بعد أكثر من عام على إعلان السيسى عن إقامة حوار وطنى يشارك فيه كل الطوائف السياسية، بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة تسهم فى حل القضايا المعاشة على أرض الواقع، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية- جميل أن يعلن عن بدء هذا الحوار فى أول أيام شهر مايو. وهذا الحوار يأخذ أهمية خاصة، حيث إن الإعلان عن هذا الحوار حدد بأن ترفع توصياته إلى رئيس الجمهورية الذى يرفع مشروعات القوانين المطلوبة إلى البرلمان لتشريعها.. مع العلم أن الرئيس والبرلمان من صلاحيتهما القيام بتلك المهمة بغير هذا الحوار.
وهذا يؤكد أن الحوار يجب أن يكون حوارًا حقيقيًا موضوعيًا بعيدًا عن الشعارات والسفسطة والمظهرية الحزبية والسياسية الفارغة. كما يجب أن يتم الاستماع وإعطاء الفرصة للمعارضين قبل المؤيدين. وقد أعلن عن أن هناك ما يقرب من عشرين موضوعًا ستتم مناقشتها، وهذا جيد. هنا أعتقد أن الملف السياسى هو أهم الملفات، وذاك أن السياسة هى مشاركة الجماهير فى اتخاذ القرار بكل السبل والأساليب المتاحة. كما أن المشاركة السياسية والجماهيرية هى الشرعية الأهم لأى نظام حكم مع الشرعية الدستورية والقانونية.
ولأن هدف الحوار الأهم هو المشاركة مع المصارحة والوضوح، لذا وجب القول إنه كانت هناك ظروف طارئة واجهت الوطن بعد ٣٠ يونيو، أحدها الإرهاب وغياب الأمن والأمان. الشىء الذى جعل الملف السياسى وما ينبغى أن يكون موضع التأجيل المؤقت. ولكن بعد القضاء على الإرهاب أمنًيا «وليس فكريًا حتى الآن»، وبعد استعادة الأمن والأمان وجب الآن تحقيق تلك المشاركة السياسية الجماهيرية كما يجب، لصالح الوطن والمواطن.
ولأنه لا ديمقراطية دون تعددية، ولا تعددية دون أحزاب، لذا وجبت مناقشة الحياة الحزبية بصراحة دون تجميل أو تذويق. لا أحد يملك الجزم بأن هناك حياة حزبية حقيقية منذ أن عرفت مصر مسمى أحزاب فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر وحتى الآن، حيث إنه قد تم استيراد فكرة الأحزاب من الغرب الذى مر بمسار سياسى تاريخى، تطور من جماعات نقابية ظهرت مع الثورة الصناعية حتى تواجد الأحزاب السياسية التى تعتمد على رؤية وبرنامج سياسى يفرق بين حزب وآخر، حتى يكون مجالًا لاختيار جماهيرى يفضل حزبًا يتوافق مع رؤيته ومصالحه.
ولكن نتاجًا للواقع المصرى عبر التاريخ، أيضًا، الذى يعتمد على الفرد والفردية وجدنا الأحزاب تعتمد على الزعيم وليس البرنامج أو الرؤية السياسية، من عرابى مرورًا بمصطفى كامل وسعد زغلول وعبدالناصر، وصولًا لتجربة السادات الحزبية الشكلية الفردانية. ولذا فليس بمستغرب أن نجد الآن أكثر من مائة حزب فى مصر بلا رؤية ولا هوية سياسية تفرق بين حزب وآخر. ولكن نرى أحزابًا أقرب إلى جمعيات دفن الموتى وجمعيات العمل الأهلى، أو فى أحسن الأحوال لا نرى ظلًا لتطبيق مواد الدستور الخاصة بتشكيل الحكومة من حزب يسمى حزب الأغلبية. فكل الأحزاب المؤيدة التى تقول إنها معارضة «كل الأحزاب غير مستقبل وطن الذى يطلق عليه حزب الأغلبية»، لا نرى فارقًا بين هذا وذاك!
هنا نذكر بدعوة السيسى منذ أكثر من خمس سنوات بدمج تلك الأحزاب الهلامية، لتكون هناك عدة أحزاب قليلة تعبر بالفعل عن التوجهات السياسية الحقيقية التى تتوافق مع مجمل الرؤية السياسية التى تعبر عن الشعب المصرى بكل توجهاته وانتماءاته. فهل بذلك ننتظر التوافق حول صدور قانون أحزاب جديد ينظم ويثرى الحياة الحزبية، وبالتالى الحياة السياسية، حتى تكون هناك عدة أحزاب فقط تعطى الفرصة للمواطن أن يختار البرنامج الحزبى الذى يتوافق مع تطلعاته، ويحقق أمنياته، عند وصوله للحكم.. فى الوقت الذى تعطى فيه الفرصة لهذه الأحزاب بالارتباط بجماهيرها بالاجتماعات والأنشطة واللقاءات الجماهيرية التى لا تفرق بين حزب مؤيد أو آخر معارض؟
الحديث متواصل حول هذا الحوار المهم الذى نأمل بنجاحه لصالح الوطن والمواطن.
حمى الله مصر وشعبها العظيم.