لم تعرف مصر الاقتراب من الحياة النيابية إلا مع مجلس شورى النواب عام ١٨٦٦، حيث لم يكن هناك نظام سياسي بمفهومه العلمى طوال التاريخ المصرى غير اجتهادات وقرارات ورؤى شخصية وذاتية من الحاكم أيا كان مسمى هذا الحاكم .
فتطور شكل الديمقراطية من ديمقراطية مباشرة فى اليونان (ديمو قراطس) وكانت للنخبة فقط، وصولا إلى الديمقراطية النيابية (البرلمان) عبر مسار سياسي أوربي تأثرا بالمتغيرات العلمية والصناعية والاقتصادية التى أنتجت متغيرات سياسية بدأت بالنقابات بعد الثورة الصناعية وتحولت إلى النظام الحزبى، الذى يعبر فيه كل حزب من خلال برنامجه الحزبى عن طموحات وآمال كل من ينتمى اليه مؤمنا ببرنامجه ورؤيته الحزبية.
كان طبيعيا أن تكون الأحزاب والبرلمانات المصرية (تحت أى مسمى ) هي ابنة بيئتها المصرية شكلا وموضوعا، حيث أن النظريات والأنظمة السياسية لا تستنسخ ولكنها بنت البيئة . وعلى ذلك فتاريخيا هناك علاقة وثيقة بين المكون الشخصى والحضارى المصرى وبين الحاكم . وكانت السمة الأهم هى الخضوع لهذا الحاكم باعتباره أنه هو الكاهن وابن الإله، فوجدنا هذا الميراث قد تمثل فى شكل زعامات شخصية سواء فى إطار النظام الحاكم أو النظام ألحزبى أو الدينى، وهذا يعنى الانحياز للرؤية الذاتية والشخصية والكارزماتية للزعيم، الشئ الذى يؤثر بالقطع فى محاصرة الرؤية الموضوعية العلمية والعقلية.
بعد هذه المقدمة التى طالت أدخل في صلب الموضوع ، كانت هناك جلسة فى الحوار الوطنى تناقش زيادة عدد أعضاء البرلمان وقضية تفرغ الأعضاء. أولا : قضية تفرغ عضوالبرلمان لممارسة دوره النيابى، كان قد أقره الدستور حتى لايكون هناك تعارض فى المصالح، وان كان هناك حالات تتم فيها الموافقة على عدم التفرغ وهذا فى رأيى غير جائز، لأن النيابة عن الشعب وممارسة دور الرقابة والتشريع تحتم التفرغ الكامل لمن يؤمن إيمانا صادقا ويعلم ثقل مهمة تمثيل الشعب (وهذا شرف كبير لمن يدرى). أما زيادة عدد الاعضاء وذلك لزيادة عدد السكان، نظريا يمكن الحديث حول عدد السكان الذين يمثلهم النائب زيادة أو نقصا، ولكن في الإطار الموضوعى والعملى والسياسى يثور تساؤل، هل هي قضية كم أم كيف؟ إذا كانت قضية كم، فالكم موجود والحمد لله (فأحمد زى الحاج أحمد فالكل واحد كميا)، ولكن القضية الأساسية هي الكيف، فهل هناك برلمان فى تاريخ مصر كان يعبر عن الغالبية الغالبة من الشعب المصري التي تحتاج فى ظل ظروفها الاقتصادية والسياسية التمثيل البرلمانى الحقيقى والصحيح؟ أم أن الغالبية الغالبة من أعضاء البرلمان لايمثلون غير مصالحهم الذاتية سواء على مستوى تحقيق تلك المصالح بشكل مباشر، فى إطار تعارض المصالح (استثمار، أراضي، تخليص مصالح .. الخ)، وفى سبيل تحقيق هذه المصالح يتم دمج الثروة بالسلطة ، وذلك يرجع إلى غياب الحياة الحزبية الحقيقية وفرض الوصايات بكل أنواعها على الناخب (وللأسف بكل أنواعه) والاعتماد على القدرة المالية المليونية فى الوصول إلى العضوية بعيدا عن الموقف والرؤية السياسية التى تميز مرشحا عن الآخر. كل ذلك أدى لغياب المرشح الذى يستطيع التعبير عن الجماهير وطرح قضاياها وحل مشاكلها وتحقيق آمالها.
هل يمكن – بعد القضاء على الإرهاب أمنيا وبعد استعادة الأمان والاستقرار للوطن – وبعد إطلاق الحوار الوطنى والسعى إلى وطن مدنى ديمقراطى حديث، هل يمكن أن نعيد النظر فى النظام الانتخابى والأهم هو أن نصل إلى نائب يمارس دوره المهم بكل حرية وجرأة لصالح الوطن والمواطن؟ فهذا أحد الطرق السياسية المطلوبة والمهمة لوطن يمتلك الكثير والكثير من إمكانات بشرية ومادية وتاريخية وحضارية، حتى يمكننا مواجهة تلك التحديات الداخلية والإقليمية والعالمية التى تحيط بنا جميعا بلا استثناء . فالوطن يحتاج كل أبنائه.
حمى مصر الوطن الغالى وحمى الله كل المصريين.