مسجد الرفاعى واحد من أشهر المساجد التي تجذب الأنظارَ بما يضم تحت ثراه من شخصيات طالما ملأت الدنيا صخباً وجدلاً، ولعل سبب هذه تسميته بالرفاعي أن جزء من المساحة التى يشغلها المسجد ، توجد بها زاوية تسمى زاوية الرفاعى دفن فيها بعض المشايخ من تلاميذه.
وقد شيِّدَ مسجد الرفاعي على أرض مسجد آخر كان يسمى مسجد الذخيرة ، بنيَّ في العصر الأيوبي، وعرف بهذا الاسم نسبة للشيخ أحمد الرفاعى شيخ الطريقة الرفاعية الصوفية، وعلى الرغم من أنه لم يدفن بالمسجد إلا أن تلك التسمية لازمته عبر التاريخ.
لم يخطر على بال أحد أن تتحول تلك الزاوية الصغيرة الموجودة بمواجهة مسجد السلطان حسن، فى منطقة القلعة بمصر القديمة، إلى واحد من أهم المساجد الكبرى والتحف المعمارية الرائعة فى هذا العصر، والتى شيدت على الطراز المملوكى الذى يتميز بالفخامة، ثم قررت خوشيار هانم والدة الخديوى إسماعيل ، أن يضم المسجد مقبرة خاصة لأسرة محمد على .
ولا أحد يعلم سر اختيارها لتلك الزاوية الصغيرة وماجاورها من مبان عام 1869، كي تصبح فيما بعد مثوًى لرفات العديد من أبناء أسرة محمد علي، وقد توفيت خوشيار هانم سنة 1885 ودفنت فى هذا المسجد قبل إتمام بنائه.
و يعتبر مسجد الرفاعى توأم مسجد السلطان حسن المواجه له وشبيهه فى الضخامة والارتفاع والقيمة التاريخية ، وان كان فارق الزمن بينهما نحو 500 عام حيث انشئ مسجد السلطان حسن سنة 1359 بينما شرع فى بناء مسجد الرفاعى سنة 1869 حيث أمرت بذلك خوشيار هانم والدة الخديوى اسماعيل، ويمتاز هذا المسجد بروعة التصميم ودقة الفنون وكثرة الزخارف وتبلغ مساحته 6500 متر ويضم أضرحة لملوك وأمراء أسرة محمد على .
وقد عهدت خوشيار هانم الى حسين فهمى باشا وكيل ديوان الأوقاف بإعداد مشروع لتصميم وبناء مسجد كبير يلحق به مدافن لها ولأسرتها ، وقبتان للشيخين على أبى شباك ويحيى الأنصارى ، ولظروف ما توقفت عملية بناء المسجد من عام 1880 حتى عام 1905 .
ولمدة ربع قرن، ظل البناء متوقفا حتى تولَّى الخديوي عباس حلمي الثاني عرش مصر ، وكلف هرتس باشا مدير الآثار المصرية آنذاك إكمال بناء المسجد عام 1911، وافتتح للصلاة عام 1912 يوم الجمعة عام 1330هـ. وبني المسجد على غرار مسجد السلطان حسن المواجه له، ليشبهه في عمارته الفخمة وضخامة حجمه وارتفاعه. كما بنيت المداخل الشاهقة التي تكتنفها الأعمدة الحجرية والرخامية بتيجانها العربية بينما حليت الأعتاب بالرخام، وغطيت المداخل بالقباب والسقوف البديعة .
ويحوى مسجد الرفاعى بين جدرانه العديد من التفاصيل الزخرفية الدقيقة على الحوائط والأعمدة، حيث استمر بناؤه حوالى 40 عاماً، وتم بناء المداخل الشاهقة بالأعمدة الحجرية والرخام بتيجانها العربية وتغطية المداخل بالقباب والسقوف البديعة، وتحيط بجدرانه بخاريات مذهبة منقوشة، كما تتدلى من السقف ثريات نحاسية ومشكاوات زجاجية غاية فى الجمال والروعة .
والمسجد من الداخل مستطيل الشكل وتبلغ مساحة المسجد من الداخل 6500 متر مربع، منها 1767 متراً للجزء المُعد للصلاة، وباقى المساحة خصصت للمدفن الملكى لأسرة محمد على أبناء وأحفاد ،
ويقع الباب الرئيسى للمسجد فى الجهة الغربية ومنه إلى حجرة تعلوها قبة زواياها خشبية محلاة بالذهب، ويخرج من أحد جدرانها باب يؤدى إلى حجرة مدفون فيها الشيخ على أبى شباك، وحجرة ضريح الشيخ على الأنصارى، بينما يقع محراب المسجد وسط الجدار الشرقى، وهو مكسوّ بالرخام الملون ، وتكتنفه أربعة أعمدة رخامية. وبجوار المحراب يوجد المنبر.
وفي مقابل المحراب، دكة المؤذنين، وهي مصنوعة من الرخام الأبيض الفاخر ، وترتكز على أعمدة فخمة، وتحيط بجداريات المسجد بخاريات جميلة مطلية بالذهب ، ومنقوشة بزخارف أسلامية رائعة، كما تتدلى من السقف ثريات فخمة نحاسية وكذلك مشكاوات أسلامية مصنوعة من الزجاج الرائع.
يوجد للمسجد ستة أبواب، أربعة منها تؤدى إلى غرف مقابر أمراء وملوك الأسرة العلوية، بينما يوصل اثنان إلى رحبتين بين تلك المدافن، أولى هذه الغرف بالجهة الشرقية ويوجد بها أربعة قبور لأبناء الخديوى إسماعيل، وتعلوها قبة منقوشة بالآيات القرآنية، أما القبة الثانية فيوجد بها قبران، أحدهما لخوشيار هانم، والآخر هو قبر خاص للخديوى إسماعيل .
وتضم القبة الثالثة قبور زوجات إسماعيل، وتتصل بهذه القبة حجرة داخلها قبر السلطان حسين كامل بن إسماعيل، بالإضافة إلى قبر آخر شاه إيرانى هو محمد رضا بهلوى، وبجوارها من ناحية اليمين تقع غرفة مقبرة الملك فؤاد، بجدرانها المكسية بألواح الرخام الملون.