ولد جيفري لانج بروفيسور الرياضيات الأمريكي في 3 يناير 1954 بمدينة برديجبورت، في عائلة كاثوليكية، ودرس أيضًا في مدرسة كاثوليكية، حلقة الدرس ذات يوم وهو في المرحلة الثانوية، حاول المعلم البرهنة على وجود الله بالرياضيات، وظل لانج يجادله، فغضب المعلم وطرده من حلقة الدرس مع الإنذار، ورجع إلى بيته، وعندما سمع والداه القصة صعقا، وقالا له: لقد ألحدت، وبقي لانج على هذه الحالة من الإلحاد عشرة أعوام، وأصبح أستاذًا في جامعة سان فرانسسكو، وفي بدايات عام 1980، قرأ نسخة مترجمة من القرآن، اهداها له صديق، وأعلن إسلامه، وله عدة مؤلفات، منها: الصراع من أجل الإيمان، حتى الملائكة تسأل: رحلة إلى الإسلام في أمريكا، ضياع ديني: صرخة المسلمين في الغرب.
يقول جيفرى ” عندما كنت فى سن 28 اعطاني صديق نسخة من القرآن، وذات ليلة كنت أجلس في شقتي في سان فرانسيسكو، وكنت قد أنهيت كل الكتب التى خططت لقراءتها، فأخذت الهدية التي أهداها لي صديقي وبدأت بقراءتها وفتحت المصحف وقرأت الصفحة الأولى ثم الصفحة الثانية وبشكل سريع. في الصورة الثانية وبعد حوالي 37 آية فقط من بداية القرآن وجدت قصة بدايه خلق الانسان لقد قراتها بشكل سريع كانت حوالي 8 او 9 آيات فقط، قصة أول رجل وأول امرأة فى التاريخ، واستطعت التعرف على بعض التفاصيل التي كانت تشبه ما تعلمته في طفولتي، ولكن لاحظت أن هناك شيء خاطئ، كان من الواضح لي انه ايا كان مؤلف هذا القرآن لأنني لم أكن مسلما فى هذا الوقت ولم تكن لدي فكرة عن مؤلف القرآن اعتقدت أنه ايا كان كاتب القرآن فهو لا يعرف المعنى الحقيقي للقصة لأن هناك بعض التفاصيل الغير واضحة حتى انه لم يفهم الهدف من القصة، فقرأتها مرة واحدة ثم عدت وقرأتها ثانيا فقط لكي أعرف ما هو الهدف الذى يسعى اليه الكاتب، ثم قرأت مرة ثالثة ورابعة ومن ثم أدركت أن هناك شيء غريب توجب علي القراءة بتركيز أكثر وفحص المعاني آية آيه وسطر سطر لأنه من الواضح أن الكاتب يحاول الوصول لشيء ما. بكل تأكيد كانت الكلمة الواحدة تحمل الكثير من المعاني واعتقدت أن الكاتب لابد أن يمتلك ذكاء لا مثيل له، حين وصلت الى الآية الثلاثون من السورة الثانية وهي سورة البقرة وفيها ” واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة ” .. ويوصخ جيفرى ” كلمة خليفة في العربية تعني نائب أو ممثل عني” ويستكمل جيفري قائلا والملائكه قالوا ” اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك” ويقول الله تعالى ” إني أعلم ما لا تعلمون” يقول جيفري هذه هي الآية التي جذبت انتباهي وجعلتني أُعيد القراءة مرارا وتكرارا”.
يتحدث جيفري عن إسلامه “لقد كانت غرفة صغيرة، ليس فيها أثاث ما عدا سجادة حمراء، ولم يكن ثمة زينة على جدرانها الرمادية، وكانت هناك نافذة صغيرة يتسلّل منها النور، كنا جميعاً في صفوف، وأنا في الصف الثالث، لم أكن أعرف أحداً منهم، كنا ننحني على نحو منتظم فتلامس جباهنا الأرض، وكان الجو هادئاً، وخيم السكون على المكان، نظرت إلى الأمام فإذا شخص يؤمّنا واقفاً تحت النافذة، كان يرتدي عباءة بيضاء، استيقظت من نومي، رأيت هذا الحلم مرات خلال الأعوام العشرة الماضية، وكنت أصحو على أثره مرتاحاً”.
في جامعة سان فرانسيسكو تعرفت على طالب عربي كنت أُدرِّسُ لهُ، فتوثقت علاقتي به، وأهداني نسخة من القرآن، فلما قرأته لأول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي “يقرؤنى” وفي يوم عزمت على زيارة هذا الطالب في مسجد الجامعة، هبطت الدرج ووقفت أمام الباب متهيباً الدخول، فصعدت وأخذت نفساً طويلاً، وهبطت ثانية لم تكن رجلاي قادرتين على حملي، مددت يدي إلى قبضة الباب فبدأت ترتجف، ثم هرعت إلى أعلى الدرج ثانية، شعرت بالهزيمة، وفكرت بالعودة إلى مكتبي، مرت ثوانٍ كانت هائلة ومليئة بالأسرار اضطرتني أن أنظر خلالها إلى السماء، لقد مرت عليّ عشر سنوات وأنا أقاوم الدعاء والنظر إلى السماء، أما الآن فقد انهارت المقاومة وارتفع الدعاء: ” اللهم إن كنت تريد لي دخول المسجد فامنحني القوة”.
نزلت الدرج، دفعت الباب، كان في الداخل شابان يتحادثان، ردا التحية، وسألني أحدهما: هل تريد أن تعرف شيئاً عن الإسلام؟ أجبت: نعم، نعم، وبعد حوار طويل أبديت رغبتي باعتناق الإسلام فقال لي الإمام: قل أشهد، قلت: أشهد، قال: أن لا إله، قلت: أن لا إله – لقد كنت أؤمن بهذه العبارة طوال حياتي قبل اللحظة قال: إلا الله، رددتها، قال: وأشهد أن محمداً رسول الله، نطقتها خلفه. لقد كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافي تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب الموت من الظمأ.
لن أنسى أبداً اللحظة التي نطقت بها بالشهادة لأول مرة، لقد كانت بالنسبة ليّ اللحظة الأصعب في حياتي، ولكنها الأكثر قوة وتحرراً. بعد يومين تعلمت أول صلاة جمعة، كنا في الركعة الثانية، والإمام يتلو القرآن، ونحن خلفه مصطفون، الكتف على الكتف، كنا نتحرك وكأننا جسد واحد، كنت أنا في الصف الثالث، وجباهنا ملامسة للسجادة الحمراء، وكان الجو هادئاً والسكون مخيماً على المكان، والإمام تحت النافذة التي يتسلل منها النور يرتدي عباءة بيضاء، صرخت في نفسي: إنه الحلم! إنه الحلم ذاته، تساءلت: هل أنا الآن في حلم حقاً؟! فاضت عيناي بالدموع، السلام عليكم ورحمة الله، انفتلتُ من الصلاة، ورحت أتأمل الجدران الرمادية! تملكني الخوف والرهبة عندما شعرت لأول مرة بالحب، الذي لا يُنال إلا بأن نعود إلى الله”.
يقول جيفرى لانج “بعد أن أسلمت كنت أُجهد نفسي في حضور الصلوات كي أسمع صوت القراءة، على الرغم من أني كنت أجهل العربية، ولما سُئلت عن ذلك أجبت: لماذا يسكن الطفل الرضيع ويرتاح لصوت أمه؟ أتمنى أن أعيش تحت حماية ذلك الصوت إلى الأبد”.
ويستكمل حديثه عن بداية دخوله الاسلام “الصلاة هي المقياس الرئيس اليومي لدرجة خضوع المؤمن لربه، ويا لها من مشاعر رائعة الجمال، فعندما تسجد بثبات على الأرض تشعر فجأة كأنك رُفعت إلى الجنة، تتنفس من هوائها، وتشتمُّ تربتها، وتتنشق شذا عبيرها، وتشعر وكأنك توشك أن ترفع عن الأرض، وتوضع بين ذراعي الحب الأسمى والأعظم”.
“وإن صلاة الفجر هي من أكثر العبادات إثارة، فثمة دافع ما في النهوض فجراً بينما الجميع نائمون لتسمع موسيقا القرآن تملأ سكون الليل، فتشعر وكأنك تغادر هذا العالم وتسافر مع الملائكة لتمجّد الله عند الفجر”.
يقول جفرى ” فى لحظة من اللحظات الخاصة في حياتي، منّ الله بواسع علمه ورحمته عليّ، بعد أن وجد فيّ ما أكابد من العذاب والألم، وبعد أن وجد لدي الاستعداد الكبير إلى مَلء الخواء الروحي في نفسي، فأصبحت مسلماً، قبل الإسلام لم أكن أعرف في حياتي معنى للحب، ولكنني عندما قرأت القرآن شعرت بفيض واسع من الرحمة والعطف يغمرني، وبدأت أشعر بديمومة الحب في قلبي، فالذي قادني إلى الإسلام هو محبة الله التي لا تقاوَم”.
“الإسلام هو الخضوع لإرادة الله، وطريق يقود إلى ارتقاء لا حدود له، وإلى درجات لا حدود لها من السلام والطمأنينة. إنه المحرك للقدرات الإنسانية جميعها، إنه التزام طوعي للجسد والعقل والقلب والروح”.