً كبيراً في تقليل تأثير البلاستيك على البيئة، وذلك من خلال تحسين أنظمة إدارة النفايات وزيادة الاستثمار في التقنيات المستدامة وهما جزءان أساسيان من الحل.
وأكدت عالمة الزواحف ميشيل تسينج أن اليرقات تحمل جزءاً من الحل، مشيرة إلى أن الخطوة التالية هي فهم آلية الهضم لدى اليرقات لمعرفة كيفية تحلل جزيئات البلاستيك الصغيرة، وتوسيع هذه المعرفة للتصدي للتلوث البلاستيكي.
وتابعت: “ربما يجب أن نبدأ في النظر إلى الحشرات كأصدقاء. نحن نقتل ملايين الحشرات كل يوم باستخدام المبيدات، وهي الحشرات نفسها التي يمكننا الاستفادة منها لتحلل البلاستيك والمواد الكيميائية الأخرى”.
ويقدم البحث أملاً جديداً بشأن إمكانية استخدام الحشرات للتخفيف من أزمة التلوث البلاستيكي التي تهدد كوكبنا، كما تطرح سؤالاً بشأن دور الطبيعة في إيجاد حلول مبتكرة وغير تقليدية لهذه المشكلة العالمية.
نقلاً عن الشرق