من كان السابق فى الوجود الإنسان أم الأديان؟ بالطبع كان الإنسان. فبعد ما أعد الله الكون لإستقبال الإنسان كان الإنسان ثم بعد ذلك كانت الأديان. فإذا لم يوجد إنسان فلا لزوم لوجود الأديان . فالأديان كانت وجاءت من أجل الإنسان . والإنسان هنا هو مطلق الإنسان حيث لم يكن هناك علاقة دينية بين الله وبين الإنسان غير تلك العلاقة التى تتوافق مع إمكانات الإنسان الثقافية والذهنية والتى تناسب طبيعة الزمان والمكان . فكانت الوصية للإنسان (لا تأكل من هذه الشجرة). وهذه هى حالة أسست لحرية الإنسان فى الاختيار لكى يكون هناك ضرورة للمحاسبة . وحرية الاختيار هذه كانت هى الأساس لتلك التعددية الدينية التى أرادها الله سبحانه وتعالى.
هنا فهل هذه التعددية الدينية التى أرادها الله والتى اختارها الإنسان لغت الإنسانية؟ وهل هذه التعددية الدينية قد فرقت بين الإنسان والإنسان بسبب دين هذا يختلف مع دين ذاك؟ أم أن الإنسان أيا كان دينه ولونه وجنسه وطبقته (غنى أو فقير) وقدرته العلمية (عالم أو جاهل) أو الجسدية (قوى أو ضعيف) ، هو ذلك الإنسان الذى كرمه الله بعقله وبحرية اختياره . فما معنى ذلك؟ المعنى أن العلاقة الجوهرية والموضوعية والطبيعية التى يجب أن تكون بين الإنسان والإنسان هى تلك العلاقة الإنسانية التى يدعمها فى الإطار الشخصى قناعة كل إنسان ليس بدينه فقط وإيمانه المطلق بهذا الدين ولكن فى المقام الأول أن يكون كل مؤمن مدركا ومؤمنا ومطبقا للمقاصد العليا للدين . وهنا لم أقل المقاصد العليا لدينه فقط ولكن قلت المقاصد العليا للأديان جميعها. وذلك لأن حكمة الله وإرادته وما يتسق ولايتناقض مع نعمة التعددية الدينية هو أن هذه المقاصد العليا (القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية) هى ذاتها فى كل الأديان وذلك بعيدا عن تلك الأفكار الدينية التى تعتمد على تفسيرات واجتهادات للنصوص الدينية تقصد وتهدف إلى إسقاط وإلى تجاهل هذه المقاصد العليا لتحقيق أهداف خاصة بكل دين وعقيدة وأيديولوجية، حيث يتم استغلال النص وتوظيف التراث فى غير موضعه، وتحويل الإيمان الذى هو علاقة بين الإنسان وبين الله إلى حالة تصارعية ليس بين إنسان وإنسان مختلفى الدين ولكن داخل الدين الواحد بل داخل الطائفة الواحدة !!!
ولما كان الإيمان هو تلك العلاقة بين الإنسان وبين الله ولا يدركها أحد. لذا فلا علاقة بالإيمان الصحيح بالدين وبمقاصده العليا بذلك الصراع المختلق بين الأديان . فهل الله أراد التعددية لكى تكون سببا فى صراع بين الإنسان وأخيه الإنسان؟
الإنسانية تجمعنا والتعددية الدينية لا يجب أن تكون صراعًا. بل هى واجبة وطبيعية ومبررة بتمسكنا جميعا بالمقاصد العليا والقيم السامية والأخلاق القويمة التى تجمع كل الأديان بكل مسمياتها فى كل زمان وكل مكان . فالتمسك بصحيح الدين لا يعنى رفض الآخر لأن هذا الآخر هو الإنسان الذى لا حق لك فى محاسبته . فالله هو الذى سيحاسب الجميع . عليك أن تظهر إيمانك فى أعمالك التى هى الخير لكل الإنسانية وليس لمعتنقى دينك فقط . (ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا اسم الله) ( الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل) . غير ذلك عدم فهم لصحيح الأديان ومعاندة لحكمة الله فى منح الإنسان الحرية فى اختياراته وتدخل فى مايخص الله فى محاسبة الإنسان . فأنا أيا كانت ديانتى فأنا إنسان أقدر الإنسانية وأحترم اختيار الإنسان حتى أتعايش وأعيش وحتى نكف عن تلك الصراعات التى تسحق الإنسان بيد أخيه الإنسان. حمى الله الإنسان من شرور الإنسان.