تساءل محمد بن شاكر الشريف في مقدمة كتابه ” تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف ” عن معنى «تجديد الخطاب الديني»؟ وما مراد المتكلمين به الآن؟ ومتى كانت البدايات الحقيقية له؟ وما أهدافهم من وراء ذلك؟ وما وسائلهم فى تحقيق أهدافهم، وما أثر ذلك على المسلمين في دينهم ودنياهم؟ وما مستقبل هذه الدعوة؟ وما دورنا نحن أو واجبنا إزاء ذلك؟
«تلك مجموعة من التساؤلات المهمة في هذا الموضوع، تحتاج إلى بيان وإيضاح، ويوضح الكاتب معنى التجديد السائغ شرعاً؛ انطلاقاً من التعريف اللغوي
وقد بين المؤلف أن أهل العلم ذكروا في بيان المراد بالتجديد عدة أقوال متقاربة المعاني؛ ومنه: إظهار كل سنَّة وإماتة كل بدعة، ومنه: إحياء السنن ونشرها ونصرها، أو تصنيف الكتب والتدريس، وكل هذه الأقوال تدور على معنى حفظ الدين على النحو الذى بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحدد له صفات منها:
أن يكــون مــن أهــل هـــذا الدين المؤمنين به على النحو الذي جاء به رســول الله صلى الله عليه وسلم.
أن يكون خبيراً بواقع الأمة عارفاً بعللها، وقد تحدث عن حدود التجديد المشروع فقال:
وهي:
إزالة ما زيد في الشريعة أو أضيف إليها.
التمسك بما ورد في الشرع كله، فيكون التجديد في هذه الحالة هو إعادة ما نُزِع أو نقص، ومن أهم تلك الأمور في عصرنا الحاضر إعادة التحاكم إلى الدين (الذي نُحِّيَ وأُبعد عن الغالبية العظمى من ديار المسلمين)؛ ليكون الحكم في شؤوننا كلها بما أنزل الله.
واتفق الكتاب مع ما اورده المفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي في كتابه ” ومضات على الطريق” الجزء الثالث: مقترحات لتصويب الخطاب الإسلامي، حين قال ” إن أزمة المسلمين تتمثل في تعدد الخطاب الديني وتناقضاته وفقاً للمرجعيات المذهبية: الخطاب الوهابي، الخطاب الشافعي، الخطاب التكفيري، الخطاب الحنفي، الخطاب السلفي، الخطاب الجهادي، الخطاب الإخواني، الخطاب المالكي، الخطاب الحنبلي، الخطاب الأشعري، الخطاب الإباضي، الخطاب الشعي … إضافة إلى تعدد الخطابات والمرجعيات داخل كل خطاب من هذه الخطابات كل على حدة، فضلاً عن أن هذه الخطابات لا تعترف ببعضها البعض سواء من ناحية الأحكام أو التشريعات أو الروايات. وأمام تعدد هذه الخطابات فإن الأمر يبدو وكأنه يتطلب معجزة إلهية لتصويب مسار رسالة الإسلام، حيث أوضح الشرفاء أنه من خلال مقاصد آيات القرآن لخير الإنسانية جميعًا في دعوته للرحمة والعدل والحرية والسلام والتعاون بين جميع البشر، من أجل أن يعيش الإنسان آمنًا وموفرًا قوت يومه في سلام واستقرار ويتبع هدى الله وآياته ويعمر الأرض ويكتشف ما فيها من بركات.
وهو ما أشار له الكاتب محمد بن شاكر الشريف في كتابه ” تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف ” حول فوائد تجديد فهم الدين فقال: «وتجديد الدين – على ما تقدم توضيحه وبيانه – له فوائد عظيمة؛ منها حذف الأقوال الباطلة التي نُسبت إليه، كما أنه يؤدي إلى تآلف القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الأمة؛ إذ لا مجال ولا مسوّغ للتفرق والاختلاف عند العودة إلى المنابع والأصـول».
وفي الفصل الثاني وهو: (التجديد من الناحية التحريفية) يشير إلى اتجاهين في المراد بالدعوة إلى تجديد الخطاب الديني :
الأول: وهو الذي ينادي بذلك على الوجه الذي تقدم في هذه الدراسة، وهؤلاء قلة، وصوتهم يكاد أن لا يُسمع من الصخب والجلبة التي يثيرها الفريق الآخر، وهؤلاء غالبيتهم من أهل الاختصاص في العلوم الشرعية: كبعض المفتين، ووزراء الأوقاف، وأساتذة العلوم الشرعية في الجامعات، وبعض الدعاة وطلبة العلم، وإن كان بعض هؤلاء لم يخلُ خطابهم وحديثهم من بعض الشوائب التي كدَّرت صَفْوَ كلامهم؛ وذلك بفعل الصياح الذي يكاد يصم الآذان من الفريق الآخر.
الثاني: وهو الذي ينادي بالتجديد، ليجاري التغيرات السريعة في واقع المجتمعات داخلياً، وفي العلاقات بين الدول خارجياً؛ والتجاوب معه كلما تغير». فيقول:
– إخضاع الدين الذي هو وضع إلهي إلى عقل الإنسان وتفكيره؛ وهذا بدوره يؤدي مع مرور الزمن إلى ضياع الدين كليةً، كما حدث مع الذين من قبلنا اليهود والنصارى، فقال مبيناً سوء صنيعهم وعاقبة فسادهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]،
– إفقاد الأمة الإسلامية أهم مصدر من مصادر عزها وقوتها، بلا ثقافة، وأخيراً بلا دين، وتصير بعد ذلك نهباً لكل طامع في خيرات بلادها.
– إفساح المجال بقوة أمام الحركات أو جمعيات التنصير التي تنشط في المجتمعات والأماكن التي تجهل حقيقة الإسلام.
– تحويل الأمة من أمة قائدة هادية للحق إلى أمة تابعة ذليلة ضالة .
– العبث بحاضر الأمة ومستقبلها .
وهو ما اتفق مع مضمون كتاب “ومضات علي الطريق ” للمفكر العربى على محمد الشرفاء الحمادي، حيث استنكر الخطط التى وضعها أعداء الإسلام واليهود، وضخوا الروايات والإسرائيليات فى مرجعية الإسلام ونسبت زورًا وبهتانًا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لتشويه رسالة الإسلام.
واختتم محمد بن شاكر الشريف كتابه ” تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف ” بأنه يجب على كل مسلم مكافئ لوضعه أو مكانته التى جعله الله فيها؛ فصاحب السلطان له دور، والعالم والداعية له دور، وأصحاب الأموال لهم دور، وهذه الأدوار متنوعة بحسب تخصصات المذكورين وصلاحياتهم، ولكنها تتكامل فيما بينها لتؤدى المطلوب منها، وبقية الناس لهم دور أيضاً؛ فإن هذا من الدفاع عن الدين، وهذا لا يُعفى منه أحدا، وقد حمى الآن الوطيس، والمعركة على أشَدِّها بين جند الرحمن وعبيد الشيطان، والغلبة لجند الرحمن، والخذلان والهزيمة لعبيد الشيطان.