نستعرض اليوم مع حضراتكم كتاب من يحكم العالم (اسياد البشرية) للكاتب أفرام نعوم تشومسكي وهو أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي وأيضًا عالمٌ إدراكيٍ وعالمُ منطقٍ ومؤرخ وناقد وناشط سياسي. يعمل تشومسكي أستاذًا فخريًا في اللسانيات في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي عمل فيها لأكثر من 50 عام
ويقول الكاتب في مقدمة كتابه من يحكم العالم انه منذ عقود، ومع بداية حرب فيتنام، كرس العديد من علماء اللسانيات والسياسة حياتهم لنقد الإمبراطورية الأمريكية، تلك الإمبراطورية التي أصبحت تهيمن على السياسة العالمية على نحو غير مسبوق في التاريخ، وقد بلغت أشد قوتها في عهد الرئيس هاري ترومان الذي دشن في عام 1945م إنشاء أول قاعدة عسكرية أميركية في الخليج العربي، كعلامة بارزة في سياق توسع المصالح الأمريكية وبداية ظهور الإمبريالية الأمريكية. ومن بعدها توالى تدخل أميركا في شئون الدول العربية والإسلامية وأغلب دول العالم تقريبًا؛ فرأينا نصرتها القوية لإسرائيل وتوطيد شأنها في العالم العربي، كما رأينا تغلغلها في العراق وأخيرًا تدخلها في سوريا. وكل هذا لضمان سيطرتها على المنطقة بأكملها.
كان تشومسكي ناقداً عنيفاً للسياسة الخارجية منذ بداية حرب فيتنام لأنه يعتقد التأثير الهائل أن للتدخل الصريح والخفي في شؤون السكان المحليين لم يجد الاهتمام الذي يستحقه.. ما يجعل تشومسكي فريداً في ذلك نقده للنظام الاقتصادي الرأسمالي و انطلاقه من المفكرين الليبراليين الكلاسيكيين في عصر التنوير فأبطاله ليسوا لينين وماركس وإنما آدم سميث وفيلهيلم فون همبدولت فقد حاول أن يثبت أن السوق الحر التي تخيلها هؤلاء المفكرون لم يتحقق أبداً في العالم وبدلاً منه حصلنا على تواطؤ الدولة مع المصالح الخاصة وكرر إضافة إلى ذلك التأكيد بأن الهجمات على الديمقراطية وعلى السوق من قبل الشركات المتعددة الجنسية الكبيرة تحدث معاً وتسفي الحقيقة.
وفي هذا السياق يوكد الكاتب والمفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي ان جميعنا يدرك متى وكيف تم تقسيم الوطن العربي، ويوضح كيف اتفق البريطانيون والفرنسيون على تقسيم العالم العربي بينهما، وكيف اعلنوا اتفاقية (سايكس بيكو) ثم تبعها وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا سنة ١٩١٧م، الذي تضمّن إعلان تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين في ٢/ نوفمبر/١٩١٧م، وقامت دولة إسرائيل في ١٤/ مايو/ ١٩٤٨م، بعد انتهاء الانتداب البريطاني الذي ساهم ودعَّم وساعد قيام دولة إسرائيل منذ مؤتمر لندن سنة ١٩٠٧م إلى ١٤/مايو/ سنة ١٩٤٨ بحسب وصف الشرفاء
و يقول الشرفاء انه استعرض ذلك المشهد في عجالة بهدف ان يعلك العرب أنهم مغيبة عقولهم، ضائعة حقوقهم، وهناك وصاية استعمارية على مستقبلهم، غير مدركين ما يخطط لهم في الخفاء، وهو ما قاله نعوم تشومسكي في كتابه من يمتلك العالم
كما يوضح المفكر العربي الشرفاء ان العرب مازالوا ينساقون خلف وعود باسترجاع حقوق الفلسطينيين، والإسرائيليون يبنون المستوطنات مضيفا ان العرب يسعون خلف المفاوضات وقرارات مجلس الأمن، علمًا بأن من يملي قرارات مجلس الأمن هم نفس أعضاء مؤتمر لندن المعقود سنة ١٩٠٧م الذي استهدف إنشاء وطن قومي لليهود، فكيف يصدق المسروق وعود اللصوص بأن يعيدوا له حقه…..؟! من يملك القوة لا تضيع حقوقه: أليست تلك مأساة.. أمة ضاعت منها بوصلة متطلبات القوة والوحدة والتعاون والتخطيط للمستقبل في مواجهة أي اعتداء على الحقوق العربية، حين ساهم الانجليز في قيام الجامعة العربية ليشغلوا العرب بقرارات قمم عربية لا تجد لها مكانًا من التنفيذ أو الاحترام في الالتزام بقراراتهم، وعلى سبيل المثال اتفاقية الدفاع المشترك التي وقَّعها القادة العرب سنة ١٩٥٠م تحت اسم (معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي)، فهل تم تطبيقها بالرغم مما مر على مختلف الدول العربية من عدوان وغزوات من قِبل دول افتقدت كل قيم الأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان، واستباحت ودمرت أقطارًا عربية مثل العراق وسوريا واليمن والصومال وليبيا؟
وهو ما يوكده أيضا تشومسكي في كتابه من يحكم العالم من خلال طرحه سؤال من يحكم العالم، موضحا ان السؤال قد يبدو سؤالًا بسيطًا في ظاهره، إلا أن هنالك أسئلة كثيرة تكمن صعوبتها وتعقيدها في بساطتها الشديدة، ومن ضمنها هذا السؤال. قد يبدو أن الإجابة الأكثر بداهة وتقليدية هي القوى العظمى كأميركا وروسيا والصين. وهي بالفعل قد تكون إجابة صحيحة في بعض جوانبها، ولكنها مخلة كثيرًا، فالدول والسياسات إنما هي عبارة عن نتاج شبكات معقدة من العلاقات، ومزيج بين الأفكار والتيارات ومراكز القوة والنفوذ؛ لذلك فالإجابة التي تفترض أن القوى العظمى أو أمريكا هي من تحكم العالم هي إجابة بالغة التجريد؛ وبالتالي فهي مضللة.
ويضيف الكاتب تشومسكي وهي على العكس لا تناقش الدوافع الحقيقي وعلى المرء أن يطلع على الوثائق والسجلات التاريخية لكشف عنها.
ويتسائل نعوم تشومسكي عن دوافع الولايات المتحدة؟ ويجب قائلا “في المستوى العام التخطيط المتقدم أثناء الحرب العالمية الثانية. لقد سلم مخططو زمن الحرب بديهياً بأن الولايات المتحدة ستظهر من الحرب في موقع من الهيمنة الساحقة وطالبوا بتأسيس أجندة كبرى تحافظ فيها الولايات المتحدة «على قدرة لا خلاف فيها» مع «تفوق عسكري واقتصادي» وبنفس الوقت ضمان «تقييد أي ممارسة للسيادة» من قبل الدول التي قد تتدخل في خططها الكونيت”
كما يوضح الكتاب ان الأجندة الكبرى شملت نصف الكرة الأرضية الغربي والشرق الأقصى والإمبراطورية البريطانية (التي تشمل احتياطات الطاقة في الشرق الأوسط وأكبر قسم ممكن من اوراسيا، على الأقل مركزها الصناعي والتجاري في أوروبا الغربية من الواضح تماماً من السجل التاريخي أن «الرئيس روزفلت كان يهدف إلى سيطرة الولايات المتحدة على عالم ما بعد الحرب» كما قال المؤرخ الدبلوماسي البريطاني المحترم جيفري ورنر) في تقييمه الدقيق.
ويختم كلامه بان الأهم أن خطط زمن الحرب الحذرة نفذت حالاً كما قرأنا في الوثائق السرية للسنوات اللاحقة ورأيناها على الأرض و في الواقع. تبدلت الظروف وكذلك التكتيك لكن المبادئ الأساسية ثابتة تماماً حتى الوقت الحاضر.