أظهرت دراسة حديثة أن الحيوانات البحرية من الثدييات والطيور والزواحف تسبح على أعماق متشابهة نسبياً عند الانتقال من مكان إلى آخر، للحفاظ على الطاقة وعدم استخدام طاقة إضافية أثناء السباحة.
وأفادت الدراسة، التي نشرتها دورية الأكاديمية الأميركية للعلوم وأجراها باحثون من جامعتَي “سوانزي” و”ديكين” البريطانيتين، أن جميع هذه الحيوانات تسبح على عمق يساوي نحو 3 أضعاف عمق جسمها من سطح الماء.
ويساعد هذا العمق على السباحة في ما سمته الدراسة “النقطة المثالية” التي تقلل من تكوين الأمواج على السطح والمسافة الرأسية التي تقطعها، ما يساعدها على تقليل استهلاك الطاقة أثناء السباحة والهجرة لأماكن التزاوج.
وعندما تسبح الحيوانات البحرية على عمق يساوي نحو 3 أضعاف عمق أجسامها من سطح الماء، تستفيد من ظاهرة فيزيائية تقلل من مقاومة الماء لحركتها وتساعدها على توفير الطاقة.
وبالقرب من سطح الماء، تُنتج الأجسام المائية موجات سطحية أثناء حركتها، تتكون نتيجة إزاحة الماء بفعل الجسم السابح وتزيد من المقاومة التي يواجهها الحيوان أثناء السباحة.
لذلك، عندما تكون الحيوانات قريبة جداً من السطح، تُهدر كميات كبيرة من الطاقة للتغلب على هذه المقاومة الإضافية الناتجة عن تكوين الموجات، إلا أن السباحة في مستوى أعمق بقليل، مثل 3 أضعاف عمق الجسم، تُعتبر النقطة المثالية لتجنب هذه المشكلة.
مياه أكثر هدوءاً
في هذا العمق، ينخفض تأثير الموجات السطحية بشكل كبير، ما يقلل المقاومة التي يواجهها الجسم أثناء الحركة؛ إذ يصبح الماء أكثر “هدوءاً” عند هذا المستوى، فلا يضطر الحيوان إلى بذل جهد إضافي لدفع نفسه عبر طبقات الماء المُضطربة بالقرب من السطح.
ويساعد هذا التوازن بين العمق المناسب والطاقة المبذولة الحيوانات البحرية على السباحة بكفاءة أعلى دون إهدار طاقتها.
ويتيح هذا العمق أيضاً ميزة مهمة تتمثل في تقليل المسافة الرأسية التي تحتاج الحيوانات إلى قطعها للوصول إلى السطح للتنفس؛ لأن معظمها، سواء كانت ثدييات بحرية، أو زواحف، أو طيور بحرية، تعتمد على الهواء الخارجي للتنفس، كما أن السباحة في أعماق بعيدة جداً عن السطح ربما تضطرها إلى بذل طاقة إضافية للصعود المتكرر والتنفس.
وتوفر السباحة على هذا العمق المتوسط توازناً فعالاً بين البقاء قريباً بما يكفي للوصول إلى الهواء بسهولة، والابتعاد بما يكفي لتجنب المقاومة الناتجة عن الأمواج السطحية.
وشملت الدراسة بعض الحيوانات شبه المائية مثل المنك، التي تسبح على السطح.
ولكن بالنسبة للحيوانات البحرية الأخرى، مثل الطيور البحرية والثدييات والزواحف التي تهاجر لمسافات طويلة في حياتها، فمن المتوقع أن تكون هناك تكيفات لتحسين كفاءة الطاقة في التنقل، خاصة في الرحلات الطويلة.
ومن المعروف منذ فترة طويلة أن السحب الإضافي الناتج عن تكوين الأمواج يتقلص عندما يكون الحيوان المهاجر على عمق يزيد على 3 أضعاف قطر جسمه، ولكن من الصعب مقارنتها مع أعماق الحيوانات البرمائية بسبب قيود التتبع.
وسجل الباحثون في الدراسة الجديدة أعماق السباحة القريبة من السطح بدقة تصل إلى 1.5 سم في البطاريق الصغيرة والسلاحف البحرية ذات الرأس الكبيرة، كما قارنوا بيانات التتبع عبر الأقمار الاصطناعية للهجرات طويلة المسافة للسلاحف البحرية الخضراء، وبيانات من دراسات أخرى على البطاريق والحيتان.
ووجد الباحثون أن هذه الحيوانات تسبح على الأعماق المثلى المتوقعة من الفيزياء عندما تكون “في طريقها” إلى مناطق الصيد في البرية، أو أثناء هجرتها على مسافات طويلة دون أن تكون في حاجة للطعام.
وقال الباحثون إن عمق السباحة للحيوانات يكون مدفوعاً بعوامل أخرى، مثل البحث عن الفريسة، ولكن كان من المثير اكتشاف أن جميع الأمثلة المنشورة للحيوانات البحرية غير المتغذية كانت تتبع النمط المتوقع، ولكن نادراً ما تم تسجيل هذا بسبب صعوبة الحصول على بيانات العمق من الحيوانات التي تهاجر لمسافات كبيرة.
وأشار الباحثون إلى وجود علاقة مشتركة بين عمق السباحة وحجم الجسم من الحيوانات التي تتفاوت في الحجم من 30 سم إلى نحو 20 متراً في الطول.
وتفتح هذه الدراسة آفاقاً جديدة لفهم كيفية تكيف الحيوانات البحرية مع بيئتها لتقليل استهلاك الطاقة، ما يسهم في تحسين استراتيجيات الحفاظ على هذه الأنواع المهددة.
كما يكشف السلوك، الذي يظهر في المجموعات المتنوعة من الحيوانات البحرية مثل السلاحف، والطيور البحرية كالبطاريق، وحتى الحيتان، عن تكيف مذهل تطورت هذه الكائنات لتحقيقه على مدار ملايين السنين، إذ يُمثّل استجابة مثالية للتحديات التي تفرضها بيئة المحيطات، خاصة عندما تكون هذه الحيوانات في رحلات طويلة لا تهدف إلى الصيد أو البحث عن الطعام، وإنما إلى التنقل لمسافات بعيدة.
نقلاً عن الشرق