الحوار بشكل عام يعنى طرح الأفكار المختلفة والرؤى المتعددة فى إطار حوار نقاشى يُطرح فيه الرأى والرأى الآخر بكل الحرية والموضوعية، بهدف الوصول إلى رؤية مشتركة توازن بين تلك الرؤى المختلفة بما يصب إلى الصالح العام الوطنى.
والحوار هذا، وبهذه الصورة، لا يفرق البتة بين من يقول إنه موالٍ ومن يقول إنه معارض، حيث إن هذا وذاك مصريان لهما الحق كل الحق فى مناقشة قضايا الوطن العامة والهامة كنوع من الممارسة السياسية الصحيحة التى تؤدى إلى مشاركة الجماهير فى اتخاذ القرار. وهذا غير التمثيل النيابى الذى يمارس من خلاله النائب الدفاع عن مصالحه الذاتية أو المصلحة العامة التى تحقق مصالحه الذاتية. ولذا فلو كانت الأغلبية البرلمانية ذات توجه رأسمالي فلا شك أن الحوار يتجه إلى قرارات تحقق مصلحة تلك الأغلبية والعكس صحيح.
وعلى ذلك يصبح إقامة الحوارات الوطنية العامة من القاعدة إلى القمة من القرية للعاصمة حوارات مطلوبة وحتمية، خاصة فى إطار وجود مشكلات اقتصادية وسياسية وثقافية ومجتمعية تؤثر على التركيبة السياسية والاقتصادية للوطن لأزمنة قادمة. هذا يعنى، وكما قال السيسى وتبعه المنسق العام، أن الحوار سيكون للجميع وبلا حساسية لتأكيد ممارسة التعبير عن الرأى بحرية بصورة عملية. وقد حاولت أمانة الحوار أن تؤكد ذلك بكلمتى عمرو موسى وحسام بدراوى من خلال طرح تساؤلات تهيم فى عقول وضمير الجماهير على اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية.
هنا وجب السؤال: هل تمارس بالفعل حرية التعبير عن الرأى على المستوى العام والإعلامى؟ لا شك أن الإجابة بلا. وذلك نتيجة لظروف قد مر بها الوطن منذ ٣٠ يونيو وما تبعها من عمليات إرهابية أسقطت الأمن والأمان وكثيرا من شهداء الوطن على كل المستويات.
هنا كان مقبولا أن يكون التفكير الصحيح فى إعادة الأمن والأمان وهيبة الوطن وتأجيل الممارسة السياسية الطبيعية لما بعد فترة الطوارئ هذه. وهذا يعنى أن هذا الحوار الوطنى هو البداية الصحيحة والمقصودة لإعادة الحياة السياسية وحرية التعبير عن الرأى لكل مواطن حسب الدستور الذى التزم الحوار الوطنى بقواعده. فهل سيتم ممارسة حرية الرأى هذه بين جدران قاعات الحوار الوطنى وفقط؟ بالطبع لا تستقيم الأمور بهذا، خاصة إذا قلنا ونقول إن الحوار لا يجب أن يقتصر على قاعات الحوار فقط ولكن لا بد أن يشمل جميع المستويات، وهذا دور أحزاب الموالاة والمعارضة، هذا إذا استطعنا أن نفرق بين هذا وذاك!!
فهل ستنسحب حرية التعبير هذه إلى الوسائل الإعلامية بكل مسمياتها؟ خاصة إعلام الدولة، مع العلم أن الإعلام الخاص لا يفرق كثيرا عن إعلام الدولة. وهل سيعلم الذين يقومون بدور الموالاة مقابل المصالح الخاصة أن هذه الطريقة لا تصلح كل الوقت حيث لا بد من المصداقية الإعلامية والمهنية التى تصب أولًا وأخيرا فى صالح أى نظام حاكم. ولذلك يجب أن نعى جيدا أن حرية التعبير عن الرأى لا تعنى أن يكون الرأى مناصرا أو معارضا فكلاهما وفى إطار الموضوعية والالتزام بقواعد الدستور والقانون سيكون فى الصالح العام الوطنى والجماهيري.
كلنا أمل أن يكون الحوار الوطنى بداية حقيقية وصحيحة لممارسة حرية التعبير عن الرأى التى هى أساس أى عمل سياسى مشروع ودستورى وقانونى، سواء كان يتصور أنه موالٍ أو معارض فالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة لا بد لها من المشاركة الجماهيرية، وعلى كل المستويات، خاصة فى ظل الظروف الخطيرة التى تواجه الوطن والمواطن. فلا مشاركة بدون سياسة ولا سياسة بدون حرية التعبير عن الرأى.. حمى الله مصر وشعبها العظيم.