عثر علماء الآثار في كهف كويفا دي كوبرتا في إسبانيا على مجموعة جماجم لحيوانات ذات قرون جلبها إلى الكهف إنسان النياندرتال.
وتشير مجلة Nature Human Behavior إلى أن العلماء اكتشفوا هذا الكهف عام 1978، ومنذ ذلك الحين يعمل فيه العلماء، حيث اتضح لهم أن هذا الكهف استخدم للطقوس. وكان العلماء قد عثروا في هذا الكهف سابقا على رفات إنسان النياندرتال وأدوات مختلفة، واكتشفوا مؤخرا مجموعة جماجم عائدة لحيوانات.
والمثير في الأمر أن هذه الجماجم كانت قد فصلت بعناية عن الجثث وخضعت للمعالجة بطرق مختلفة باستخدام الأدوات والنار.
إنسان النياندرتال
ولهذه الجماجم سمات مشتركة- جميعها لحيوانات ذات قرون، وتعود إلى ثيران البيسون أو لثيران برية منقرضة ولغزلان ولوحيد القرن، وقد تفاجأ علماء الآثار عند عثورهم على جماجم وحيد القرن في الكهف، وأطلقوا على إحدى الجماجم اسم روسيندو- وهو اسم نجم الروك الإسباني.
ويعتقد العلماء أن وجود هذه الجماجم في الكهف لم يكن من أجل التغذية، بل لأغراض أخرى، فقد تكون غنائم صيد.
الأفيال المستقيمة الأنياب
والأربعاء الماضي، أظهرت دراسة أن إنسان نياندرتال كان قبل 125 ألف سنة يصطاد الأفيال المستقيمة الأنياب التي انقرضت، مع أن حجمها كان ضخمًا ويبلغ ضعف حجم الأفيال الإفريقية الحالية، إذ كان وزنها يصل إلى 13 طنًا، في حين كان ارتفاع كتفيها أربعة أمتار.
ومن خلال هذه الخلاصة غير المسبوقة، تُوفّر الدراسة المنشورة في مجلة “ساينس أدفانسز” معطيات جديدة تتيح فهمًا أكبر لإنسان نياندرتال الذي عاش في عصور ما قبل التاريخ.
وقال المُعدّ المشارك للدراسة ويل روبروكس لوكالة فرانس برس إن “إنسان نياندرتال كان يُحسِن التصرف بكميات هائلة من الطعام”، غير متأتية فقط من صيد الخيول أو الأبقار أو الغزلان.
وأوضح أن هذه الكميات كانت “تُحفَظ لفترات طويلة، وهو ما لم نكن معروفًا من قبل”، أو كانت تُستهلَك نظرًا إلى أن الإنسان كان يعيش في “مجموعات بشرية أكبر بكثير مما كان يعتقد سابقًا”.
وكان تقطيع فريسة يبلغ متوسط وزنها عشرة أطنان قبل تعفن اللحم يستغرق العمل أيامًا عدة بمشاركة نحو 20 رجلًا، بحسب الباحثين. وكانت توفر ما يكفي من الطعام لمدة ثلاثة أشهر لـ 25 شخصًا، أو شهرًا واحدًا لمئة شخص.
إنسان نياندرتال والحيوانات العملاقة
أما الطريقة لحفظها فكانت ربما تجفيفها بالنار. ولكن ماذا كان إنسان نياندرتال يفعل لقتل هذه الحيوانات العملاقة؟ لا تتوافر معطيات مؤكدة في هذا الشأن، لكنّ إحدى الفرضيات هي أن الصيادين كانوا يشلّون حركة الأفيال باستدراجها إلى مناطق موحلة تعلق فيها، أو إلى الفخاخ محفورة، ثم كان يُجهزون عليها بالرماح.
وكان الباحثون يتساءلون طويلًا عن سبب وجود عظام فيلة بالقرب من الأدوات الحجرية في الكثير من المواقع الأثرية، فهل كان إنسان نياندرتال قادرًا فعلًا على اصطيادها، أم أنه كان يتغذى على الحيوانات النافقة لأسباب طبيعية؟ ولم يُعثر قطّ على آثار ضربات أو رمح عالق في العظم أو سوى ذلك من أدلة قاطعة على أن الإنسان كان يصطاد هذه الحيوانات المعروفة علميًا باسم Palaeoloxodon antiquus، وهذا ليس مفاجئًا نظرًا إلى حجمها. وقد اعتبر علماء الوراثة أنها ثمة صلة بينها وبين الفيلة الإفريقية الحالية.
نويمارك-نورد 1
ولكن في الموقع المعروف باسم نويمارك-نورد 1، بالقرب من مدينة هاله الحالية في ألمانيا، عُثر على مؤشر شكّل تنبيهًا للعلماء، هو عبارة عن بقايا نحو 70 فيلًا، وهي أكبر تجمّع معروفة، وهي في غالبيتها العظمى ذكورًا بالغة.
ورأت الدراسة أن عدم التنوع هذا ناتج عن اختيار الصيادين. ويُرجّح أن اصطياد الذكور من الفيلة كان أسهل إذ هي تتنقل منفردة، في خين أن الإناث كانت تعيش ضمن قطعان. كذلك كانت ذكور الفيلة توفّر طعامًا أكثر نظرًا إلى أن حجمها أكبر من الإناث.
ثم بادر الباحثون إلى تحليل مجهري للعظام المحفوظة بشكل جيد جدًا لنحو 60 من هذه الأفيال، وتبيّن أنها تحمل بوضوح آثار أدوات الصوان التي كان إنسان نياندرتال يستخدمها لتقطيعها، وهي شقوق لا تزيد عن بضعة سنتيمترات.
وأوضح أستاذ علم الآثار في جامعة ليدن في هولندا ويل روبروكس أنها “علامات تقطيع مألوفة ناتجة عن تقطيع اللحم وكشطه عن العظام”.
وشرج الباحث أن المنطقة التي كان يعيش فيها هؤلاء البشر البدائيون والتي عُثر فيها على الأفيال بالقرب من إحدى البحيرات، كان تساعد على الإيقاع بها إذ أن التربة فيها رخوة.
وكان البشر يسارعون إلى سلخ هذه الحيوانات في موقع نفوقها وفور حصوله.
عالم إنسان نياندرتال
وتعود نحو 40 من هذه العينات إلى حقبة امتدت 300 عام فقط، مما دفع الباحثين إلى الاستنتاج أن حيوانًا واحدًا كان يُقتل كل خمس إلى ست سنوات تقريبًا.
وأظهرت الدراسة أن البشر البدائيين درجوا على اصطياد الأفيال في هذه المنطقة طوال ألفَي عام على الأقل، أي على امتداد عشرات الأجيال.
لكن إنسان نياندرتال عاش لفترة طويلة جدًا (ما بين 400 ألف عام و40 ألفًا)، بحسب ويل روبروكس الذي أوضح أن “الطقس في أوروبا كان في معظم الأحيان أكثر برودة بكثير مما هو عليه اليوم”، على عكس الفترة التي تم تحليلها في موقع نويمارك. لكنه أضاف “صورتنا عن إنسان نياندرتال تتجه بشدة إلى الفترات الباردة”.
ووفرة الغذاء العائدة المناخ الملائم تبني مكّنت هؤلاء البشر من اعتماد سلوب حياة أكثر استقرارًا، في مجموعات أكبر. ولكن لا يزال من الصعب جدًا تحديد عددهم بدقة.
على أي حال، أوضحت الدراسة وفقًا لويل روبروكس أن “عالم إنسان نياندرتال كان شديد التنوع”. وأن هؤلاء البشر “لم يكونوا مجرد عبيد للطبيعة يعتاشون من الأرض”.
وقال الباحث إنهم “كانوا قادرين على التحكم بمحيطهم (…) من خلال تأثيرهم الحقيقي على أكبر الحيوانات في العالم في ذلك الزمن”.
نقلا عن “فيتو”