أى تغيرات إصلاحية أو ثورية تحدث للاوطان والأمم لا تكون ولا تتم بطريقة الريموت، ولكن تتم من خلال مبدأ التراكم الزمنى والمكاني كميا حتى يحدث تغييرا كيفيا، فماحدث فى عام ١٩١٩ كان نتيجة تراكم لعرابى ومصطفى كامل والحراك السياسى الذى كان يتوافق مع معطيات الواقع المجتمعى والجماهيري، كما أن ثورة يوليو التى بدأت كانقلاب عسكرى ثم إلى ثورة كانت نتاجا أيضا لتلك المراحل السابقة على المدى المتوسط والطويل لنضالات الشعب المصرى على مر العصور وفى كل مسميات الأنظمة السياسية.
ولذا فالحديث عن ٣٠ يونيو هو حديث متصل وهو امتداد طبيعى لـ ٢٥ يناير، وعندما نتحدث عن يناير لابد لنا أن نستعيد سريعا الظروف الذاتية والموضوعية التى أدت إلى يناير، فالظرف الموضوعى الذى يتمثل فى ما اجتياح الفساد والرشوة والمحسوبية وباختصار زواج السلطة والمال على حساب كل المطالب والقضايا الوطنية والجماهيرية، فهذا الظرف اكتمل بعد مهازل انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠١٠ .
اما الظرف الذاتى والذى يتمثل فى ذلك التنظيم الثورى الذى يمتلك البرنامج والمنهج البديل للسلطة الساقطة حتى يكتمل التغيير وينقل المجتمع للأحسن فى كل مناحيه، هنا لا أحد يستطيع أن يقول إنه كان هناك ذلك التنظيم الذى يجمع كل القوى السياسية حول برنامج توافقى . فماذا كان الوضع ؟
بعد حرب ١٩٧٣ كانت تلك الردة على مبادئ يوليو والسير إلى النقيض خاصة فى المجال الاقتصادي عبر الانفتاح الاستهلاكى، مع الحديث عن ديمقراطية شكلية لها أنياب . ثم عادت الأحزاب فى إطار شكلى لاعلاقة له بتأسيس حياة حزبية تمارس تداول السلطة، فكانت الأحزاب مكملا ديكوريا للنظام السياسى الساداتي، وقد ظلت هذه الديمقراطية الشكلية والديكورية وصولا لعهد حسنى مبارك.
ولكن من الطبيعى أن يكون هناك نتائج إيجابية لهذا الشكل وهى تراكم النضالات والمظاهرات والاعتراضات فى إطار الممكن والتى كان مقابلها دفع الثمن من الاعتقالات والمضايقات بكل أشكالها السلطوية .
فكانت هناك ممارسات معارضة من حزب التجمع الذى قاد الحراك السياسى ضد السادات.
انتقل ذلك الحراك إلى حزب العمل مع مبارك بعد تطبيق نظرية الاسقف المنخفضة (للدكتور رفعت السعيد)، وفى ذات الوقت لم تسلم الأحزاب من ألاعيب الحزب الوطنى حتى كانت تلك الانشقاقات التى طالت أغلب الأحزاب، وكان ذلك على حساب الحياة الحزبية بالرغم من شكليتها وديكوريتها.
فى ظل تلك الظروف وبكل معطياتها كانت هناك خطوة مفصلية فى تاريخ الحركة السياسية المصرية وهى إفراج السادات عن الإخوان لاستغلالهم ضد القوى اليسارية بكل فصائلها تمهيدا للقيام بدوره المستقبلى فى قيام مايسمى بالشرق الأوسط الجديد بقيادة امريكا واسرائيل. هنا لا بد أن نذكر بأن السادات كانت له علاقة بالجماعة وبمرشدها البنا مع ميوله الدينية التى استغلها سياسيا وكان أخطر مظاهرها أنه رئيس مسلم لدولة إسلامية .
(وهذا الفكر سنفصله فيما بعد خاصة بعد وصول الجماعة للسلطة).
أعطى السادات الجماعة والجماعات المسماه بالاسلامية الضوء الأخضر ليفعلوا مايشاؤون خاصة فى أسيوط بقيادة محمد عثمان اسماعيل . حتى تم اغتياله بأيديهم .
مارس مبارك سياسة الباب الموارب مع الأحزاب ومع الجماعة، ونظرا لأن سياسة الانشقاقات كانت مسيطرة على الأحزاب مع التضييق على القوى السياسية المدنية التى لم تكن فى وضع سياسى توافقى يؤهلها لكى تكون قوة بديلة، فإضافة للتضييق كانت هناك الصراعات والزعامات الذاتية بين تلك الفصائل والقيادات المدنية والسياسية .
هنا كانت هناك مواجهة مستترة بين الجماعة والقوى السياسية .
حيث أن فتح الباب لتنظيم دينى يسيطر على الشارع منذ إعلان السادات تطبيق الشريعة الإسلامية فى السبعينيات، فسيطروا على النقابات ومنظمات المجتمع الاهلى .
بل تجاسروا على مالم يستطعه البنا ذاته بدخول البرلمان.
فكان تحالف الإخوان مغ الوفد ١٩٨٤ ومع العمل ١٩٨٧، حتى وصولهم للبرلمان ب ٨٨ عضوا. وكان هذا فى اكتر ممارسة للتقية مع مبارك ونظامه حتى أنهم لم يرفضوا التوريث.
هنا كان لابد أن يكون هناك مخرج للقوى السياسية، فكانت تلك التنظيمات السياسية وغير الحزبية، فكانت كفاية و٦ ابريل وغيرهما .
ولكن هل تترك الجماعة تلك التنظيمات؟ سنرى أن شاء الله .
حفظ الله مصر وشعبها العظيم .