طالبت دراسة بحثية بأنشاء صندوق لاستثمار أموال الزكاة، يوفر فرص للعمل ويربي أموال الزكاة، ويرعى الفقراء . وتأتي هذه الدراسة لتؤكد على رؤية المفكر العربي الكبير علي محمد الشرفاء الحمادي، فى إنشاء صندوق للزكاة.
تناولت الدراسة التى قام بأعدادها الباحث الفلسطينى ختام عارف حسن عماوي، بجامعة النجاح الوطنية بفلسطين، بعنوان “دور الزكاة في التنمية الاقتصادية” تناول فيها دور الزكاة في التنمية الاقتصادية، وذلك بعد إعطاء صـورة عـن الزكاة ووجوب دفعها، وبعد بيان معنى التنمية ومفهومها في الإسلام وفي الاقتصاد الوضعي.
أكدت الدراسة على الدور الإيجابي للزكاة في حل مشاكل الفقر والبطالـة والاكتنـاز، وغيرها من المشاكل التي تزيد من معاناة الفرد، و تعمق التخلف الاقتصادي للأمة، وذلك عـن طريق المردود الذي تحدثه الزكاة، وبخاصة عند إستثمارها في مشاريع اقتصـادية اسـتثمارية، وليس في إنفاقها على الفقراء مباشرة .
كما أظهرت الدراسة أوجه الشبه وأوجه الفرق بين الزكاة والضريبة، وتميز الزكاة عن الضريبة في كثير من المجالات.
وأشارت الدراسة الى أهمية العمل الشعبي المؤسسي الـذي تقـوم بـه لجـان الزكـاة والجمعيات الخيرية في دفع عجلة التنمية.
وخلصت الدراسة الى الدور العظيم للزكاة في التنمية الاقتصادية من خلال إعطاء الكفاية الدائمة بما يتوافق مع مقصد الشرع من فريضة الزكاة، فمعلوم أن الزكاة ما شرعت إلا لتسد حاجة الفقراء وتنهي معاناتهم وتجعلهم يعتمدون على أنفسهم فيما بعد، وهذا المذهب هو الأقرب إلى مصـلحة الفقير ومصلحة الاقتصاد والأمة جميعها، كما أنه يتعامل مع الفقير بوصـفه إنسـاناً كرمـه الله واستخلفه في الأرض، وبوصفه مسلماً ينتسب إلى خير دين، بدلاً من أن يعطـى الفقيـر مبلغـا زهيداً يجعله عالة على الزكاة كل عام، ولكن من الناحية الواقعية يجب الموازنة بين أموال الزكاة المتوفرة من ناحية والمحتاجين إلى الزكاة من ناحية أخرى، فكثيرا ما تكون موارد بيت المال غير كافية لإغناء الأعداد الكبيـرة من المحتاجين كما هو الحال في عصرنا، فتكون المصلحة بإعطاء الجميع ولو لم يصـل كـل واحدا منهم الى درجة الكفاية الدائمة، وهذ الواقع يوجب على الفقهاء والمجتهدين وعلماء الاقتصاد الإسلامي إيجاد حلول لهذه المشكلة ومن ذلك استثمار أموال الزكاة .
وطرح الباحث إمكانية أن توجه الأنظار في العصر الحديث الى استثمار أموال الزكـاة فـي مشـاريع استثمارية ذات ريع، مما يعزز قدرة الزكاة على التنميـة الاقتصـادية مـن خـلال الوظائف التي ستوفرها، خاصة وأن البطالة تمثل إحدى المشكلات المستعصية في دول العـالم الإسلامي، فاستثمار الزكاة وإن لم يكن أمراً معروفاً ولا مطروحاً للبحث والاجتهاد عند الفقهـاء السابقين، إلا أن عدداً من كبار علماء هـذا العصـر قـد أجـازه، ووضعوا له القيود والضوابط التي تضمن مشروعيته وتحقق المصلحة منه، ثم إن هذا الاستثمار يتوافق مع مقاصد الشريعة من الزكاة ولا شك في أن مرونة أحكام الزكاة مـن حيـث جـواز الإخراج من المال المُزكى أو قيمته، ومن حيث جواز نقل أموال الزكاة – عند وجـود بعـض المسوغات – ووجود مصرف (في سبيل االله) وهو مصرف عام لا يشترط فيه التمليك الفوري، كل هذه الأحكام تزيد من إمكانية استثمار أموال الزكاة.
ولفت الباحث فى دراسته أنه عند إجراء مقارنة بين الزكاة و الضرائب، يظهر بكل وضوح ما تتميز به الزكاة عـن الضريبة، فإذا كانت الضرائب تعتبر من أهم الأدوات الاقتصادية، وتمثل مورداً أساسياً من موارد الدولة، فإنه يمكن للزكاة أن تكون مورداً مماثلاً وزائداً على الضريبة، مع التأكيد أنـه لا يمكـن للضريبة أن تغني عن الزكاة، فإن الاختلاف بينهما يقع فـي المـورد والمصـرف والمقـادير والأهداف والنتائج.
وحتى تؤتي الزكاة أُكُلَها، وتؤدي النتائج المؤملة منها لابد أن ينهض بها جهد جمـاعي مؤسسي منظم، سواءٌ أكان جهداً حكومياً أم شعبياً .
وفي ختام الدراسة أثبت البحث والواقع كذلك تفوق العمـل الشعبي على العمل الحكومي، بسبب ما يشوب العمل الحكومي من تعقيـدات ونفقـات كبيرة، أما الجهد الشعبي الذي تقوم به جمعيات ولجان الزكاة في كثير من بلدان العالم الإسلامي مرتبط بجهود القائمين عليه ومعظمهم من المتطوعين الذين يحركهم الدافع الـديني، وما يتمتع به هؤلاء من ثقة عالية لقربهم من دافعي الزكاة.
وينبغي التنبيه هنا على أمر في غاية الأهمية، وهو أن كل ما ذكر في هذه الدراسة عـن دور الزكاة في التنمية هو دورها المباشر، غير أن لها دوراً غير مباشر لا يقل أهمية، وذلك هو الأثر الاجتماعي، وتعزيز التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بتخليص الأغنياء والفقراء مـن الغل والحسد والبخل.
ومثل هذا المجتمع سيكون ولا شك أقدر على تحقيق التنمية الاقتصادية في واقعه، فالزكاة تمثل العلاج الشافي لكثير من مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء.
وأشار الباحث الى أن الدور الاقتصادي الذي يمكن أن تقوم به الزكاة في هذا العصر، ليس من قبيل التوقع أو الأوهام، فلقد قامت فريضة الزكاة بهذا الدور ولفترات طويلة في تاريخ المسـلمين، وأصـبح واقعاً معاشاً، أما ما نراه اليوم، فليس عيباً في الزكاة ولا دليلاً على عجزها، بل يرجع ذلك إلـى عدم تطبيق الإسلام تطبيقاً شاملاً.
ويري الباحث أن الزكاة لو طبقت كما بينه البحث في الجانب النظري لكانت علاجاً لكثير من مشكلاتنا الاقتصادية، والتطبيق لا يكون إلا بإخراجها مـن كـل مـال تستحق فيه وإيصالها لكل من يستحق.