أظهرت دراسة حديثة أن الاختلافات في مستويات هرمون التستوستيرون بين الأنماط المختلفة لذكور طيور “الدريجة الشرسة” ترتبط بـ”جين خارق” يتحكم في هذه الأنماط.
وجد الباحثون أن الذكور الذين لديهم مستويات منخفضة من التستوستيرون يُظهرون نشاطاً أعلى لهذا الجين في الدم وفي مناطق معينة من الدماغ مرتبطة بالسلوك الاجتماعي وإنتاج الهرمونات، أما الذكور الذين لديهم مستويات عالية من التستوستيرون فكان لديهم نشاطاً أقل لهذا الجين.
واكتشف الباحثون أن النسخة “المُطورة” من هذا الإنزيم، الموجودة فقط في الذكور ذوي التستوستيرون المنخفض، تعمل على تحويله إلى هرمون أندروستينيديون بسرعة أكبر من النسخة “الأصلية”، وهذا التغيير يساهم في اختلاف مستويات الهرمون بين الأنماط المختلفة.
وسلطت الدراسة المنشورة في دورية “ساينس” (Science) الضوء على دور جديد وغير متوقع للدم في تنظيم الهرمونات الجنسية، يتمثّل في أن هذه العملية الفريدة تُدار بواسطة جين واحد فقط.
ويُعرف التستوستيرون بأنه هرمون الذكورة الأساسي، إذ يؤثر على التطور الجنسي والسلوك العدواني، ويُعد محورياً في تحديد نجاح التكاثر.
وفي معظم الحيوانات، ترتبط مستويات التستوستيرون العالية بزيادة الهيمنة والسلوك الحازم؛ ويتم إنتاجه بشكل رئيسي في الخصيتين وينتقل عبر الدم إلى باقي أنحاء الجسم.
استراتيجيات غير عدوانية
لكن طائر “الدريجة الشرسة” والذي يعيش في أوروبا وآسيا ويتنافس ذكوره بشراسة لجذب الإناث، يُمثّل حالة استثنائية، إذ تُظهر الدراسة أن بعض الذكور، الذين يتبنون استراتيجيات تزاوج غير عدوانية، يحتاجون إلى التخلص من فائض التستوستيرون لأنه يصبح عقبة أمام نجاحها في التزاوج.
وبحسب الدراسة، تنقسم ذكور طائر “الدريجة الشرسة” إلى 3 أنواع، تتميز كل منها بمظهر وسلوك مختلف يلائم استراتيجياتها في التزاوج.
فالذكور المستقلة، وهي الغالبية العظمى، تتميز بريش داكن وسلوك عدواني، إذ تدافع بشراسة عن أراضيها في مناطق التزاوج لجذب الإناث. أما الذكور التابعة، فهي أصغر حجماً ولها ريش أفتح لوناً، وتعتمد على التحالفات السلمية مع الذكور المستقلة لتتمكن من التودد للإناث.
إلى جانب ذكور “الفيدر” وهي نادرة وتتبع استراتيجية مبتكرة، إذ تتنكر كإناث لتتسلل خفية إلى مناطق التزاوج دون أن تثير انتباه المنافسين.
ولأن استراتيجيات الذكور التابعة والفيدر لا تعتمد على العدوانية، فإن ارتفاع مستويات التستوستيرون لديها يُعتبر غير مفيد، بل يتعارض مع سلوكياتها السلمية.
ويجري النوعان، الذكور التابعة والفيدر، عملية بيولوجية حيوية تؤدي دوراً في تنظيم مستويات هرمون التستوستيرون في مستويات دمائها، إذ يقوم الإنزيم بتحويل التستوستيرون إلى مُركَّب آخر يسمى “أندروستينيديون” بسرعة وكفاءة أعلى؛ مقارنة بالنسخة العادية من الإنزيم الموجودة في الذكور المستقلة.
والأندروستينيديون هو شكل أقل نشاطاً بيولوجياً من التستوستيرون، ما يعني أنه يقلل من التأثيرات الجسدية والسلوكية المرتبطة بمستويات التستوستيرون العالية، مثل العدوانية.
ويؤدي هذا التغيير الإنزيمي إلى انخفاض مستويات التستوستيرون في الدم لدى ذكور الفيدر والتابعة، مما يجعلها أكثر ملاءمة لاستراتيجيات التزاوج السلمية وغير العدوانية التي تعتمد عليها.
في المقابل، يبقى لدى الذكور المستقلة مستويات أعلى من التستوستيرون، ما يعزز سلوكها العدواني ودفاعها عن الأراضي.
طفرة كبيرة
وتُمثّل الدراسة طفرة كبيرة في فهم العلاقة بين الجينات وتنظيم الهرمونات، إذ أظهر الباحثون أن الاختلافات بين الذكور الثلاثة تعود إلى “جين خارق” ضمن منطقة جينية تضم نحو 100 جين.
وقال الباحثون إن هذه المنطقة الجينية نشأت قبل نحو 4 ملايين عام نتيجة انقلاب كروموسومي.
وكشف البحث عن أن الإنزيم الخارق يعمل في الدم، وهي بيئة كانت تُعتبر سابقاً غير فعّالة في تنظيم هرمونات الجنس.
وفسَّر أليكس زيميلا، أحد الباحثين الرئيسيين، قائلاً: “اعتقدنا سابقاً أن هذا الإنزيم لا يؤدي دوراً في الدم، لكن نتائجنا أثبتت أن الدم يمكنه تنظيم مستويات التستوستيرون مباشرة”.
تأثيرات أخرى
ويشير الاكتشاف إلى أن ذكور هذا النوع من طيور “الدريجة الشرسة” استراتيجيات تزاوج معقدة تزيد من نجاحها الإنجابي.
تقول المؤلفة المشاركة في الدراسة “جاسمين لوفلاند” إن جميع الذكور يحتاجون إلى التستوستيرون لإنتاج الحيوانات المنوية، لكن الهرمون له تأثيرات أخرى مثل تعزيز السلوك العدواني وسلوك التودد، “ومن اللافت أن الذكور غير العدوانية تظهر مستويات مرتفعة من الإنزيم الخارق في الدماغ، خاصة في منطقة تحت المهاد، مما يعزز استراتيجياتها الفريدة في التزاوج”.
يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام أبحاث جديدة حول كيفية تنظيم السلوكيات الاجتماعية المعقدة في طيور الدريجة الشرسة، وفهم التنوع داخل الأنواع الحيوانية.
نقلاً عن الشرق