يعتبر مسجد عمرو بن العاص هو أول مسجد في مصر وإفريقيا كلها ويقع بالفسطاط بحي مصر القديمة ، فبعد فتح المسلمين للإسكندرية أرادها
“عمرو بن العاص” عاصمة لمصر فأمره “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه أن ينزل المسلمين منزلاً لا يحول بينه وبينهم نهر ولا بحر ،فغير وجهته واختار مكان بالقاهرة وسميت البقعة باسم الفسطاط.
ثم بنى “عمرو بن العاص” (رضي الله عنه) مسجداً لإقامة شعائر صلاة الجمعة الذي سمي باسمه حتى الآن ، وكان يعرف أيضاً ب”مسجد الفتح” و”المسجد العتيق”و
“تاج الجوامع” ، وكان أول إنشائه مركزا للحكم ونواة للدعوة للدين الإسلامي بمصر .
ثم بنيت حوله مدينة الفسطاط ، وأخذ الفسطاط يتسع سريعاً بعد أن نزلت فيه القبائل العربية الإسلامية حتى أصبحت المدينة الجديدة أول عواصم مصر الإسلامية.
وكانت مساحة الجامع وقت إنشائه 50 ذراعاً فى 30 ذراعاً وله ستة أبواب وظل كذلك حتى عام 53هـ حيث توالت التوسعات فزاد من مساحته
“مسلمة بن مخلد الأنصاري” (والي مصر) من قبل “معاوية بن أبي سيفان” وأقام فيه أربع مآذن، وتوالت الإصلاحات والتوسعات بعد ذلك علي يد من حكموا مصر حتى وصلت مساحته بعد عمليات التوسيع المستمرة نحو أربعة وعشرين ألف ذراع، وهو الآن حوالي 13200 متر .
وفي عام 564 هـ إبان الحملة الصليبية على بلاد المسلمين ، تخوف المسلمون من إحتلال مدينة الفسطاط التي فيها جامع عمرو بن العاص ، فعمد الوزير “شاور” إلى إشعال النيران فيها ، لعجزه عن الدفاع عنها ، فاحترقت المدينة وتخرب جامع عمرو بن العاص بعد أن استمرت النيران مشتعلة أكثر من الشهر تتأجج في الفسطاط وتأتي على ما فيها.
بعدها وفي عام 568ه قام
“صلاح الدين الأيوبي” بإعمار المسجد من جديد، فأصلح منه كثيراً وأعاد بناء صدر الجامع والمحراب الكبير، وكساه بالرخام ونقش عليه نقوشاً حسنة .
وفي1212 في عهد العثمانيين قام الأمير مراد بك بإعادة بناءِ داخلِ الجامع بعد هدمه إثر سقوط إيوانه وميل عُمُده، وبنى بالمسجد منارتين هما الباقيتان إلى الآن.
ووافق الإنتهاء من ترميم “مراد بك” لمسجد “عمر بن العاص” آخر جمعة من شهر رمضان ، فإحتفل بإفتتاحه ، وأثبت تاريخ هذه العمارة في ألواح تاريخية فوق الأبواب الغربية وفوق المحرابين الكبير والصغير، وقد استمرت عادة الاحتفال الشعبي الكبير في آخر جمعة من رمضان في هذا المسجد بصلاة الأمراء والملوك فيه منذ ذلك الحين.
وشهد المسجد أحداثاً جساماً في التاريخ المعاصر أهمها:
– الزلزال المدمر الذي هز مصر كلها الاثنين 15 ربيع الثاني 1413هـ / 12 أكتوبر 1992م وأصيبت بعض أعمدة المسجد وحوائطه بشروخ وتصدعات وقامت هيئة الآثار المصرية بترميمه.
– انهيار خمسين متراً من سور حرم الجامع ليلة الجمعة 13 شوال 1414هـ / 25 مارس 1994م وقامت هيئة الآثار بإقامة سور خرساني بارتفاع ستة أمتار حول الجامع ومرافقه.
– في يوم الأحد الموافق 5 ذو القعدة 1416هـ الموافق 24مارس1996م انهار 150 متراً من سقف المسجد في الجزء الجنوبي الشرقي بإيوان القبلة، وقد تم فك إيوان القبلة وإعادة بناءه .
ويشير بعض الدارسين والمهتمين بمسجد “عمرو بن العاص” إلى أنه كانت فيه محكمة لفض المنازعات الدينية والمدنية ، وكانت تعقد جلساتها في الجانب الغربي منه، وكان به بيت المال والذي كان موجوداً أمام المنبر على شكل قبة عليها أبواب من حديد، ولم يكن بيت المال هذا بيت المال الرئيسي الخاص بالدولة بل كان بيت مال اليتامى.
ولا يفوتنا أن نشير إلى الدور العلمي الرائد الذي قام به جامع عمرو بن العاص طيلة قرون وقرون.
وقد قام الإمام الشافعي بإلقاء دروسه فيه، وكانت حلقات الدروس فيه في البداية حوالي 33حلقة منها 15حلقة للشافعيين و 15حلقة للمالكيين و
3حلقات للأحناف، ثم ارتفع العدد إلى 110حلقة، وكان مجموع طلاب العلم في جامع عمرو بن العاص حينذاك أكثر من ألفي طالب، وكان في المسجد عام 415هـ حلقة درس ووعظ للسيدات تقوم عليها إحدى النساء الشهيرات في زمانها وهي(أم الخير الحجازية).
وحالياً يعتبر مسجد”عمرو بن العاص”قلعة للثقافة والدعوة والإعلام بالإسلام معرفة وعملاً من خلال الأنشطة المتعددة في ساحته سواء علي أعواد منبره أو الدروس فيه، أو من خلال الأنشطة الاجتماعية المتصلة مباشرة بالحي الذي يحيط به من خلال المقرأة ولجنة الزكاة وفصول التقوية وغير ذلك مما يدعم صلة المجتمع المسلم بهذا المسجد العريق .