انقضى شهر رمضان الكريم واليوم نحاور السيد احمدو حبيب الله من دولة موريتانيا وهو احد المتدربين في كتاب الله وقد سألناه عما يشغل بال كثيرا من المسلمين وهو، هل فى القرآن ما يمكن أن نميز به ليلة القدر من بقية ليالى رمضان ؟ وهل اصابنا الليلة ام انها تفلتت من بين أيدينا.
فأجاب نعم، ليلة القدر هي كل ليالي رمضان. فالقرآن له أسلوبه المعجز وتركيبه المتميز، فقد يطلق وصف الليلة بصيغة مفردة، على مجموعة الليالي التي تجمع بينها ميزة مشتركة . مثل ليالي رمضان، التي تعتبر كلها ظرفا زمنيا لنزول القرآن فهي بمثابة ليلة واحدة، لاشتراكها كلها فى الخيرية، وكونها كلها ذات قدر وبركة . ولهذا جاءت صيغة الحديث عنها فى القرآن، مطابقة لصيغة حديثه عن شهر رمضان، فقال: ﴿شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ …﴾ [البقرة: ١٨٥]
وقال: ﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ﴾ [القدر: ١]
واضاف ان ليلة القدر إذاً، هي كل ليالي رمضان، وهي المعبر عنها بليلة الصيام ، في قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُم …﴾ [البقرة: ١٨٧] أي: أحل لكم في كل ليالي الصيام الرفث إلى نسائكم … وإذا أردنا أن نقرب المعنى، فليلة القدر، والصلاة الوسطى، وساعة الإجابة يوم الجمعة، ليس المقصود بها مجرد، صلاة، أو ساعة، أو ليلة محددة … وإنما هي الساعة التي نستقبلها أمامنا، من كل ساعات الجمعة، والصلاة التي نستقبلها أمامنا من كافة الصلوات الخمس، والليلة التي نستقبلها أمامنا من جميع ليالي رمضان .
وأكمل قائلا ليلة القدر هنا، هى كل ليالي رمضان. ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالبحث عليها إلا فيما نستقبله من رمضان، مستخدما كل الصيغ التى تدل على المضارعة، لقوله صلى الله عليه وسلم: تَحرَّوا، والْتَمِسوا، وتَحَيَّنوا.. مع أنه بين أنَّ ليلة القدر قد تكون في السَّبع الأُوَل، وقد تكون فى السَّبع الغَوابِر وقد تكون في السَّبْعِ البواقِي وقد تكون في العشر الأواخر .. في تاسعةٍ تَبقَى، في سابعةٍ تَبقَى، في خامسةٍ تَبْقَى … بمعنى أنها ليست ليلة واحدة معينة، وإنما هى تلك الليالى مجتمعة، ولهذا جاء الترغيب في ليلة القدر وحدها، مطابقا للترغيب في شهر رمضان كله، لقول الله تعالى: {شَهرُ رَمَضانَ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ}. وقوله تعالى: ﴿إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ …﴾ [الدخان: ٣]
وهو ما يتفق مع كلام المفكر العربى على محمد الشرفاء الذى قال أن ليلة القدر كرمها الله بنزول القرآن الكريم فيها ليستقبله محمد عليه السلام ليبلغ به الناس كما أمره الله فى خطاب التكليف فى قوله سبحانه ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) فكان الأولى إحياء تلك الليلة في تدارس القرآن والتدبر فى آياته ومقاصدها لما ينفع الإنسان فى حياته وآخرته، وليبحث مراد الله فى شريعته، وكيف يلتزم الإنسان بتطبيقها في حياته ويتدبر المنهاج الربانى فى الذكر الحكيم، ليتبعه فى سلوكه فى تعامله مع الناس من رحمة وعدل وعفو وتسامح وتعاون، لا يظلم في حياته أحدًا، ولا يغتاب قريبا أو بعيدا، ويؤدى الأمانة ويتعامل بالصدق والنية الطيبة وبالإحسان والمعاملة بالحسنى، يبتعد عن المحرمات حتى لا يقع فى المعاصى، ويتعلم من الآيات التى تهديه الى طريق الحق الذى إذا اتبعه يبشره الله بجنات النعيم.